النتائج المتوقعة التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية، لا تعني بالضرورة أن بنيامين نتنياهو الذي حقق انتصارا مزدوجا على منافسيه وشركائه في الحكم، يتجه إلى سنوات من الاستقرار السياسي. فبعد أن يهدأ غبار المعركة الانتخابية، وتسكت أصوات "فرح" أولئك المنتصرين، سيجد نتنياهو نفسه أمام دوامة ليست صغيرة، لدى تشكيله حكومته الخامسة. ويبقى الأهم من ناحيتنا، أن أية تشكيلة لها، فإنها ستكون حكومة تسجل ذروة جديدة في عنصريتها وعدوانيتها، وبالأساس ستكون حكومة منشغلة في كيفية سن قوانين ضم مستوطنات الضفة.
فقد غاصت لجنة الانتخابات المركزية أمس الخميس، في فوضى كبيرة، بعد أن تبينت أخطاء كثيرة في تزويد النتائج لحاسوب اللجنة. وقد اشتدت هذه الحالة، بعد أن تبين أن قائمة "اليمين الجديد" بزعامة العنصريين المنفلتين نفتالي بينيت وأييليت شكيد، قد اجتازا نسبة الحسم لبضع ساعات، ثم سقطت قائمتهما مجددا، بفارق بحوالي 1400 صوت.
وعلى الأغلب فإن قادة هذه القائمة الاستيطانية العنصرية، ستحاول الدخول في مسار قضائي في محاولة للدخول الى الكنيست. ودخول هذه القائمة بأربعة نواب من شأنها أن تزيد للغالبية المطلقة التي سترتكز عليها حكومة نتنياهو مقعدين إضافيين.
أما من حيث النتائج ككل، فبالإمكان القول، إن شخص بنيامين نتنياهو، ومن ثم حزبه الليكود، حققا انتصارا مزدوجا. أولهما أن حزب الليكود بات القوة التي تتزعم اليمين الاستيطاني من دون منافس، وشركاءه عبارة عن فتات كتل صغيرة. وهذا المشهد الذي سعى له نتنياهو منذ فترة طويلة، حينما حاول خلال الولاية البرلمانية المنتهية، خفض نسبة الحسم، ليعيدها الى مستوى 2%.
ومن المفارقة أن أول المعترضين على هذه الخطوة كان وزير التعليم نفتالي بينيت وشريكته وزيرة القضاء أييليت شكيد، اللذين اكتويا الآن بنار هذه النسبة، بأقسى مشهد بالنسبة لهما، فقد حرقا ما يزيد عن 138 ألف صوت، وابتعدا عن نسبة الحسم بضع مئات من الأصوات.
والفوز الثاني لنتنياهو وحزبه، هو بتشكيل الحكومة المقبلة. ولكن على الرغم مما حققه الليكود، فإن حكومته في حال استندت على الشركاء الحاليين، من أحزاب اليمين الاستيطاني المتطرف والمتدينين المتزمتين "الحريديم"، سيكون مصيرها مرتبطا بكل واحدة من هذه الكتل، وهذا ما قد يهدد بأزمات مستقبلية، على مستوى القضايا الداخلية. وما سيزيد العقبات أمام نتنياهو، هو شكل توزيع الحقائب الوزارية الرفيعة، خاصة وان شخصيات كبيرة في الليكود تطمح للحصول عليها.
ومن الصعب رؤية نتنياهو يتجه نحو حكومة واسعة تضم قائمة "أزرق أبيض"، لأنه ليس بحاجة لحكومة كهذه، ستقاسمه فيها القائمة الكبيرة الثانية "كعكة الحُكم". ولهذا، فإن الاحتمال الأقوى أن يتجه نتنياهو نحو حكومة مع شركائه القائمين في الحكومة الحالية.
وسارع نتنياهو قبل أيام من الانتخابات ليعلن أنه سيتجه إلى سن قوانين لضم المستوطنين إلى ما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، وكان الهدف من هذا الإعلان هو اكتساح أكبر داخل معسكر اليمين الاستيطاني على حساب شركائه في الحكم، الذين تلقوا منه الضربة الثانية على التوالي بعد الضربة التي تلقوها في العام 2015.
ولكن من دون هذا التصريح بات واضحا منذ نهايات الولاية البرلمانية المنتهية أن إسرائيل نتنياهو ستتجه لضم أجزاء واسعة من الضفة، تحت غطاء الإدارة الأميركية بزعامة دونالد ترامب، خاصة بعد اعلانيها بشأن القدس ومرتفعات الجولان السورية المحتلة. وهذا سيزيد التعقيدات أكثر مستقبلا، وسيمنع أي حكومة من اجراء مفاوضات ذات قدرة على التوصل إلى حل؛ بسبب القوانين التي تفرض قيودا على أي انسحاب من أي منطقة تُفرض عليها "السيادة الإسرائيلية".
ويستند نتنياهو في جرأته على خطوة الضم، إلى سلسلة ظروف ناشئة، ومنها: أن نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية دلت على توغل عقلية اليمين الاستيطاني في الشارع الإسرائيلي. وثانيا أنه في حال تشكيل حكومته مع شركائه القائمين، ولم تكن موسعة، فإن نتنياهو لن يجد أمامه معارضة جوهرية، لفرض ما تسمى "السيادة" على الضفة، فهذا الاجراء ورد في البرنامج السياسي لقائمة "أزرق أبيض". ويضاف لهذا الدعم الأميركي الترامبي.
ولكن هجمة نتنياهو العدوانية الجديدة، لربما ستجد ما يشوشها، ومنها: انفجار الساحة الفلسطينية في وجه الاحتلال، في الضفة وقطاع غزة المحتلين. وسيكون في خلفية هذا الانفجار، اشتداد الخنق المالي، والأزمة الاقتصادية في الساحة الفلسطينية.
والجانب الآخر الذي من شأنه أن يشوش عمل حكومة نتنياهو المفترضة، هو أن تبقى النيابة العامة عند موقفها بتقديم لوائح اتهام بقضايا فساد ضد نتنياهو. فحتى الآن، صدر قرار من حيث المبدأ. ولكن في حال أبقت النيابة العامة على موقفها لتقديم لوائح الاتهام ضد نتنياهو، وهذا قرار سيُحسم حتى نهاية العام الجاري أو مطلع المقبل، فإن نتنياهو سيكون مضطرا لمغادرة منصبه، رغم أن القانون لا يفرض عليه ذلك، ولكن سينشأ ضغط شعبي يجبره على التخلي عن منصبه.
في الجانب الآخر من المشهد الانتخابي، فإن قائمة "أزرق أبيض" التحالفية، مهددة بأن تغوص قريبا في خلافات داخلية، فالجنرالات لم يسارعوا لهذه المعركة ليجلسوا في المقاعد الخلفية في الهيئة العامة للكنيست. وليس من المستبعد أن يسعى نتنياهو لتفتيت هذا التحالف من خلال اغراءات لقسم منها لضمه الى الحكومة.
أما حزب العمل، فقد وصل الى "القاع" بالنسبة لتاريخه، فهذا الحزب الذي انفرد في الحكم في السنوات الت 29 الأولى لإسرائيل، ووضع كل الاستراتيجيات والسياسات العنصرية وخاض الحروب التوسعية، سيمضي الولاية البرلمانية مع 6 مقاعد هامشية جدا في الساحة السياسية، ولا تلاحظ شخصية نجومية قادرة على إعادة الحزب الى مقدمة الحلبة السياسية.
فعلى سبيل المثال، في انتخابات 2006 انهاء حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الى 12 مقعدا، في اعقاب انشقاق أريئيل شارون وتشكيل حزب كديما. ولكن في الانتخابات التالية في العام 2009، حصل الليكود على 27 مقعدا وشكل حكومة نتنياهو الثانية.
وفي المحصلة العامة، فإننا إذا قلنا ان الولاية البرلمانية الـ 20 قد سجلت ذروة في شراسة عنصريتها، فإنها مهدت، في الوقت ذاته، لولاية برلمانية أشد شراسة ومرشحة لتسجيل ذروة أكبر حتى الانتخابات المقبلة، المرشحة بأن تجري قبل كثير من موعدها القانوني في خريف العام 2023.
صورة: في الليكود يرقصون بشعارات تحيي نتنياهو و... ترامب (رويترز)
إضافة تعقيب