//حسن مصاروة
تكلم مرة أدبينا الراحل اميل حبيبي عن قصة ظريفة حدثت معه أثناء زيارة للعاصمة القبرصية نيقوسيا عام 1968. يتحدث: سافرت مع أقرباء لي في سيارة أجرة مع سائق قبرصي الى مطعم خارج المدينة، تبادلنا أطراف الحديث باللغة العربية. سأل السائق:عرب من أين؟، أجبت: عرب فلسطينيون. لكنه أصر: الفلسطينيون مشتتون في جميع أنحاء العالم، من أين أنتم؟ أجبت: من إسرائيل. فما كان به الا أن ينفجر من الضحك، وفي لحظة معينة فقد سيطرته على المقود حتى كاد أن يتسبب لنا بحادث طَرق. السائق القبرصي ظن أني اروي له نُكتة. يقول حبيبي: في قبرص لم تقع لنا حادثة. لكن في إسرائيل وقعت وتقع لنا في كُل يوم.
اقيم أمس الأول في عرعرة مهرجان اليوم العالمي لدعم حقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل، بحضور القيادات السياسية للمجتمع العربي الفلسطيني داخل اسرائيل من قيادات أحزاب ونواب كنيست ورؤساء سلطات محلية عربية. وهو اليوم الذي أعلنت عنه لجنة المتابعة قبل ثلاث سنوات بهدف زيادة الوعي الدولي حول ما تعانيه الأقلية العربية الفلسطينية داخل اسرائيل من غُبن وسياسيات تمييز وترانسفير، ومن أجل تحشيد أكبر دعم دولي لنضال الفلسطينيين في الداخل من أجل نيل حقوقهم المسلوبة. ويقام هذا اليوم للسنة الرابعة على التوالي وفي كل واحدة من هذه السنوات، شهدت هذه الأيام، عشرات نشاطات في مختلف دول العام، في عواصم عربية وغربية.
من الطبيعي، بالتزامن مع السنة الرابعة لهذا اليوم أن، نسائل أنفسنا والقائمين على اليوم عن مدى نجاحه مؤكدين على جدواه وضرورته وعدم وضعه محل المساءلة. إن جدوى اليوم تنبع أساساً من أن قضايا الجماهير العربية داخل اسرائيل، همومها ونضالها لم تكن لسنوات موجودة على رادار الرأي العام الدولي، المؤسسات الدولية والقوى السياسية المعنية بالقضية الفلسطينية. حتى على مستوى الشعوب العربية فإن الوعي لقضية الجماهير العربية داخل اسرائيل يصل لأدنى المستويات. فكم من شخص في العالم، ومنهم عرب أيضاً، اذا تحدثت له عن هؤلاء "الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل" ستكون ردة فعله مشابهة لردة فعل السائق القبرصي الذي ركب معه إميل حبيبي قبل ما يقارب الـ50 عاماً.
من الطبيعي حينما ننظر الى مدى شعبية هذا اليوم، أي درجة الاهتمام الشعبي فيه من قبل الجماهير العربية في الداخل، أن نشعر بقصور حقيقي في هذا المضمار. الاهتمام في هذا اليوم اقتصر على القيادات السياسية من ممثلي أحزاب ونواب كنيست وبعض رؤساء السلطات المحلية وبعض النشطاء والفاعلين، في غياب لكوادر الأحزاب وقواعدها الشعبية. وهذا له أسبابه الكثيرة التي لا مكان للتوسع فيها هنا، أولها هو عدم قدرة الأحزاب حتى الآن في أن تقوم بدورها كذراع تنفيذي وحيد للجنة المتابعة. الا أن شعبية هذا اليوم بين الجماهير في الداخل ليست هي المعيار الأساس في مدى نجاحه. إن المعيار الأساس في نجاحه إذا كان الكلام عن "التضامن" مع الجماهير العربية داخل إسرائيل، هو مدى معرفة العالم عن اليوم ومشاركته فيه. ولا شك أن المشاركة الدولية لا زالت تقتصر على أطر ضيقة في بعض العواصم العربية والعالمية وفي السفارات الفلسطينية. وهي في أغلبها استغلال المسالك التي تفتحها أمامنا السُلطة الفلسطينية في ما يضع قدرتنا نحن على تكوين علاقات خارجية ممأسسة ومد جسور سياسية مع قوى ومؤسسات مختلفة حول العالم ترتبط بقضايانا وخصوصيتنا، محل المساءلة.
لا يمكن لأحد أن يُنكر القفزة الملحوظة التي حققناها في تدويل قضايانا في السنوات الأخيرة، بمساهمة لجنة العلاقات الدولية في لجنة المتابعة في مرحلة لإعادة مأسسة وهيكلة ملحوظة للجنة وبمساهمة القائمة المُشتركة وما فتحته من ابواب في الهيئات الدولية، بصفتها ممثلاً رسمياً للجماهير العربية في البرلمان الاسرائيلي بالإضافة لمساهمة المؤسسات الحقوقية. وعلى وجه الخصوص بعد إقرار إسرائيل لقانون القومية الذي يمس بالأساس بالفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل. وتمثلت هذه القفزة بلقاءات ومؤتمرات مثمرة في الأمم المتحدة والبرلمان الاوروبي ومع وزراء ورؤساء أوروبيين، ساهمت في هذه السنوات الأخيرة بوضع قضايا الجماهير العربية على رادار الرأي العام الدُولي وكان آخر نتائج هذه المساهمات، الرسالة التي وجهها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان الى الحكومة الاسرائيلية ومساءلتها حول قانون القومية اليهودية.
ولا يُمكن مثلاُ فصل حادثة اعتراض بعض أعضاء البرلمان الأوربي على استضافة "آفي ديختر" لكونه أحد مهندسي قوانين القومية عن تلك المساهمات التي قامت بها القائمة المشتركة ولجنة المتابعة في زيادة الوعي دوليا لقانون القومية ومخاطره. لكن لا زالت النظرة الرسمية الدارجة لنا ولقضايانا تتلخص في رد وزيرة خارجية الاتحاد الاوربي على توجه القائمة المشتركة بشأن القومية على أن القانون هو "شأن داخلي اسرائيلي" (السخرية أنه بالنسبة لموغريني، قانون الابارتهايد هو شأن داخلي إسرائيلي، أما شرعية الرئيس الفنزويلي المُنتخب ديموقراطياً فهي مسألة عامة!) فيما يُثبت لنا أولاً "محدودية" بعض هذه المؤسسات وقدرتها في ظل المنظومة الدولية القائمة في تبني قضايانا، وما يؤشر أن الطريق أمامنا، رغم القفزة النوعية لا زال طويلاً.
علينا، بالإضافة لهذه المؤسسات التي نعي محدوديتها أن نمد جسور التواصل مع قوى سياسية شعبية، لها قدرة أكبر على تبني قضيتنا وقدرة على التأثير خارج المؤسسة الرسمية بواسطة الضغط الشعبي عليها. لا يخفى علينا على سبيل المثال لا الحصر، التطورات التي تجري داخل حزب العمال البريطاني تحت قيادة جيرمي كوربين، الحزب الثاني في قوته بريطانيًا ويملك تأثيراً كبيراً على سياستها، ولديه فرص لا يمُكن الاستهانة بها للفوز بالانتخابات القادمة. وهو الآن يبدي اهتماماً غير مسبوق بالقضية الفلسطينية وميلاً واضحاً لنقد السياسات الاسرائيلية. مع مثل هذه القوى في جميع أنحاء العالم يمكننا أن نتواصل ونبني جسور تضامن حقيقية تضعنا على الرادار الشعبي والرسمي للعالم، ليعلموا أن هناك فلسطينيين في إسرائيل، لهم قضاياهم وهمومهم، ولهم يومهم العالمي أيضاً.
إضافة تعقيب