news-details

"يا صوتي ضلك طاير زوبع بهالضماير...بلكي بيوعى الضمير"| توفيق كناعنة

حكومة إسرائيل تعتبر الأحزاب الفلسطينية منظمات إرهابية. شوفوا مين بحكي عن الإرهاب! وانا اعتبر جميع الفصائل الفلسطينية بأنها أحزاب سياسية، جميعها تعمل من أجل التخلص من الاحتلال الغاشم، ومن أجل إقامة الدولة الفلسطينية، ومن أجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وهذا هو البرنامج الأساسي لجميع هذه الأحزاب العاملة على الساحة الفلسطينية.

من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر وفي أسلوب العمل من أجل الوصول إلى هذا الهدف الأساس، والذي هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكنس الاحتلال. لكن ومن اجل الوصول الى هذا الهدف واضح بأنه لا يمكن لأي حزب من الأحزاب أن يحقق هذا الهدف الهام لوحده، مهما كانت قوته الا عن طريق الوحدة الكفاحية لهذه الأحزاب، خاصة وأن شعبنا في هذه المرحلة يعيش تحت الاحتلال والعدوان الغاشم ولذلك فإن الوحدة هي الأساس لأنها هي المطلب الأساسي للأكثرية المطلقة لجماهير الشعب الفلسطيني ولجميع القوى الخيرة التي تؤمن بقضيته العادلة.

إن الواقع الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة هو من الأصعب على هذا الشعب الصامد والصابر والذي يجابه اقسى الأعمال الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل بحقه. في ظل وضع كهذا فان المطلوب من قيادة هذا الشعب الجبار ان لا تنتظر لمن يدعوها للوحدة بل ان تبادر وتفرض على نفسها الوحدة بدون وسطاء، لان هذه القضية هي قضية الشعب كله الذي من المفروض انكم اقمتم هذه الأحزاب من اجل خدمته. وفي هذه المرحلة أكبر خدمة تقدموها لشعبكم هي وحدتكم الكفاحية الصادقة.

ان هناك عدة أسباب أدت الى نكبة شعبنا في سنة 1948 وأحد هذه الأسباب كان عدم وحدة القيادات الفلسطينية في تلك المرحلة، خاصة وانني من الجيل الذي عاش النكبة، صحيح انني كنت ما زلت فتى في ذلك الوقت في الحادية عشر من عمري، ولكني عشتها مع عائلتي على جلودنا واحسست معهم بقسوتها.

 لست ضد تدخل بعض الدول الصديقة من اجل المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف ومشكورين لدورهم الإيجابي.

 لقد عقد اول اجتماع للمصالحة في القاهرة في تاريخ 4.5.2011 وخرجتم باتفاق، ولكن هذا الاتفاق لم ينفذ وكذلك عقد اجتماع في الجزائر بتاريخ 12.10.2012 وكذلك جرى اتفاق ولم ينفذ أيضا وبعده عقد اجتماع في موسكو بتاريخ 29.2.2024 وصدر بيان بالإعلان عن اتفاق، وهذا أيضا لم ينفذ. وكان قد ساهم في هذا اللقاء السياسي المخضرم وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وكان قد اقتبس في كلمته في هذا اللقاء حديثا للسيد المسيح يقول فيه "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب" وأضاف لافروف: "اعتقد ان هذا الاقتباس يعكس تماما اهمية استعادة الوحدة" وفي الواقع ان هذا صحيح جدا.

وها هي الصين الشعبية بادرت ايضا من اجل عقد اجتماع تصالحي بين الاحزاب الفلسطينية في بكين بتاريخ 22.7.2024 وجرى اتفاق هام، ولكنه ايضا لم ينفذ بعد. كل هذه الجهود التي بذلتها هذه الدول الداعمة للحق الفلسطيني بإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية اين عيونكم منها، اين عيونكم من شعبكم، هل اكتسبتم احترام هؤلاء؟ اعتقد لا، أن الذي يعد ولا ينفذ عمليا تفقد الثقة به.

هناك تحول ايجابي في الرأي العام العالمي لدعم الشعب الفلسطيني، من الضروري اخذ هذا التحول بعين الاعتبار، ولكن هذا التحول يمكنه ان يتراجع إذا لم تمده بأكسجين الحياة. والاكسجين لبقائه وتطوره هنا هو الوحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية على الأقل، وهذا من كل الاتفاقيات التي وقعت هو ابسط بند. حتى هذا لم ينفذ فكيف يمكنكم ان تنفذوا غيره من البنود؟ عندنا مثل شعبي يقول: "الي ما بعين نفسه ما حدا بعينه" وفي الواقع عندما تجري الوحدة تكبرون بعيون شعبكم أولا، ومن ثم بعيون اصدقائكم الذين بذلوا جهودا جبارة من اجل وحدتكم وحتى تشعروا بالفخر ان جهودكم قد اثمرت، وهذا ايضا يعطي دفعة قوة للذين يحتجون ويتظاهرون في العالم دعما لشعبنا وفي الوقت نفسه نخرس الاصوات النشاز التي تبرر نذالتها بهذه القضية التي تعتبر مركزية في هذه المرحلة.

هناك اغنية لفيروز من أجمل ما غنت اسمها "القدس العتيقة" تقول فيها: "يا صوتي ضلك.. طاير زوبع بهالضماير.. خبرهم علي صاير بلكي بيوعى الضمير"، ولا يمكن ان توعى ضمائرنا الا بوحدتنا التي لا بديل عنها، هذه هي الحقيقة التي من الضروري ان يفهمها الجميع. هناك بعض المعلقين الذين يسمون "معلقين سياسيين" على شاشات التلفزيون من اجل تبرير جبنهم يقولون ليتوحدوا هم اولا، فتعالوا نفوت عليهم هذه الحجة.

الحقيقة أنه لا يمكن انجاز كل ما اتفق عليه دفعة واحدة بل من الضروري البدء بالأبسط الا وهو انضمام جميع الأحزاب تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ومن المهم أن لا تكون أي عرقلة لتنفيذ هذا البند وبعدها يأتي بند إقامة الحكومة الفلسطينية التوافقية وعندها يمكن البدء بالعمل مع الدول التي عملت على وحدتكم أولا، ومن ثم مع باقي الدول الصديقة من أجل إقامة المؤتمر الدولي لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة برعاية الأمم المتحدة وليس برعاية العدو الأكبر لشعبنا، الولايات المتحدة. ولكن بمشاركة دولية وعربية واسعة. وباقي النقاط يمكن أن تسير أيضا في الاتجاه الصحيح. ومثل ما بقول مثلنا العربي: "كسر الحطب عقدة عقدة" وهكذا ممكن ان تتقدم الأمور.

الحقيقة ان الذين يتحملون المسؤولية لتنفيذ كل هذه الاتفاقيات هما فتح وحماس لأنهما القوتان الأكبر بين جميع القوى الفلسطينية، وان الرئيس محمود عباس يتحمل المسؤولية الأولى في هذا المجال لأنه هو الرئيس وهو الذي على مدى سنوات عوّل على الولايات المتحدة، وعلى مدى أكثر من عشرين عاما، من أجل الوصول الى حل الدولتين لكن "بالآخر طلع كله طقع حكي"، بالرغم من ان القرار كان أن تعمل على الحل الرباعية الدولية.

ان الرئيس عباس يتحمل مسؤولية تذليل العقبات التي تعترض طريق الوحدة لأن جميع شهداء شعبنا وهم في أضرحتهم يطالبون بالوحدة، وجميع الجرحى والمعاقين من هذه الحرب الإجرامية التي فرضت على شعبنا يطالبون بالوحدة، وجميع أبناء شعبنا العربي الفلسطيني يطالبون بالوحدة، لا بل ان كل القوى الخيرة التي تدعم حق شعبنا بإقامة دولته المستقلة يريدون وحدتكم من أجل نجاحكم في أهدافكم العادلة.

من الضروري في ظل هذه الحرب الاجرامية، حرب الابادة الجماعية على شعبنا وحرب التهجير والقوانين العنصرية التي يسنها حكام اسرائيل ضد شعبنا وفي محاولة فرض الوصاية على شعبنا، الم يستفزكم كل هذا ويحرك ضمائركم من أجل الاعلان بشكل صادق عن وحدتكم؟! يا قادة هذا الشعب لا تخذلوا شعبكم، بل اخذلوا الأعداء ومن يكيدون المكائد الاجرامية لشعبنا "وأفركوا بصلة حراقة" في عيونهم.

هناك البعض ممن سيقولون من هذا الذي يريد أن يعلمنا ماذا نفعل. والله ما قصدي أن أعلم أحد، بل انا أحد أبناء شعبي الذي أراه يتألم يوميا نتيجة المأساة المستمرة بحقه منذ عشرات السنين.

انني أعرف جيدا ان كبرياء البعض من هذه القيادات والذاتية المفرطة عندهم هي بالذات التي تعرقل هذه الوحدة المطلوبة بذرائع لا تمت للواقع بصلة.

خلال كتابتي هذه أتذكر قصيدة للرفيق الدكتور زياد محاميد بعنوان: "انا القضية والهوية" يقول فيها: "فلسطين أنا...كنعاني انا...انا القضية والتاريخ والهوية" وهذا انا. كإنسان عرف جيدا في جيل مبكر المأساة التي حلت بشعبنا وعرفت الطريق النضالي الصحيح من أجل خدمة شعبي بعد أن تعرفت على الحزب الشيوعي في البلاد سنة 1950 حيث كان عمري لا يزال ثلاثة عشر عاما، ومنذ ذلك الوقت سلكت هذا الطريق وما زلت سائرا فيه ولم ولن أحد عنه لأن التاريخ أثبت صحته.

وبالرغم من أنه خلال هذه المسيرة الطويلة كنت قد تعرضت للسجن والاعتقالات وحتى بعد الغاء الحكم العسكري في سنة 1966 ولكن بالنسبة لي ولعدد كبير من رفاقي، فإن هذا النظام بقي مفروضا علينا حتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي وكذلك فرض علينا منع الدخول الى المناطق المحتلة سنة 1967 حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي ولم نبدل تبديلا.

انني كانسان فلسطيني وفي خريف العمر وتهمني قضية شعبي كنت أعمل وفي ذات الوقت أحلم وما زلت، ان أرى شعبي موحدا بوحدة كفاحية من أجل تحقيق أهدافه بالحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وأن يعم السلام. وعندها وعندما أرحل عن هذه الدنيا أرحل وانا مرتاح لأنني سأرى ان هناك قيادة لشعبنا أثبتت انها قيادة صادقة ومسؤولة وعرفت كيف تتوحد في عز الأزمات وحققت تقرير المصير لشعبها ومنعت فرض الوصاية عليه "من الي بسوا واللي ما بسوا".

ان حرقتي وانسانيتي وكإبن لهذا الشعب المعذب والصامد والمثابر في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال هو الذي فرض علي بأن أقول رأيي وبصراحة. وسأبقى أصيح بأعلى صوتي ما قالته فيروز في أغنيتها "القدس العتيقة": "يا صوتي ضلك طاير...زوبع بهالضماير..خبرهن عاللي صاير...بلكي بيوعى الضمير".

 

(عرابة البطوف)   

 

 

في الصورة: مظاهرة في نيويورك دعما للشعب الفلسطيني وحريته وحقوقه

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب