نشر القرار السري للجنة المركزية التي أنشأت الاركان النضالية للانتفاضة من قبل كامينيف، هذا العمل الخائن، دفع الحكومة المؤقتة الروسية في ذلك الوقت وكل أعداء وخصوم الثورة البلشفية الى اتخاذ تدابير فورية منها منع التظاهرات والتجمعات الخطابية في الشوارع وأصدرت أوامر الى جميع قادة الوحدات العسكرية بالقاء القبض على الاشخاص الذين يدعون للأعمال المسلحة. واصدر وزير "العدل" أمره باعتقال لينين.
وعلى الفور قامت اللجنة العسكرية الثورية التابعة لسوفييت بتروغراد باتخاذ قرار مُضاد: على جميع وحدات حامية العاصمة ان تنفذ فقط الاوامر الممهورة بامضائها وخاتمها. وقامت في الوقت نفسه بتعيين قوميسارات لها في جميع الوحدات العسكرية والمحطات ومراكز الاتصال واركان حامية بتروغراد العسكرية وفي الرابع والعشرين من اكتوبر (6 نوفمبر) 1917 بعث لينين، الذي كان في ذلك الوقت في شقة سرية في احدى ضواحي بتروغراد، رسالة قصيرة الى اللجنة المركزية للحزب البلشفي طالبا السماح له بالانتقال الى معهد سمولني (كان هذا المبنى من قبل معهد تربوي تعليمي مميز لبنات كبار موظفي القيصر وكبار ملاك العقارات . د. خ). حيث كان مقر اللجنة العسكرية الثورية، وحيث كانت اللجنة المركزية للحزب منعقدة آنذاك.
وكتب لينين الى اعضاء اللجنة المركزية:" ان الوضع في غاية الحرج. وواضح تماما أن أي ابطاء في الانتفاضة الآن يعادل الموت. وأقنعكم بكل قواي أيها الرفاق أن كل شيء الآن مُعلق بشعرة. وأن المطروح الآن هو مسائل لا تُحل بالاجتماعات ولا بالمؤتمرات (حتى ولو كانت مؤتمرات السوفيتات). وأنما بمعرفة الشعوب والجماهير ونضال الجماهير المُسلحة .... أن التاريخ لن يغفر للثوار تباطؤهم، اذا كانوا يستطيعون الانتصار اليوم (وسوف ينتصرون اليوم بالتأكيد)، والمخاطرة بفقد الكثير غدا، مخاطرين بفقد كل شيء". اقترب الليل ولم تصل أية أخبار للينين من سمولني.
وحينئذ قرر لينين الخروج فورا الى هناك الى سمولني لكي يمسك بيديه الاشراف المباشر على الثورة.
كان سمولني بعيدا عن شقة لينين الذي تواجد فيها بالسر، وكان الطريق محفوفا بالمخاطر واستوقفته دوريات اليونكر (اليونكر افراد من خريجي معاهد الضباط وكانوا آنذاك هم الدعامة للحكومة البرجوازية المؤقتة الروسية في ذلك الوقت) مرارا على الطريق. ولكن ها هو قد وصل أخيرا الى سمولني. كان تصرف لينين هذا تصرفا جريئا جدا. فقد كان من المعروف جيدا ان عملاء الحكومة المؤقتة كانوا يسعون لاصطياد لينين. (وكما كان في الماضي كذلك الآن تسعى وتعمل طبقة رأس المال والنظام البرجوازي الذي يدعي الديمقراطية بوضع عملاء لهم داخل كل نشاط نضالي ثوري تقدمي في كل مكان حول العالم وأيضا هنا داخل اسرائيل خ.ا.).
ويذكر أن الحكومة الروسية البرجوازية المؤقتة في ذلك الوقت رصدت مبلغا كبيرا لمن يأتي برأسه. (وهذا ما فعلته الولايات المتحدة على مدى عقود وما تفعله الآن اسرائيل في حرب الأبادة ضد الشعب الفلسطيني بحجة انها تريد رأس هذا التنظيم أو ذاك أو أن تقوم باغتياله كما فعلت اسرائيل ضد العديد من قيادات الشعب الفلسطيني بمن فيهم كتاب وأدباء أمثال غسان كنفاني خ.ا.). وها هو فجأة وبدون حراسة يأتي الى سمولني حيث كان بالامكان ان يكون اعداء الثورة مُتربصون به وراء كل ناصية.
ومنذ تلك اللحظة أخذت الأحداث تتطور بسرعة أكبر. وأصبح لينين الآن ممسكا بكافة خيوط النضال الثوري المُسلح. ثورة اكتوبر وفي صباح اليوم التالي لوصول لينين الى سمولني استطاع رحال الجيش الاحمر اقتحام القصر الشتوي حيث كانت تتواجد الجكومة البرجوازية المؤقتة مختبئة.
وفي صباح الخامس والعشرين من اوكتوبر (7 نوفمبر) عام 1917 نشرت الصحف واذاعت الاذاعة والتلغراف نداءا " الى مواطني روسيا!": " لقد تمت الاطاحة لاحكومة المؤفتة. وانتقلت سلطة الدولة الى ايدي جهاز سوفييت نواب العمال والجنود في بيروغراد. وهو اللجنة العسكرية الثورية التي ترأست بروليتاري وحامية بيتروغراد.
وأثناء نهار ذلك اليوم اجتمع سوفييت بيتروغراد في جلسة طارئة في سمولني. وأعلن لينين وسط عاصفة طويلة من تصفيق النواب المهللين: ان ثورة العمال والفلاحين، التي تحدث البلاشفة عن ضرورتها طوال الوقت قد حدثت ... ومن الآن تبدأ صفحة جديدة في تاريخ روسيا. وينبغي أن تُؤدي الثورة الروسية الثالثة في المحطة النهائية الى انتصار الاشتراكية".
وفي مساء اليوم نفسه افتتح المؤتمر الثاني لعموم روسيا أعماله في سمولني أيضا وقرر: انتقال السلطة كلها في الأقاليم الى سوفييتات نواب العمال والجنود والفلاحين. وهكذا بدأت صفحة جديدة في تاريخ روسيا لا بل وفي تاريخ البشرية.
وقالت كروبسكايا زوجة لينين تتذكر تلك الأيام: " لقد كان لينين متجها الى الانتفاض بكل افكاره، فسرت الى الرفاق عدوى نفسيته ويقينه".
وفي قيادة ثورة اكتوبر تجلت بكل وضوح عبقرية لينين بوصفه زعيم الجماهير، بوصفه استراتيجيا حكيما لا يعرف قلبه الرهبة ويرى بوضوح سبل تطور الثورة. ان ما أظهر لينين والحزب البلشفي من الحزم في القيادة وما أظهر العمال رجال الحرس الاحمر والجنود والبحارة من التفاني والبطولة في النضال ضمن النجاح لاعظم حدث في التاريخ العالمي - اسقاط سلطة كبار ملاكي الأراضي والرأسماليين، وانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى.
كان اول مرسوم (قانون) اصدرته السلطة السوفييتية الجديدة بعد انتصار ثورة اكتوبر برئاسة لينين، هو مرسوم السلام الذي كتب لينين مشروعه واقترح المرسوم (القانون) على حكومات وشعوب البلدان المتحاربة خلال الحرب العالمية الأولى، وقف العمليات العسكرية فورا وابرام معاهدة سلام.
وفي نفس الجلسة أقر مرسوم آخر هو مرسوم الأرض الذي أقر بأنه لم يعُد هناك وجود لكبار ملاك العقارات في الريف وبناء على مبادرة لينين تم ايضا أنشاء أجهزة الدولة الجديدة لتسيير شؤون الاقتصاد. وكان في مقدمة هذه الاجهزة المجلس الأعلى للاقتصاد الوطني، الذي كُلف بمهمة ادارة شؤون الاقتصاد الوطني كله في البلاد.
وفي ديسمبر عام 1917 بعد انتصار ثورة اكتوبر جرى تأميم البنوك الخاصة ومؤسسات الائتمان والتسليف وبدأ تأميم المنشأت الصناعية الكبرى.
وفي الخامس عشر من نوفمبر وقع لينين " اعلان حقوق شعوب روسيا" واعلنت فيه المساواة الكاملة بين كافة الأقوام (كان عددها اكثر من 100) القاطنة في البلاد الروسية الهائلة.
وتم القضاء الى الأبد على ظلم وقهر غير الروس من السكان. (واليوم لا يكفي أن الصهيونية العالمية ودولتها اسرائيل القاعدة الامامية للامبريالية العالمية في الشرق الاوسط تمارس سياسات الاحتلال والاستيطان الكولونيالي العنصري الشوفيني والحصار والآن حرب الأبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وتُشرع قانون يهودية الدولة التي تجعل المواطن الفلسطيني داخل اسرائيل مواطنا من الدرجة الثانية وهذا القانون وغيره من القوانين والممارسات يجعل اسرائيل دولة ابرتهايد وليس دولة ديمقراطية كما يريد أن يصورها الغرب الامبريالي والصهيونية العالمية خ.ا.).
وجاءت هذه التدابير وغيرها الكثير من التدابير الاخرى التي اتخذتها السلطة السوفييتية بقيادة لينين فزادت من ترسيخ وحدة الكادحين في العمل الجبار الذي بدأوه لإعادة بناء الحياة الانسانية العادلة في روسيا، وأنشاء أول دولة للعمال والفلاحين في العالم. وكان للينين دور حاسم ومقرر في تحقيق هذا الانجاز لا بل الثورة في روسيا لا بل وفي العالم أجمع.
وأطلق لينين تسمية " المبادرة الكبرى" على أيام السبت الشيوعية وهي عمل البروليتاريا طواعية بالمجان من أجل شعبها وكان لينين يرى بها براعم الموقف الجديد من الكدح. وشارك فلاديمير ايليتش لينين في أول عمل يوم السبت لعموم روسيا وكان ذلك في الأول من مايو عام 1920.
في أوائل ابريل عام 1918 أي بعد انتصار ثورة اكتوبر عهدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الى لينين "بوضع الموضوعات المتعلقة بالوضع القائم وعرضها على اللجنة المركزية". وأنكب لينين على تنفيذ ما عُهد اليه به فكتب: "نحن حزب البلاشفة (اي الحزب الشيوعي خ.ا.) قد أقنعنا روسيا. لقد استرجعنا روسيا من ايدي الاغنياء للفقراء ومن ايدي الاستغلاليين الى الكادحين. وينبغي علينا الآن تسيير شؤون روسيا".
كانت الموضوعات مُسهبة جدا. فقد شرح فيها لينين تفصيلا أكثر الطرق رشدا لتنظيم حصر المنتوج الانتاجي والرقابة على توزيعه وشروط وأهداف اشراك المُتخصصين القدامى في العمل والطرق التي يمكن عن طريقها زيادة أنتاجية العمل. وهنا أذكر ما قاله وكتبه لينين بأن الاشتراكية لا يمكن ان تنتصر على الراسمالية الا اذا أصبحت انتاجية المجتمع الاشتراكي ضعفي انتاجية المجتمع الرأسمالي. وكان أيضا في العديد من المقالات حذر من الانتهازيين والبروقراطيين.
وهنا أذكر بانه لاحقا كان السبب الرئيسي لفشل تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وهو الفشل الاقتصادي وأيضا بيروقراطية السلطة والانتهازية لا بل الخيانة من بعض قيادات الاتحاد السوفييتي. كما تناول لينين أيضا في ذلك الوقت اي عام 1918 عددا كبيرا من مسائل ادارة شؤون الاقتصاد الوطني في هذه الموضوعات. وخلال يومين نشرت في الصحف تحت عنوان " المهام الآنية للسلطة السوفييتية".
وفي تلك الفترة وضع لينين في خطاباته الكثيرة مدى الخطورة المحيقة بروسيا السوفييتية وناشدهم ان يهبوا كل قواهم للنضال ضد الثورة المضادة الخارجية والداخلية.
وهنا اريد ان اذكر بأن حكومات انجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة قد رفضت التعامل مع السلطة السوفييتية الثورية الجديدة المنتصرة بحجة رفض لينين التعهد بدفع ديون القيصر لتلك الدول الامبريالية.
وألغى معظمها، أي معظم الدول الامبريالية التمثيل الدبلوماسي والعقود التجارية والصناعية مع روسيا بعد انتصار ثورة اكتوبر لا بل قامت أكثر من 14 دولة امبريالية بدعم معارضي ثورة اكتوبر، خلال الحرب الاهلية في روسيا حيث قامت قوات حلف دول الوفاق بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، حلف الراسماليين والحكومات البرجوازية بانزال قوات اجنبية على الاراضي السوفييتية واحتلت قوات الوفاق ارخانجلسك واستقبلت الطبقة البرجوازية الروسية هجوم قوات " دول الوفاق" بالتهليل والاهازيج. (واليوم نفس هذه الدول تدعم اسرائيل في حرب الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ولولا الدعم العسكري المطلق لاسرائيل من قبل الولايات المتحدة لما استطاعت اسرائيل الاستمرار في هذه الحرب الاجرامية - حرب ابادة الشعب الفلسطيني في غزة- هذه هو دور لعبة الشيطان الاكبر - الولايات المتحدة في تاريخنا المعاصر- العصر الابمريالي، عصر الارهاب عصر لعبة الشيطان. وفي ذلك الوقت وبدعم من دول الوفاق استطاعت قوى الشر المعادية لثورة اكتوبر ان تصل الى نهر الفولغا. واريقت الدماء في مدن وارياف الدون وأصبح الألمان اسيادا في اوكرانيا (وهذا ما يحصل الآن في اوكرانيا خ.ا.) وفي ذلك الوقت استولى افراد الحرس الابيض المُناهض لثورة اكتوبر والكولاك بمساعدة دول الوفاق لا بل دول الارهاب على محافظات زراعة الحبوب في الشرق.
وكانت دول الوفاق لا بل دول الارهاب تنوي خنق دولة العمال والفلاحين وابادتها بسيف الجوع (وهذا ما تفعله اسرائيل الآن ضد الشعب الفلسطيني في غزة، حيث تسعى الى اخضاع الشعب الفلسطيني في غزة ليس فقط بسيف الحرب لا بل ايضا بسيف الجوع.د خ ). لقد كان الوضع في روسيا في ذلك الوقت عصيب جدا لا بل كارثي. ولكن لينين والشعب الروسي تميز بالصمود والتحدي فلينين هو القائل" من يخشى الذئاب لا يذهب الى الغاب" ولكن في النهاية استطاع الجيش الاحمر الانتصار على دول الوفاق ومعارضي الثورة. وصمود الشعب الروسي خلال الحرب الأهلية وخلال الحرب العالمية الثانية والان في حربه ضد النازية في اوكرانيا هو انتصار وصمود لكل الشعوب المضطهدة، هو صمود وانتصار للانسان والانسانية.
وبعد واحد من هذه الاجتماعات عام 1918 تعرض لينين لمحاولة اغتيال من قبل " فانيا كابلان" التي كانت تنتمي لاحد الاحزاب المعارضة للثورة وللينين (حزب الاشتراكيين الثوريين خ.ا.) حيث اصيب ب 3 رصاصات استقرت في كتفه ورئتيه لكن الموت لم يدركه، وسرعان ما اخذت محاولة الاغتيال وهموم ادارة الدولة نصيبها من صحة لينين، فاصيب بالعديد من الجلطات القلبية التي افقدته القدرة على النطق فابعدته عن الحياة السياسية وبعدها ليفارق الحياة في عام 1924.
ولكن حتى خلال مرضه ابرز لينين مرارا الضرورة البالغة لإنشاء القاعدة الصناعية الخاصة وقد مس هذه المسالة ايضا في اخر مقالة أملاها بعنوان " من الأفضل أقل لكن أجود".
طير خبر وفاة لينين الألم أرجاء البلاد السوفييتية والعالم كله كالعاصفة. ومرت مئات الآلاف من الناس الذين صدمهم الخبر المروع أمام نعشه على امتداد 4 ايام بلياليها على الرغم من الصقيع القارص لكي يقوموا بواجبهم الاخير ازاء الرجل القائد الثوري المفكر العظيم وفي السابع والعشرين من يناير دفنت البلاد زعيمها.
إضافة تعقيب