أستأذِنُ أسْرةَ أبي ميشيل الكريمة، للحديث عن رفيق عريق غائب حاضر: كمال الحاج، ابن البقيعة التي لها مكانتها الهامّة في هذا التّجمّع الجليلي والوطنيّ والأمميّ معاً، لطالما قصدناه للحصول على جريدة "الاتّحاد" اليوميّة، ثمّ النّصف أسبوعيّة، بعد أن تعذّر وصولها إلينا في حرفيش، لقلّة عدد المشتركين عندنا، طيلة العِقْدَين الأخيرَين، يبتسم بلطف وبراءة:
أهلاً بكَ في بيتكَ، نُسختكَ محجوزة محفوظة، أيّان حضرتَ بالتّرحاب والإكرام، إن لم تجدني ستجد قرينتي رفيقتي أم ميشيل لتُسلّمَكَ إيّاها، وإن تعذّر وجودنا معاً، سنضعها في كيس ونعلّقه على مدخل البيت، وغالبا ما نجد الرّفيقَين، فيُصِرّا معاً: لن تحصلَ على الجريدة، قبل أن نشرب القهوة سويّاً، أمُّ ميشيل ، طال عمرها، تقدّم لنا الحلوى المصنّعة بيتيّاً، وأبو ميشيل يصحبني في جولة قصيرة في حديقة البيت الملاصقة، فلاّح مكفيٌّ مَلِكٌ مَخْفيٌّ: ما تيسّر من الخضروات والفواكه الموسميّة: الباذنجانيّات، البقليّات، الخيميّات، القرنيّات، اللوزيّات، العنب وخيرات الله كثيرة ومجهود أبي ميشيل لن يذهب سُدىً، وهو الكادح على مختلف الجبهات والمواقع والمواقف: النّظريّة، الأمميّة ، الشيوعيّة، الوطنيّة، التطبيقيّة، الانتماء والإخاء.
أبو ميشيل الانسان البسيط الطّيّب، الخلوق المُهذَّب والمُهَذِّبُ معاً، يمسك بأطراف الخيوط معاً، لينسج لنا نسيجاً متناسقاّ، مترابطاً، خلوقاً، أشْعُر أنّني بين أهلي وناسي وشعبي، خاصّة بعد أن يلتفّ أغلبيّة أفراد الأسرة: ميشيل، جليل، نجاة وبقّية حبّات العقد الفريد، نتجاذب أطراف حديث السّاعة وما به من هموم وسموم محدقة بمجتمعنا، الصّابر النّاطر للحظات الانفراج والانعتاق وسلام الشّعوب المغلوبة على أمرها.
الجميع يُشعرونني بالدّفء والرّفق، أحاول الاستئذان لئلاّ أثقل على كواهلهم، يقولون: أنت من أفراد الأسْرة، منّا أهل البيت!
أبو ميشيل عبيرُهُ وأصالتُهُ ظلّتْ مِسكاً وعنبراً، تتماهى وتنسجم مع البخّور وعبق الشّموع، القدّاس وترتيل عنادل الكهنة والمُرَنّمين في هذا الصّرْح الرّعوي الذي يشدّ المُشيّعين في أرجائه مُمتدّة الأطراف، الأيقونات المقدّسة والبشريّة في أطيافها وأريافها من البقيعة والوطن، رهبة الموقف، تؤجّل المواعيدَ والالتزامات المسبقة، هذا الموكب المزدان بِحَمَلة أعلام الحزب الحمراء، يُضيف رونقاّ آخرَ لهذا الموكب المُجلّل بالسّواد والامتداد، تتعرّف على أغلبيّة الوجوه، منهم من يكتفي برفع اليد، منهم من يصافحكَ ويعزّيكَ أو تُعزّيه، تخونك الذّاكرة المتآكلة، تُحدّق مليّاً بهذا وذاك، يُقصّرون عليك الطريق: أنا ...، تبتسم رغم رهبة الموقف، تلعنُ ذاك اللّصهايمر الذي انقضّ عليك على حين غُرّة، يُعزّونك بلطف: كلنا بالهوى سوا! ونعود إلى سيرة طيّب الذَّكْر: المواقف، الشّجاعة، البسالة، الأخلاق والمبادئ، حدّث عنها ولا حرج!
نترحّم جميعاً على هذا الغُصْن، الفَنّن، الفِنْد، البَدّ والزّيتونة الصّوريّة، ونعزي أنفسنا بثمارها، والشّجرة الطّيّبة تؤتي ثماراً طيّبة، فإذا هي من ثمارها تعرفونها.
وطوبى لصانعي السّلام لأنّهم أبناءُ الله يُدْعَون!
تعازينا ومواساتنا لكافّة أفراد الأسْرة: القرينة أمّ ميشيل إنشراح وأسْرتها، الأقرباء، الأصهار، الأنسباء، الأحفاد والرّفاق جميعاً.
إضافة تعقيب