news-details

أزهار القرنفل، الورد والبنفسج وشقائق النعمان كرموز للحب بتنوعاتهِ في الطبيعة| د. منير توما

كفرياسيف

إنّ الإسم اللاتيني لزهرة القرنفل هو (Dianthus)، المشتق من اللغة اليونانية الذي يعني "زهرة الربّ". على هذا النحو فإنّه يلمح أحيانًا الى المسيح بالإضافة إلى آلامِه.

ويبدو أن القرنفل غير معروف تمامًا للعالم القديم، ويبدو أنّه تم استيراده من تونس في نهاية القرن الثالث عشر تقريبًا. وبناءً على معناه الأصلي (زهرة الربّ)، يُرى القرنفل أحيانًا في الصور أو اللوحات الفنية الدينية في يدّ مريم العذراء أو المسيح وفي جنة عدن. ووفقًا لأسطورة العصور الوسطى، فإنَّ الدموع التي ذرفتها مريم العذراء عندما رأت ابنها مصلوبًا سقطت على الأرض وانقلبت إلى أزهار القرنفل.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ زهرة القرنفل، كان مألوفًا أنّ تُسمّى تشيودينو (chiodino) أي مسمار صغير باللغة الإيطالية بسبب شكل براعمها، وبالتالي، أصبحت مرتبطة بآلام المسيح.

ووفقًا لتقاليد شمال أوروبا، من الجهة الأخرى، فإن العروس في يوم عرسها أي زفافها كان مفروضًا أن تلبس قرنفلة، التي يتوجب على العريس لاحقًا أن يجدها وهو يفتش في ملابسها. وبسبب هذه العادة، فإنّ زهر القرنفل أصبح رمزًا للزواج، أو الوعد بالحب، ولهذا السبب يظهر في بعض الصور، غالبًا الفلمنكية، حيث يمكن أن نرى رجلًا أو امرأة يحملان زهر القرنفل.

وفيما يتعلق برمزية الورد، فإنّه يمثّل رمزًا للحب حيث أنّ الورد كانت مقدّسة عند فينوس. وفقًا للأسطورة، فإنّه قد خرج من رغوة البحر التي ولدت منه الإلهَة فينوس وظهرت شجيرة شائكة والتي عندما سُقيت برحيق الآلهة، أزهرت على شكل ورود بيضاء.

في العصور القديمة كان للوردة دلالة جنائزية. في الواقع، في روما القديمة كانت الروزاليا (Rosalia) أو الاحتفال بالورود أحد الاحتفالات المرتبطة بعبادة الموتى. ولا شك أن التقليد المسيحي، بعد أن استوعب هذه الدلالة، يرى في الوردة بأشواكها صورة لعذابات الشهداء. وبشكل عام، على أية حال، ترتبط الزهرة بالعذراء مريم. وبحسب الأسطورة القديمة، قبل سقوط الإنسان، لم يكن للوردة أشواك، وتسمى "الوردة الخالية من الشوك" لأنها لم تمسّها الخطيئة الأصلية. وتمشيًا مع هذا التقليد، أصبح موضوع "مادونا الورود" أو "مادونا الشجرة" واسع الانتشار في الرسم. ففي المثال السابق، العذراء، وأحيانًا المسيح الطفل، يحمل وردة. في الأخير، العذراء مريم والطفل يظهران أحيانًا مُحاطَيْن بالقديسين والملائكة تحت شجرة من الورود أو شجيرة ورد تحيط بالمشهد خلف الشخصيتين.

أيضًا فيما يتعلق بالعذراء، تظهر الزهرة عادةً في مشاهد الحَبَل بلا دنس، وكذلك انتقال العذراء – الذي فيه تنبت الورود جنبًا الى جنب مع الزنابق داخل قبر مريم الفارغ – وتتويج العذراء.

كذلك، يُرى يسوع أحيانًا وهو يحمل وردة حمراء تلمح الى آلامه المستقبلية.

 

/البنفسج وشقائق النعمان

أمّا إذا انتقلنا إلى الحديث عن البنفسج، فإنَّ ولادة هذه الزهرة، المعروفة منذ قديم الأزمنة، متصِلّة بأسطورة الإله الفريجي (أتيس). الإلهة (أغديستيس) التي تقع في حب (أتيس) بشكل يائس، تحاول منع زواجه من (أتا) ابنة ملك بيسينوس بجعلهِ يصاب بالجنون. وفي قبضة الجنون، يتجول (أتيس) في الغابة حتى يأخذ خنجرًا ويشوه نفسه ويموت. ومن دمه، تولد زهرة البنفسج. في هذه الأثناء، تبحث (أتا) عن حبيبها وتجده ميّتًا، مما يؤدي الى قتل نفسها أيضًا. ومن دمها، أيضًا، تنبت أزهار البنفسج. وفي الخيال الشعبي، يعتبر البنفسج المعطّر القوي الصغير رمزًا للحشمة والتواضع، وقد عبّر عنه آباء الكنيسة أيضًا. من الواضح أنّ الزهرة التي تحمل هذه الخصائص لا يمكن الّا أن تكون مرتبطة بمريم العذراء ولكنها أصبحت أيضًا سمة من سمات يسوع المسيح الذي كان لديه التواضع ليصبح إنسانًا. تظهر الزهرة قبل وفوق كل شيء في مشاهد التوقير والعبادة وفي صور العذراء والطفل. كما يمكن رؤيته أيضًا، وإن كان نادرًا، عند اسفل الصليب في مشاهد الصلب. كما أنّ البنفسج هو أيضًا من سمات القديسة (فينا)، التي عاشت في القرن الثالث عشر في المدينة المركزية الإيطالية سان جيميجنانو، وتوفيت في سن الخامسة عشرة، بعد تكريس نفسها لمساعدة المحتاجين. ويُقال أنّه في لحظة موتها، نمت أزهار البنفسج في فراش القديسة.

واخيرًا نأتي الى زهرة شقائق النعمان، التي تعتبر زهرةً قصيرة مدة الحياة حيث أنّ شقائق النعمان زهرة لها دائمًا دلالات جنائزية. ووفقًا لتفسيرات وتحليلات البعض أنّ هذه الزهرة ولدت من دموع فينوس التي ذرفتها على موت حبيبها أدونيس. وتحكي أسطورة مشهورة نقلها الينا (أوفيد) عن حب فينوس للشاب (أدونيس) بسبب سهم طائش من قوس (كيوبيد). قُتِلَ الصبي أدونيس في النهاية على يد خنزير بري أثناء عملية صيد، ومن دمه ولدت شقائق النعمان وهي زهرة هشّة قصيرة العمر واسم الزهرة بالانجليزية (Anemone) مشتق من الكلمة اليونانية (anemos) التي تعني شقائق الريح لأنّها حسّاسة تذريها الريح الشديدة، وبالعربية شقائق النعمان نسبةً الى لونها الأحمر القاني الشبيه بالدم حيث أنّ معنى النعمان بالعربية هو الدم. وكما ذكرنا فإنّ شقائق النعمان تدعى باليونانية شقائق الريح على وجه التحديد بسبب زوالها، ولهذا السبب أيضًا ارتبطت بالموت منذ العصور القديمة. وقد اعتاد الأتروسكان على زراعة هذه الزهرة حول المقابر والأضرحة.

في بداية الربيع، اعتاد اليونانيون القدماء أن يحتفلوا بمهرجان أدونيس، إحياءً لذكرى اتحاد أدونيس وفينوس وانفصالهما المفاجئ. وتقوم النساء بزراعة نباتات شقائق النعمان في أوعية من الطين أو في سلال صغيرة لهذه المناسبة. وكانت هذه "حدائق أدونيس" الشهيرة التي تذبل بسرعة عند وضعها في الشمس على إحدى الشرفات.

لقد استوعبت الرمزية المسيحية بعد هذه الأسطورة التي تربط شقائق النعمان بصلب يسوع المسيح. في الواقع، في بعض تمثيلات هذا الحَدَث، يمكن للمرء أن يرى شقائق النعمان بالقرب من الصليب أو تحته. إنَّ لون الزهرة الأحمر يُقال عنه أنّه جاء من دم المسيح الذي كان يقطر من الصليب.

//ص

 

 

 

 

رصيف النّصيب الضَّيِّق

مارون سامي عزّام

تعرَّفتُ إلى فتاة طباعها هادئة، جميلة المبسم، ولكن تفصل بيننا هوَّة صَمت لا يمكن ردمها لأنها بخيلة الكلام، فقلتُ ما لي ولها لكنّ تعَطُّشي للحب أوحى لي بشرارة حب تنطلق منها... تخوَّفت من شكل هذه العلاقة غير المنطقيَّة؟!، طالما أنها منذ البداية قائمة على مجاراة الصَّمت، تريد أيضًا أن تجرَّني رغمًا عنّي إلى ملعب حبِّها الخفي!! 

لعلَّها تريدني أن أسدِّد فاتورة الغرام الوهميَّة التي استلَمَتها من حانوت حبيبها، لأنه لم يعُد يهتم بها!!، أنا غير ملزم بذلك، ولستُ جسرًا مُعلَّقًا فوق بركان غيظها منه لتجعلني بديلًا له، المُمَدَّد على مسار النصيب الضيق، مُنتَظِرًا نَتيجة الامتحان النّهائيَّة لعلاقتها معه!! هيمانها خطير جدًّا، غير مُبشِّر أبدً! لأنها لم تنبُس بكلمة، فتشتَّتت أوراق تفكيري بعيدًا.

بقيَت منزوية مع صمتها لا تفارقه، وأنا منزوٍ مع آمالي متمسِّكًا بها، أنا متأكِّد أنها ستُخلي مسئوليَّتها عن سوء فهمي لنواياها!.. ألهذه الدَّرجة إرادة استلطافي عاجزة عن استنطاقها؟!!... هل فقدتُ قدرة تمييزي بين نوعيّات الفتيات؟! فإذا ميَّزت نوعيَّتها، على الأقل سأعرف مصير هذا الصَّمت المتخفّي خلف نصيبٍ موقعه غير مُحَدَّد!!

أشعر أنّها تعيش في عالم مليء بفقاعات أحلام صابونيَّة، لتنزلق معها لا إراديًّا، ممّا جعلني أراجع هذا اللقاء الذي جمعني بها في محطّة التعارف المزدحمة بالمجاملات. ذهبتْ... تاركةً حبل الحيرة ممدودًا أمامي، لم أتحزَّم به كحزام أمل... فكرها لم يُوجِّه اتجاه بوصلتها نحوي كي أرتاح! فعندما أردت توسيع مجال تغطية تعرّفي إليها، أحاطت نفسها بسياج التّخبُّط. لم أضع كل احتمالاتي على طاولة الرِّهان، بل سَحَبْتُ بعضها من هذه اللعبة، فعلى ما يبدو أنّها خاسرة، ستبقى بدون أهداف مستقبليَّة.

علاقتي بها تشبه الأفلام القديمة الصامتة، غير ملوّنة بالإثارة، حركة جسدها سريعة، أحاسيسها مبهمة، مشاعرها جامدة، تعتمد على موسيقى أنوثتها التصويريّة... هل ستشفع لي يومًا ما لتنقذني من دوّامتها؟! إن حالة الصّمت الغارقة فيها جعلت نبضات قلبي متوجسة، وأنا مُصِر أن أفهم قوانين لعبة الحب الخفية، لأحمي رصيف نصيبي من الانهيار، أليس من حقّي؟!

ذات ليلة رأيتها تدخل إلى مكان مزدحم، شقَّت الزُّحام بصلافة، وكأنها "شخصيَّة اجتماعيَّة مرموقة!"، هذا الأمر رهَّبَني منها، أبعد أكثر احتمال تقرُّبي منها، صادَرَتْ لهفتها لوجودي، فنَفَرْتُ من تصرّفها العلني غير اللائق، لأنه كان متعجرفًا على المتواجدين في المكان، هنا كَسَرتُ مرآة خيالي، واستبدلتها بشاشة الواقع بهدوء، دون أن يشعر أحد.

كلَّما حاولتُ أن أستفهم منها مصير لعبة الحب الخفيّ التي تلعبها معي، تُشهِر سيف صمتها بوجهي، كي تقطع أي صلة بيننا... لم أُرغمها على توجيه رياح تغييرها نحوي، بإمكانها أن تولي الإدبار دون التّخلّي عن حقِّها بالصَّمت المدقع، لكنِّي أريد أن أسألها: "ما الداعي إلى خلق كل هذه البلبلة التي سبَّبَتها؟!، أمِن أجل أن أمُرَّ ثانيةً بجانب رصيف نصيبي الضَّيق؟!، فلا حاجة لتُذَكِّرَني به!!". 

إذا مدَّت لي يومًا ما طرف خيط إعجابها بي وأمسَكتُ به، أليس جائزًا أن توقعني في بئر تحايلها، متهكّمةً من سذاجتي؟!! تَركَتني واقفًا تائهًا في مرفأ التوقعات، أسير لوحدي على رصيف النّصيب الضَّيق، لأنه لم يعُد يتّسِعُ لفرص عديدة، إلى متى ستستمر بملاعبتي على أوتار صمتها النّشاز، لأنها خارج شروط اللياقة الأدبية!! إلى الآن ترفض الخروج من لعبة الحب الخفيّ التي حاولتُ أن ألعبها، إلّا أنّي فشلتُ، لأني لم أراوغها، وهي ترفُض فك عقدة سكُوتها العالقة بين شفتيها، أمّا أنا فقد بقيتُ أراقب رصيف النَّصيب الضَّيق!

 

 

       

            

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب