يرى الجنرال يعقوب عميدرور الرئيس الاسبق لمجلس الامن القومي، بأن الرد على الغارة الايرانسة الكبرى بالمسيّرات والصواريخ على اسرائيل ينبغي ان يكون حازما لكن متروّيا ويحمل ابعادا استراتيجية، ويقترح ان تقوم اسرائيل باجتياح رفح بعد استكمال الاستعدادات، سعيا للقضاء على كتائب حماس الاربع وتفكيك التنظيم بشكل حاسم من كامل قدراته العسكرية. الرؤية من خلال هذا المقترح وفقا لعميدرور هو تفكيك ايران من "وكلائها" في اطار الحرب بالوكالة والتي انتقلت يوم 13 نيسان ابريل الى مرحلة المواجهة المباشرة. ويعتقد أن هزيمة حماس فيها تسديد ضربة استراتيجية لايران ونفوذها وتفكيك "طوق النار" الذي بنته ويحيط باسرائيل من الجبهتين الشمالية والجنوبية ومن اليمن والعراق وسوريا.
وفقا لما رشح من اجتماعات كابنيت الحرب بعد الرد الايراني على استهداف اسرائيل لقنصليتها في دمشق وتصفية قيادات عسكرية ايرانية، شكل هذا الخيار محورا لمناقشة الخيارات المحتملة. ما يؤكد احتماليته اكثر هو الاسراع في الايام الاخيرة في استدعاء كتيبتين من جنود الاحتياط الى قطاع غزة، تحت مسمى تعزيز بتر القطاع ومنع عودة المقتلعين النازحن من رفح شمالا، والاستعدادات لعمليات عسكرية لم يعلن عنها. مما يعني ان سحب الوحدة 98 من خانيونس لم يكن انسحابا وإنما كما اعلن الجيش للانتعاش واعادة التموضع والانتقال الى النمط العملياتي بدلا من الاجتياح الواسع وفي حال اقرار الاجتياح ستتم اعادة الوحدات القتالية. هذا التصعيد الحربي في غزة سينعكس في زيادة احتمالية التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله التي لا تزال واردة وحصريا في حال اجتياح رفح الذي تم تحديد موعده كما اكد نتنياهو، رغم صعوبة اعتماد تصريحاته المتضاربة والتي يشكل جزء كبير منها موجه الى جمهور اليمين الاسرائيلي والى مركبات الائتلاف الحاكم.
في حال جرى استغلال الوضع الدولي والاصطفافات المستجدة بعد الرد الايراني على اسرائيل، فإن الاكثر احتمالية ان الحرب على الجبهة الشمالية مع حزب الله قد تتجاوز سقف الضبط، لكن ذلك سيكون ممكنا فقط بعد عملية رفح، التي باتت ورطة اسرائيلية بحد ذاتها. يعتمد هذا التقدير على استدراك حكومة نتنياهو وكابنيت الحرب المقلص حصريا (نتنياهو وغالنت وغانتس) بأن الحرب على غزة تشكل ورطة دولية لاسرائيل، بينما مواجهة ايران تشكل فرصة سانحة تسعى فيها اسرائيل لاستعادة مكانتها الاقليمية والدولية وربما حالة الردع، ومن هنا باتت الحكومة تدرك اهمية الفصل بين الجبهتين على الرغم من عدم تغير معادلة الردع لصالح اسرائيل سواء مقابل الجبهة الشمالية او مقابل ايران.
يمثل غانتس هذا التوجه، باعتباره لنفسه أنه صاحب فكرة الحلف الاقليمي الحربي وفي محوره اسرائيل، وقد عقد بصفته وزيرا للأمن عدة اتفاقات بهذا الصدد في العام 2021 وفي اعقاب دخول اسرائيل في نطاق المنطقة الوسطى الامريكية سنتكوم (يناير 2021) والتي تضم 21 دولة عربية وغير عربية. وقد تحدث في اعقاب الرد الايراني عن فاعلية هذا التحالف وفاعلية منظومات الرقابة المتطورة في عدة بلدان والتي رصدت من عدة بلدان المسيّرات والصواريخ الايرانية عن بعد. يقوم غانتس بالدفع نحو مبادرة لاعادة تعزيز التحلف الاقليمي "مع دول عربية واقليمية سنية معتدلة لمواجهة المحور الشيعي بقيادة ايران والمدعو محور المقاومة"، وبناء ذلك على بنية الاتفاقات الابراهامية.
بعد الساعات الاولى من الرد و"اسقاط الدفاعات الجوية الاسرائيلية 99% من المسيرات والصواريخ الايرانية" تغيرت اللهجة في اسرائيل لتنتقل الى خطاب الاخفاق، خاصة بعد التأكد من ان اسرائيل لم تسقط معظمها على الرغم من ان العملية الايرانية كانت مكشوفة وعلنية منذ بدايتها، وحتى قبل ذلك منذ اتخذت ايران قرارها بالرد وأعلنت ذلك مبلغة الولايات المتحدة وعددا من دول المنطقة، مما جعل الحديث عن فشل استراتيجي اسرائيلي، واعتبار تعزز الجرأة الايرانية نتاجا للضعف الذي تبثه اسرائيل للخارج، بالاضافة الى شبه استحالة نجاح حكومة نتنياهو في اقامة تحالف اقليمي ضد ايران وحصريا في ظل حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير، والحرب على غزة، مما له اسقاطات على مدى قدرة غانتس في مسعاه لحلف اقليمي ما دامت هذه الحكومة قائمة وما لم ينسحب منها ومن كابنيت الحرب المنبثق عنها.
بالاضافة، بات وضحا حتى اسرائيليا بأن اسرائيل غير قادرة ذاتيا بمواجهة التحديات الاقليمية، وبأن اعتمادهاعلى الولايات المتحدة بات مطلقا. لدرجة ان الولايات المتحدة هي التي وضعت الاطار الاوسع لقواعد اللعبة الايرانية في المواحهة مع اسرائيل، وأنها هي التي أدارت "حلف الدفاع الاقليمي" وساندت اسرائيل بشكل فعلي حربي، بينما تسعى حاليا الى رسم الخطوط الحمراء امام رد الفعل الاسرائيلي. بما معناه ان اسرائيل لا تملك القدرة على ادارة هذا التحالف وإنما تستفيد منه وتعتمد بنيته لمنع استهدافها، مما لا يتماشى مع تصريحات غانتس بأنه سيسعى الى اقامة حلف استراتيجي حربي اقليمي. ان مبعث هذه الضغوطات هو القلق من اسقاطات التصعيد نحو ازمة طرق ملاحة بحرية وطاقة عالمية وارتفاع اسعارهان والازمة المالية وكذلك اهتزاز مجمل النظام العالمي. حيث التنافس الامريكي الصيني ومع روسيا حول النفوذ.
بتقديرنا فإن طموح غانتس بصدد الحلف الاقليمي مبني على الكثير من الوهم، فهو يفترض ان السعودية باتت لقمة سائغة في فم "رؤية بايدن" والتي تلقت ضربة كبرى في السابع من اكتوبر والحرب على غزة. ثم ان دول الخليج وفي مقدمتها السعودية بوزنها الدولي والاقليمي، لا تسارع الى التطبيع ولا لاعتماد السياسية الامريكية في المنطقة عامةً وحصريا في الخليج، وهي دول معنية في تبريد الجبهات وليس تسخينها، ومعنية بعلاقات وثيقة مع ايران تجاريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، كما لن تفرّط بعلاقاتها معها ولا مع الصين وروسيا، وليست معنية في الرهان على نظام عالمي قائم على القطب الواحد. بالمقابل فإن الوزن النوعي لاسرائيل قد تراجع جوهريا على المستوى الاقليمي سواء أمنيا ام تكنولوجيا ام في تشكيل بوابة لعلاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة. وتتعمق القناعة بأن السعي الاسرائيلي من وراء حلف اقليمي هو لخلق منظومة تحمي اسرائيل.
في العلاقة مع السعودية فإن غانتس وحزب "همحني همملختي" يسعى للتمايز عن نتنياهو وحلفائه من أقصى اليمين، والى التقرب اكثر من واشنطن، الا انه لا يؤيد الحد الادنى من مبادرة السلام العربية (السعودية الاصل) باقامة الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال و"حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين"، وهو يدرك ان اسرائيل بحاجة الى العلاقة مع السعودية اكثر بكثير من حاجة السعودية للعلاقة مع اسرائيل. فعليا يريد غانتس من دول المنطقة والعالم ان ترى به بديلا لنتنياهو الا انه لا يحمل مشروعا بديلا والرهان عليه سيكون هو ايضا من باب الوهم. كما انه لا يأخذ بالحسبان ان النظرة الى اسرائيل هي لتراجعها وليس تعاظم نفوذها.
للخلاصة: تسعى اسرائيل الى الرد على الرد الايراني مما قد يدفع نحو تصعيد اقليمي لا تستطيع ضبط تداعياته، اذ لا تملك القدرة على القيام بحرب اقليمية من دون الغطاء الامريكي الذي لا يريد حربا اقليميا وحصريا لا يريد تورطا امريكيا بها.
التحالف العسكري الاسرائيلي العربي على خارطة دول الاتفاقات الابراهامية وبنية المنطقة الوسطى للجيش الامريكي (سنتكوم) الذي يسعى له غانتس مبني على فرضيات تجاوزها الواقع الاقليمي والدولي وحصريا بعد السابع من اكتوبر 2023 وفقدان اسرائيل للكثير من مقومات وزنها الاقليمي والدولي. كما ان اي تحالف من هذا القبيل سيشكل خطرا على دول الخليج ذاتها.
المسعى الاسرائيلي الى الفصل بين الجبهات ينذر بأن عملية رفح امام مفترق طرق فإما القيام بها سريعا وتبدو التحركات على الارض وتجنيد كتائب الاحتياط بأنها تمهيدا للقيام بها قريبا، او التخلي عنها لصالح ما يرى به نتنياهو اولوية اي الملف الايراني وملف الجبهة الشمالية.
إلقاء اسرائيل مسؤولية فشل مفاوضات الصفقة على حماس والتوافق في هذا التقدير مع ادارة بايدن، هو من المؤشرات لتحضير الراي العام لعملية رفح.
الاولويات الاسرائيلية المستحدثة واحتمالية تصعيد اقليمي تشكل سياقا لتنفيذ مآربها في غزة وفي الضفة العربية ايضا، ومن شأن الاكتراث الدولي للكارثة الفلسطينية في غزة ان يتراجع.
في الصورة: دخان ناجم عن غارات إسرائيلية في مجدل زون، لبنان، في 15 أبريل 2024. (شينخوا)
إضافة تعقيب