news-details

اسرائيل تعلن حرب  تفكيك وحدة الجبهات، هل تملك القدرة؟| امير مخول

يحمل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال تواجده في طهران، ساعات بعد استهداف القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، رسالة اسرائيلية قوية ومتعددة الجبهات واعلان التحدي لجميعها سعيا لتفكيكها. فهل تملك اسرائيل القدرة على تحقيق هذه الغاية؟ ليس مؤكدا. وهل تشكل العمليتان نهاية المخطط الاسرائيلي الحالي؟ لا تبدو الامور كذلك. بل يشكلان بداية مرحلة جديدة، وبإسناد امريكي سواء أكان توريطا أم مصلحةً. المنطقة على شفى حرب اقليمية متعددة الجبهات، احتمالات وقوعها قائمة وكذلك احتمالات تجاوزها لا تزال قائمة.

تقوم الرؤية الاسرائيلية الحالية على مبدأ تدفيع الثمن لكل جبهة اسناد منفردة، ولجميعها معا، والى خلق مصلحة وجودية في كل جبهة لوقف استراتيجية الاسناد وإلا تدفيعها ثمنا لا تقدر عليه. كما وتعتبر ان ايران هي "رأس الاخطبوط" الاقليمي الذي بات يشكل طوقا من النار يحيط باسرائيل برا وبحرا وجوا ويستهدف وجودها ويتبع استراتيجية "حرب الوكلاء". بناء عليه فإن اختيار الموقعين الاكثر رمزيةً للعملتين اي الضاحية الجنوبية وطهران، هو تأكيد على التحول في الموقف الاسرائيلي نحو التصعيد الجوهري. كان لافتا قبل تسديد الضربة الى الضحاية الجنوبية كثرة الحديث اسرائيليا عن "عقيدة الحديدة" في اشارة الى الغارة الاسرائيلية المكثفة عليها ردا على المسيّرة "يافا" التي استهدفت تل ابيب، واعتبارها معيارا جديدا للتعامل مع لبنان وهو اكثر كثافة من عقيدة الضاحية التي اعتمدتها اسرائيل في حرب لبنان الثانية والتي خرجت منها مأزومة.

تشهد اسرائيل حالة من الشعور بالنشوة والانتصار وتحظى بالاجماع القومي الصهيوني بما فيه المعارضة، وتعود الى الواجهة تصريحات الانتصار وسحق حماس وتفكيك حزب الله وما يسمى بصورة الانتصار، وبأن اسرائيل انتقلت الى حالة الهجوم والانتصارات وغيرها، بينما تنطلق اصوات ذات خلفية عسكرية غنية مثل الجنرال السابق عميرام ليفين الذي يعارض فكرة اغتيال هنية ويؤكد انه كان من واجب ممثلي الجيش في المشاورات الامنية ان يعترضوا على الاغتيال، باعتباره لا يفيد استراتيجيا بل يبرر استهداف قادة اسرائيليين، ويدفع نحو حرب شاملة لن تخرج منها اسرائيل اقوى. كما تشهد اسرائيل حالة من القلق والارتباك الاسرائيلية الداخلية على المستوى الشعبي وعلى مستوى الجبهة الداخلية.

داخلياً في اسرائيل تشكل عملية اغتيال هنية انتصارا معنويا يحظى بالاجماع القومي الصهيوني، بينما يشوبه القلق وحالة الارتباك وحصريا على المستوى الشعبي والجبهة الداخلية.

بامكان اسرائيل فعليا اعتبار عمليتي الضاحية وطهران بمثابة صورة انتصار قوية كما يحلو لنتنياهو، وعلى اساسها ينطلق لابرام الصفقة في غزة ومخرجا منها لوقف الحرب، الا ان الامور تبدو أبعد من ذلك، ولا تبدو التهدئة هي عنوان اللحظة في اسرائيل.

تعتبر اسرائيل ان عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر قد حدثت بتوجيه ايراني وبتدريب ايراني. مباشرة بعد ذلك في الثامن من اكتوبر 2023 اعلن قادة اسرائيل ضمن ما اعلنوه القرار باستهداف قادة حماس والجهاد الاسلامي اينما تواجدوا قريبا او بعيدا.

وكما يتضح، الولايات المتحدة ساندت اسرائيل حربيا في عملية استهداف العسكري فؤاد شكر في الضاحية، بينما تقوم حكومة نتنياهو بتوريطها في قرار تصفية هنية في قلب العاصمة الايرانية، الا ان الموقف الامريكي سواء كان مساندا او متورطا سوف يوفر لاسرائيل كل مقومات الحرب المفتوحة في حال استعارها.

قرارها اغتيال اسماعيل هنية حصريا وهو الشخصية السياسية بامتياز وهو المحاور المنفتح والذي ابدى مرونة لافتة في مفاضات الصفقة وحصريا مقابل الوسيطين المصري والقطري، يقوم على عدة اعتبارات: الاول؛ هو ان وجهة اسرائيل الحالية هي تهميش وزن الوساطة ومفاوضات الصفقة لصالح الحسم العسكري ضمن تقديرات الجيش بأن حسم المعركة مع حماس قريب، بما فيه تفكيكها ككيان عسكري، وان تكثيف الضغط العسكري سيحسن شروط الصفقة لصالح اسرائيل وهو الحاسم. البعد الثاني؛ هو كون هنية منفتحا على الوحدة الفلسطينية وتجاوز الانقسام، وباعتبار ذلك يعزز مطلب الدولة الفلسطينية والكيانية الواحدة في الضفة والقطاع. ثالثا؛ ترى اسرائيل بشخص هنية بأنه المسؤول عن رهان حماس على ايران وتوثيق العلاقة معها بعد القطيعة السابقة.

هناك نقاش حاد في الاوساط الامنية والسياسية والبحثية الاسرائيلية يتمحور في مدى جدى سياسة الاغتيالات، وقد بدأ هذا النقاش منذ سنوات السبعين في الموقف من قيادات م ت ف. الا ان عمليتي الضاحية وطهران تشيران الى ادخال مركبات جديدة الى عملية الاغتيال ممكن اعتبارها متغيرات جوهرية، والمقصود هنا تتالي الاغتيالات على اكثر من جبهة، واختيار المكان، اي استهداف طهران والضاحية بناء على معلومات استخباراتية غاية في الدقة وعلى قدرة اختراق وعلى قدرة تنفيذ، وذلك بعد ان فقدت اسرائيل منسوب تفوقها في هذه المسائل، خاصة مع دخول المتغير الكبير على الحرب وهو المسيرات والاسلحة الدقيقة وتحديد الاهداف.

توفرت لإسرائيل فرص عديدة اهدرتها جميعا، وذلك لتهدئة الجبهات ومنع اشتعالها وهذا مرتبط بالكامل بالصفقة والتهدئة في غزة، والتي عوقتها حكومة نتنياهو. في المقابل اخفقت في توفير اي حل عسكري لمسألة الاسرى والمحتجزين، او لاعادة سكان البلدات الحدودية او لحسم المعركة وتوفير "الأمن والأمان" لمواطنيها. توسيع الحرب اقليميا لن يأتي لاسرائيل بنتائج افضل بل من شأنه ان يعمق ورطتها الاستراتيجية.

فلسطينيا وعربيا، الراي القائل بأن اشعال الجبهة الشمالية مع لبنان سيريح 2 مليون فلسطيني في غزة من ويلات الحرب، هو موقف لا يستقيم مع الواقع، بل ان الحرب الاقليمية او حربا مفتوحة على الجبهة الشمالية ستتيح الفتك بغزة والضفة دون ان يلتفت أحد.

للخلاصة؛ فقد نجحت اسرائيل مدعومة بقدراتها وبالقدرات الامريكية في تنفيذ عمليتين نوعيتين فيهما اختراق للضاحية وطهران، وسبق ذلك قصف الحديدة في اليمن  الا ان الوضع الاستراتيجي لم يتغير. رغم نجاحها اللافت الا ان منسوب القلق والارباك في اسرائيل يتزايد، فليس واضحا اذا ما كانت قادرة على حماية جبهتها الداخلية ام توريطها، وكيف ستكون الردود على عملياتها.  اقليميا ورغم ان احتمالات الحرب الاقليمية المفتوحة لا تزال مستبعدة الا ان عمليتي الضاحية وطهران تجعلانها أقرب مما كانت عليه في اي وقت.

تبدو احتمالات الصفقة والتهدئة في غزة أقل احتمالية في المدى القصير، بل وتتهم عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين نتنياهو بأن العمليتين اعلاه، على حساب نضوج الصفقة، كما ان وجهة اسرائيل هي السعي الى تكثيف عملياتها العسكرية في غزة والاغتيالات ضد قادة حماس والجهاد.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب