النكبة التي احدثتها العصابات الصهيونية التي تلقت الدعم الكامل والمطلق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وللأسف الشديد أيضا من تشيكوسلوفاكيا وبمعرفة الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. وأقول للأسف لأن الان حتى وزير خارجية روسيا صرح بأن قيام دولة إسرائيل كان خطأ تاريخيا، أدى لاحدى أكبر عمليات التطهير العرقي في القرن العشرين، وأكبر مأساة إنسانية وسياسية متواصلة منذ 1948 وحتى الآن. وما يجري الآن من حرب عدوانية لا بل حرب إبادة شعب هي استمرار للإرهاب الصهيوني العنصري منذ قيام هذه الحركة، ولن يتحرر الشعب في إسرائيل ولن تحرر منطقة الشرق الأوسط الا بهزيمة هذه الايدولوجية العنصرية الشوفينية، والتي تنفي حق ووجود الشعب الاخر الشعب الفلسطيني وما يُصرح به بعض القادة الإسرائيليين بأن هدف استمرار الحرب ليس فقط هزيمة حماس لا بل تغيير خارطة المنطقة لأكبر دليل على همجية هذه السياسة العدوانية الصهيونية.
وهنا اريد ان اذكر بان الكثيرين من مؤرخي الحركة الصهيونية يعتبرون يهوشع بن نون "الصهيوني الأول"، وهنا اذكر بأن أحد قادة حكومة إسرائيل تفاخر بأن تاريخ "الشعب" اليهودي يعود الى تاريخ يهوشع واسطورة احتلال "أرض الميعاد" أرض كنعان – فلسطين. وهنا لا بد من التساؤل عن طبيعة هؤلاء القادة الصهاينة العنصريين الشوفنيين الارهابيين الذين يتفاخرون بيهوشع الذي قام بقتل سكان المناطق التي احتلها من نساء وأطفال وشيوخ. والذي أبقى النساء العذارى على قيد الحياة في احدى المرات، من اجل الملذة فقط. فكان التاريخ الخرافي للمدعو يهوشع بن نون هو تاريخ من أعمال القتل والسلب والنهب والاذلال والاغتصاب لكل سكان ارض كنعان في ذلك الوقت.
وهذا ما قامت به الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني عام 1948. ففي هذا العام طردت المنظمات الإرهابية الصهيونية ولاحقا إسرائيل بعد قيامها وشردت قسرا أكثر من 900 ألف فلسطيني من أصل مليون واربعمائة ألف كانوا يعيشون في فلسطين التاريخية، وأجبروا على الرحيل القسري من منازلهم وأرضهم وديارهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم وأصبحوا لاجئين قبل قيام دولة إسرائيل.
وبقي داخل إسرائيل بعد قيامها 150 ألف فلسطيني منهم 46 ألف فلسطيني تم تهجيرهم داخليا. ورفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي السماح لأولئك المهجرين الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم وقراهم.
وهنا أريد أن أذكر بأن تأثير بطولات يهوشع الخرافية "التوراتية" وبغض الطرف عن صحتها، كان كبيرا على جميع قادة الحركة الصهيونية الحديثة من موسى هس الملقب "بنبي الحركة الصهيونية" وثيودور هرتسل الى رجل السياسة الأول الآن في إسرائيل الذي مرة أخرى لا يستحق ان أكتب اسمه بحبر قلمي.
فكل هؤلاء القادة الصهاينة كانوا قد ذهبوا في طفولتهم المبكرة الى مدارس توراتية دينية تعلموا فيها قصص موسى ويهوشع وغيرهما على يد أساتذة تلموديين. ونشروا هذه المفاهيم، كأفيون للشعب اليهودي لا بل ولكل دول الاستعمار الامبريالي الغربي، وهنا أذكر فلاديمير جابوتينسكي الروسي الأب الروحي لمناحم بيغن واسحاق شامير. وهنا أذكر بأن المتطرف الإرهابي جابوتنسكي كان يحتقر العرب ويتعامل معهم من منطلق عنصري صهيوني استعماري شوفيني متطرف. وهنا أذكر بأن جابوتنسكي أوضح موقفه من الشرق والغرب في رسالة الى السناتور اليهودي غرونزبرغ (GRUNSBERG) عام 1925: " نحن اليهود اوربيون، ولكننا لسنا تلامذة الثقافة الأوروبية، بل نحن شركاء في صناعتها أيضا. ماذا لدينا من أشياء مشتركة مع المشرق؟ ان كل ما هو مشرقي هنا ملعون، والى ان يتم جز العرب (في فلسطين) من كل النواحي لن يتمكن هؤلاء من ان يعيشوا معنا".
وحتى يتمكن هو وأتباعه من "جز" العرب من جميع النواحي (وقد استعمل جابوتنسكي كلمة "جز" وهي الكلمة الإنجليزية التي تستعمل لقص صوف الخراف، وبخاصة – وكخطوة أولى – تحويلهم الى اقلية ضئيلة في فلسطين فقد قرر جابوتنسكي أن يقيم "جدارا حديديا" من القوات المسلحة اليهودية التي تقوم بحماية عملية الوصول الى أكثرية يهودية في "ارض الميعاد"؟ في فلسطين والتي ضمت في تفكيره أراضي فلسطين والأردن كاملتين، ومع ان اتباع جابوتنسكي يدعون بأنه كان معارضا لترحيل الفلسطينيين، الا انه كما يظهر من مذكرات احد اليهود الأغنياء ويُدعى ادوارد نورمان (NORMAN) والذي كان وضع خطة لنقل الفلسطينيين الى العراق فقد كان جابوتنسكي مؤيدا في السر ومعارضا في العلن لهذا الاجراء ولأسباب يوضحها نورمان في وصفه لمحادثته مع جابوتنسكي عام 1937: " لقد كانت لديه (جابوتنسكي) نسخي عن خطتي بخصوص العراق ... لقد أيد الفكرة كلها تأييدا مُطلقا. وقال بانه يعتقد بأن أصعب جزء في الخطة هو تشجيع العرب على مغادرة فلسطين ... وأقترح بأنه اذا وافقت العراق على التعاون وتوجيه دعوة للفلسطينيين العرب للهجرة الى العراق فانه من الحكمة ان تعارض المنظمة الصهيونية بشكل مفتوح الهجرة العربية من فلسطين.
عندما سيتأكد العرب بأن الخطة ليست يهودية، وأن اليهود يريدون منهم البقاء في فلسطين من أجل استغلالهم، وبالتالي سيرغبون جدا في الذهاب الى العراق. أن هذا الأسلوب يبدو ميكيافليا، ولكن يمكن أن يكون الأسلوب السياسي الصحيح للتعامل مع شعب جاهل وشكوك مثل العرب".
ومن البداية فلم يكن جابوتنسكي يريد أن يكون للفلسطينيين أي دور في إدارة شؤون فلسطين خلال الانتداب الاستعماري البريطاني. وعندما وافقت الحركة الصهيونية برئاسة وايزمان عام 1922 على المشاركة في المجلس التشريعي المقترح من قبل الحكومة البريطانية والتي كان ممثلا للعرب واليهود قدم استقالته من عضوية اللجنة وفي مقال كتبه عام 1924 أوضح جابوتنسكي النقاط الأساسية للفكر الصهيوني اليميني الشوفيني العنصري، فالهدف هو إقامة دولة يهودية، أما حدود الدولة فكانت كل فلسطين والأردن.
وأما الطريقة التي سيتم من خلالها انشاء الدولة فكانت استيطان على مستوى كبير. واستمرار الاستيطان الصهيوني الكولو نيالي في الضفة الغربية وخاصة الآن شمال الضفة والتهديد بطرد سكان غزة وإعادة الاستيطان اليهودي في غزة دليل على همجية وبربرية هذا التفكير اليميني العنصري الشوفيني.
وقال اليميني الصهيوني المتطرف جابوتنسكي في تلك الفترة "بأنه لمن الخطأ الخطير ان نحاول الوصول الى حل للمواجهة العربية اليهودية بواسطة التقرب من العرب. ان فلسطين هي مكان التقاء ثقافتين لا يمكن أن تلتقيا، وان أي تقارب فيما بينهما يمثل استحالة عضوية وتاريخية".
وهنا أذكر ما كتبه سيمحا فلابان (FLAPAN) وهو كاتب ينتمي الى حزب المبام يقول: " لقد عارض حزب جابوتنسكي كل شيء كان يمكن ان يجعل التعاون مع العرب قانونيا في أي مجال، من انتخابات البلدية الى يوم رياضي. فقد كان العرب بالنسبة لهم جنس بدائي مكون من قتلة ومغتصبين.".
في حين من كان يقوم بالقتل والاغتصاب "رجلهم" الإرهابي لا بل قدوتهم يهوشع بن نون.
أما ولتشر (WELTCHER) وهو أيضا يساري فوصف جابوتنسكي واتباعه بأنهم: "اعتبروا ان لهم حقا الهيا في امتلاك فلسطين. كما اعتبروا بأن اية قوة تناقض أطروحتهم هذه غير أخلاقية. وبالتالي فان العرب الذين رفضوا التسليم للصهيونية ليسوا فقط أعداء سياسيين، ولكنهم مجرمون، وُصفوا لاحقا بأنهم " رجال عصابات وقتلة" وذلك عندما اخذوا بالتصدي الفعلي لليهود. ان وجود العرب في فلسطين لم يلعب أي دور في الضمير الصهيوني (هذا ان كان هناك ضمير لحملة الايدولوجية الصهيونية) قط. بل ان الكثير من الصهيونيين تخيلوا بان هناك قوى خفية (إذا كان هناك أي قوة خفية في العالم فهي الماسونية والصهيونية، مرتكبي الجرائم حول العالم) وهي على الأغلب معادية للسامية، (لقد نسي كاتب هذا الكلام ولتشر بان الصهيونية ومعاداة السامية وجهان لعملة واحدة)، قد اخترعت وجود العرب (في فلسطين) من اجل وضع العراقيل بوجه اليهود.
في عام 1940 توفي جابوتنسكي وتبعه اليميني المتطرف الاخر بعد عام واحد اوسشكين واستمر اليمين الصهيوني العنصري الشوفيني المتغطرس في سياسته هذه من خلال أشخاص أمثال مناحيم بيغن، وصموئيل كاتز وبعد ما يقرب عن أربعين عاما على وفاة جابوتنسكي حمل مناحيم بيغين أفكاره الى سدة الحكم في إسرائيل، واليوم يرفع راية اليمين وأفكار جابوتنسكي وبكل عنصرية وشوفينية قادة اليمين الصهيوني أمثال سموتريش وبن غفير (لا بل الصغير) ورئيس الحكومة الحالية الذي لا يستحق ان اكتب اسمه بحبر قلمي.
وهنا أذكر أيضا بأن بن غوريون اول رئيس للحكومة الإسرائيلية ومن مرتكبي جرائم النكبة واحد مؤسسي حزب " العمل" العلماني لا بل الديماغوغي الزائف والذي أيضا تعلم العبرية وتاريخ التوراة وقارن في احدى كتاباته بين احتلال فلسطين من الصهيونيين عام 1948 واحتلال يهوشع لأرض كنعان، مرتكب جرائم إبادة الشعوب في ذلك الوقت، أي قبل آلاف السنين، معتبرا ان يهوشع وصحبه هم " الصهيونيون الأوائل".
وهذه الاقوال هي عار على جبين من يدعي بأنه صهيوني ويحمل الفكر اليساري. فاليساري الحقيقي عليه يأن يتخلص هذه الأيديولوجية العنصرية الشوفينية ويرمي بها الى مزبلة التاريخ، وعليه ان يتبنى المفاهيم العلمانية الأممية التقدمية فالقومي الحقيقي هو الأممي الحقيقي والأممي االحقيقي هو القومي الحقيقي، وهنا اريد أن أذكر التعبير الذي استعمله مناحيم بيغين لوصف الفلسطينيين عندما كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية عام 1982، بانهم " حيوانات تسير على ساقين" والتعبير الذي استعمله "الجنرال" رفائيل ايتان بأن الفلسطينيين في بيروت عام 1982 " محاصرون كالصراصير في الزجاجة" (وهذه هي جذور مفاهيم اليمين الصهيوني العنصري الإرهابي الذي استمر في حصار غزة اكثر من 20 سنة).
او تعبير الوزير رحميعام زئيفي الذي قُتل عام 2001 "بأن الفلسطينيين "قمل" او تعبير عوفاديا يوسف (رئيس حركة شاس) بأنهم "ثعابين". وكل هذا دليل على ان قادة الحركة الصهيونية توارثوا عن يهوشع بن نون افعاله ومفاهيمه الإرهابية ، وما يجري في غزة الان لأكبر دليل على ذلك.
إضافة تعقيب