news-details

العنف والجريمة المنظمة في مجتمعنا لها جذور طبقية اجتماعية سياسية وأخلاقية| مريد فريد

-التصدي للعنف والجريمة في مجتمعنا أمر صعب ومكلف، وفي ظروفنا نحن هي تعبير عن سلطة الاضطهاد القومي والعنصرية الحكومية ولا حل الا بمواجهة السلطة اليمينية الفاشية*

في العقود الأخيرة دخل العنف والجريمة المنظمة إلى مجتمعنا العربي الفلسطيني في إسرائيل الذي لم تنجح العصابات الصهيونية باقتلاعه من وطنه الذي لا وطن لنا سواه، أيام النكبة وطرد الفلسطينيين من وطنهم وهدم مدنهم وقراهم وتحويلهم إلى لاجئين في وطنهم وفرض الحكم العسكري عليهم واضطرارهم لبيع قوة عملهم بعيدا عن مدنهم وقراهم.

بعد هزيمة نكسة 1967 نشأت ظروف جديدة، البرجوازية الإسرائيلية نمت وتقوت على حساب الأسواق الجديدة في المناطق المحتلة سيناء، غزة، الهضبة السورية، الضفة الغربية والقدس العربية المحتلة. نحن الجماهير العربية الفلسطينية مواطني إسرائيل، تأثرنا بذلك اقتصاديا واجتماعيا.

النكسة خلقت ورسخت ظروفا اجتماعية طبقية جديدة في البلاد مع تناقضاتها الطبقية والاجتماعية ومنها السوق السوداء والعصابات التي كانت موجودة منذ النكبة، ولكنها كانت ضعيفة نسبيا. الأوضاع الجديدة أثرت على المجتمع الإسرائيلي وعلى كل قطاعاته الاقتصادية السياسية والاجتماعية.

هذه التغيرات لم تقفز عن الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد لأننا رغم خصوصياتنا نحن نتأثر بكل ما يجري في المجتمع الإسرائيلي سلبًا وايجابًا. ام الفحم جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد وفي ذات الوقت جزء لا يتجزأ من المجتمع الاسرائيلي.

حتى عام 1966عانت أم الفحم من أزمة اقتصادية خانقة جدا، لان اراضيها سلبت وتحولت قسرا قوتها لقوة عمالية في المدن والمستوطنات اليهودية. عندما تعمقت الازمة الاقتصادية في البلاد اول من عانى من تلك الأيام هم الضعفاء اقتصاديا العرب ومنهم سكان مدينة ام الفحم. بعد عام 1967 خرجت إسرائيل رويدا رويدا من الازمة الاقتصادية ومن ضمنها ام الفحم.

شئنا ام أبينا نحن أصبحنا جزءا من الاحتلال مع كل تناقضاته الاجتماعية الطبقية وحتى الاستغلالية لأهلنا الرازحين تحت الاحتلال الاسرائيلي. تحولنا من العمل الأسود تدريجيا إلى مقاولين ثانويين عمالهم من المناطق المحتلة. لم يحصل العمال من المناطق المحتلة على الحقوق الاجتماعية الطبقية كما كانوا يحصلون لدى المقاولين والشركات اليهودية. بالرغم من انها منقوصة اصلا.

في العقدين الأخيرين تزايد العنف والجريمة بما في ذلك الجريمة المنظمة. واصبحت عائلات الاجرام المنظم معروفة بين الجماهير العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وايضا مرتبطة مع مثيليهم في المناطق المحتلة.

من المعروف للجميع انه لا توجد ظاهره جديدة في المجتمع الاسرائيلي وبين الجماهير العربية لا تؤثر بشكل كبير على ام الفحم. بوصفها ثالث تجمع سكاني عربي اي بعد الناصرة ومدينة رهط.

منذ بداية انتشار الجريمة والسوق السوداء في المدينة بادرنا نحن كاتب هذه السطور وبتوجيه من الحزب والجبهة بالتشاور كيف نجابه هذه الافة.  اذكر اللقاء الواسع والهام الذي عقد على سطح بيت المربي الاستاذ تيسير خالد والذي حضره العشرات. دار نقاش على مستوى جيد. وتلاه نشاطات توعوية مهمة جدا بين الاهالي. لان هذا اللقاء رأى الجوهر إن المؤسسة الحاكمة هي المسؤولة الأولى عن انتشار السلاح والجريمة والسوق السوداء.

 خلال العقدين الاخيرين زادت ظواهر العنف والقتل والجريمة بحيث قتل عدد كبير من المواطنين العرب والذين لم تكشف الشرطة عن قاتليهم حتى يومنا هذا. رئيس الحكومة نتنياهو تعهد على الملأ بمحاربة هذه الظاهرة والكشف عن القتلة وها هي السنين تمر ولم ينفذ "تعهد" نتنياهو.

هناك أمر أثر سلبا على ام الفحم وهو إقامة جدار الفصل العنصري. والذي أثر على مدينة ام الفحم ديموغرافيا وطبقيا. من المعروف ان ام الفحم اصلا كانت تابعة للواء جنين قبل النكبة.

ام الفحم مثلها مثل الناصرة ورهط والطيبة وغيرها دخلتها عائلات السوق السوداء لان الوضع الاقتصادي صعب جدا لدى الكثير من العائلات الفحماوية.

ليس سرا انه عشية كل سنة دراسية او عيد الفطر والاضحى تضطر هذه العائلات لأخذ القروض من السوق السوداء. خاصة وان المصارف البنكية شددت من شروطها لإعطاء قروض على الجميع عربا ويهودا وبالذات ايام وباء "الكورونا".

أمام هذا الوضع العام في البلاد وبالذات في مدننا وقرانا العربية وعلى راسها مدينة ام الفحم أقيمت لجنة شعبية موحدة قبل أكثر من عشر سنوات. كان وما زال محور نشاطها ضد العنف والجريمة المنظمة وهدم البيوت والوقوف إلى جانب شعبنا الفلسطيني في المناطق المحتلة.

تصاعد العنف والجريمة وبالذات المنظمة اثر سلبا على الحياة الاجتماعية والسياسية بين جماهيرنا العربية. واصبحت العصابات الاجرامية تتدخل وتسطو على السلطات المحلية. في إحدى قرانا في المثلث منع شخص من الترشح لرئاسة المجلس المحلي. في قلنسوة خُطف صبي. ومن أجل إعادته لأهله لجأت الشرطة لشخص ما من خارج قلنسوة لإعادته.

دائما ادعت السلطة العنصرية ان السلطات المحلية العربية لا تتعامل مع العنف والجريمة بشكل علمي. انا لا أقول ان تعامل السلطات المحلية كلها كما هو مطلوب. وان بعض السلطات المحلية العربية واليهودية تخضع لابتزار عصابات الاجرام. هذا الأمر نشر في وسائل الإعلام.

اما فيما يتعلق بأم الفحم فقد بادرت البلدية السابقة لوضع خطة علمية لمكافحة العنف وخاصة بين الشابات والشباب. وانا سعيد أنني ساهمت بقسط متواضع في هذا المجال كناشط في اللجنة الشعبية منذ إقامتها قبل أكثر عشر سنوات بعد دراسة علمية مطولة باشتراك ممثلي المعاهد العليا والمعاهد العلمية اعدت وثيقة ورقة عمل هامة قُدمت إلى الوزارات المعنية. واذكر أنني استفسرت من رئيس البلدية د. سمير صبحي عن هذا الأمر قال لي بكل وضوح، "تقريبا ستة شهور ونحن نلاحق الوزارات والهيئات المختصة هاتفيا. تقريبا يوميا. ولا أحد يرد علينا". لان هذه الخطة تتطلب قرارا سياسيا وتخصيص ميزانيات لتنفيذ هذا المشروع والذي الذي من المفروض ان يحل مشكلة خمسة آلاف ونيف من الشابات والشباب من جيل الثامنة عشر وحتى جيل الخامسة والعشرين.

في ام الفحم هناك قناعة تامة ان الشرطة، الدولة ومؤسساتها ترفض جمع السلاح غير المرخص رغم النداءات المتكررة من أعضاء الكنيست العرب والبلديات، لان هدف الشرطة تنفيذ سياسة الحكومة التي تريد شرذمة المجتمع العربي. لو "لا سمح الله" وجه جزء من هذا السلاح حتى ضد عصابات اجرامية يهودية لكانت الشرطة تكشر عن انيابها وتبطش.

التقارير الرسمية التي نشرت في الصحف والمقابلات التلفزيونية. تقول ان عدد قطع السلاح غير المرخص بين العرب يتراوح من 300 الف قطعة سلاح بالحد الأدنى الى 450 الف قطعة إلى الحد الأقصى، اي بمعدل كل سادس او سابع مواطن عربي عنده قطعة سلاح؟ اي مثلا ام الفحم يجب أن يكون بها بين تسعة او عشرة آلاف قطعة!. حسب هذه المعلومات قيمة السلاح الموجود بين الجماهير العربية من 12 إلى 14مليار شيكل.

70% منه مصدره الجيش الاسرائيلي 30% منه يشترى من الضفة الغربية المحتلة، بالرغم من أن اسرائيل حينما تقرر منع الهواء من الوصول إلى أهلنا في المناطق المحتلة تنفذ ذلك.

من المعروف ان المؤسسات القطرية، لجنة المتابعة واللجنة القطرية والاحزاب والهيئات الجماهيرية الوطنية تجتهد لصد هذه الافة. في الآونة الأخيرة أقيمت لجنة إفشاء السلام التابعة للجنة المتابعة وقامت بألف مصالحة كما صرح رئيسها الشيخ رائد صلاح وهذا أمر جيد. ومع ذلك الوضع سيء للغاية. لماذا؟ لان تركيبة اللجنة لا تتلاءم مع واقع جماهيرنا العربية.

60% من العرب في الجامعات صبايا نعتز بهن. قبل أيام شاهدت تكريم 20 حملة شهادة دكتوراه من النساء في باقة الغربية لوحدها وهذا أمر نفتخر به اما اللجنة إياها فهي من الرجال فقط.

الأهم ان قضية العنف هي قضية المجتمع الاسرائيلي برمته. وانه علينا أن ننقل ذلك للمجتمع الاسرائيلي برمته والعالم اجمع. أعتقد أنه من الضروري التفكير بإحياء المؤتمر العربي المحظور من ايام مناحيم بيغن.

واخيرا علينا التحلي بالشجاعة وبالاعتراف بأننا نعيش في مجتمع رأسمالي متطور يفرز هذه الظواهر. وهذا يتطلب منا التخلص من الأساليب التي كانت ملائمة للإقطاع وللعائلية التي ما زالت في بعض الأحيان جزء من المشكلة وليست وسيلة ناجحة للحل.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب