محور الرواية
تشكّل قصّة الكلبة فورتونا/ كليلة محور الرواية، إنّها كلبة (إيلي وريتا) من قرية عين زيتيم في أقصى الشمال، وقد احتارا ماذا يفعلان بكلبتهما الحامل بعد قرارهما النزوح إلى تل أبيب بسبب الوضع الأمنيّ في شماليّ البلاد، وما يجري من عمليّات حربيّة تأديبيّة وراء الحدود، ولمّا لم يجدا لها مأوى في مدينة الله (كرميئيل)، تركاها في السهل بمحاذاة بلدة كرمة (مجد الكروم)، فلجأت إلى مخزن بيت نجم ورندا واستقرّت فيه لتضع ستّة جراء تمّ توزيعها على ستّة أشخاص استجابة لطلبهم. تثير الكلبة خلافًا بين صاحب البيت نجم وزوجته رندا التي لم تطق وجودها، وخشيت على ابنها وابنتها من الأمراض التي تصيب الكلاب، خاصّة بعد علاقتها بكلب الأستاذ جاد الله المدعو شمشون ومكوثه معها عدّة ليالٍ في المخزن، فيضطرّ نجم للتخلّص منها دون أن يُفلح، عندها تُخبر رندا قسم الصحّة في البلديّة بوضع الكلبة، فتُنقل إلى "ملجأ الكلب السعيد" لقتلها بالحقنة الرحيمة، وعندما يدرك نجم ما قامت به زوجته يسرع إلى الملجأ لتخليص الكلبة مع إصرار ابنه وابنته على استعادتها، وهناك يفاجأ بحضور إيلي مع انتهاء العمليّات التأديبيّة، بعد أن أخبرته رندا بمكان الكلبة، فيدّعي إيلي أنّه صاحب الكلبة تركها قبل خمسة أشهر بجانب بلدة كرمة في بداية الحرب، ويصرّ نجم أنّها كلبته التي تعلّق وولداه بها، ثمّ يدفع كلّ منهما بعض المال للعامل المسؤول، فيحرّر الكلبة لتقترب تارة من إيلي وطورًا من نجم، وتعود في النهاية مع صاحبها إيلي الذي يعطي نجم رقم هاتفه ويدعوه لزيارته في عين زيتيم، أمّا نجم فيعود إلى بيته وقد قرّ قراره على اصطحاب يزن الحميّد في زيارته لإيلي، وعند وصوله يشاهد شمشون يعدو مذهولًا وبين فكّيه دجاجة، ووراءه ذيب يركض شاهرًا عصاه.
تنوّع الخطاب في الرواية
تنفتح رواية "ملجأ الكلب السعيد" على خطابات متعدّدة حسبما قدّمنا في مستهل مقاربتنا للرواية، كالخطاب السياسيّ- الأمنيّ، الاجتماعيّ، الجنسيّ، الحضاريّ، الثقافيّ، التاريخيّ، الدينيّ ونحو ذلك. فمن الخطاب الأمنيّ ما يشير له الراوي من عمليّات حربيّة تأديبيّة شماليّ البلاد تضطرّ سكان الشمال إلى النزوح نحو المركز ريثما تنتهي تلك العمليّات، مثلما حصل مع إيلي وزوجته ريتا من مستوطنة عين زيتيم في الشمال. أمّا الخطاب السياسيّ فيتجلّى في أمور كثيرة، منها؛ ممارسات السلطة ضدّ المواطنين العرب واستيلاؤها على أراضيهم تحت لواء "الدوريّات الخضراء" التي دأبت على استعادة أراضي الدولة التي استولى عليها البدو، وإبادة ما يزرعون فيها، مصادرة مواشيهم، وتنفيذ القانون بهدم بيوتهم غير المرخّصة(117)، أضف إلى ذلك التمييز اللاحق بالعرب في مختلف مجالات الحياة، ومن ذلك التضييق على الطلاب العرب وعدم إتاحة دراستهم موضوع الطب في الدولة بحجة عدم النجاح في امتحان السيكومتري، كما حدث مع إدريس، ممّا اضطرّه لدراسة الطب في روسيا، التمييز بين العرب واليهود في الانتساب للجيش، كما حصل مع صالح، ابن عمّ إدريس الذي طلب الانتساب للجيش محافظةً على أرضه، فلم يحافظ عليها، ولم يُقبل إلّا في صفوف شرطة الحدود لسنة واحدة، ومثل ذلك السخرية من العربيّ واستفزازه في الكلام والتصرّفات وقد تمثّل الأمر في كلام الجنديّ الروسيّ "إيغور" الذي يتبنّى رأي السلطة الحاكمة، فيقول عن العرب: "مخرّبون، منافقون، كذّابون، فليذهبوا إلى الأردن، أو إلى سوريا والسعوديّة!"(104)، ناهيك بممارسات السلطة والجيش ضدّ المواطنين العرب خاصّة في القدس(107- 110). ولّد هذا التمييز جمعيّات إنسانيّة(بتسيلم)، (يوجد قانون - ييش دين- ززيم) وغيرها لملاحقة اليهود المعتدين على العرب والمطالبة بمحاكمتهم، كالمطالبة بمحاكمة الجنديّ الذي أطلق النار على الفتى المتوحّد في القدس(115).
يحضر الخطاب الاجتماعيّ متلفّعًا بالتمييز بين العرب واليهود في المجتمع الروسيّ الذي حُشِد في مدينة الله (كرمئيل)، ومن نماذج ذلك ما حدث مع يزن الحميّد وزوجته هناء خلال محاولتهما استئجار شقّة في مدينة الله التي أُسّست للقادمين الجدد تحت شعار "تهويد الجليل"، ليس دائمًا من منطلق عنصري فقط، بل من منطلق اقتصاديّ، إذ يدّعون أنّ وجود عرب في بناية ما من شأنه أن يهوي بثمن الشقق كلّها إلى الحضيض، لكنّ يزن استطاع بمساعدة زميل يهودي تونسيّ أن يخترق تلك المحظورات ويستأجر شقّة زميله، ومن ثمّ يشتريها بعد انتقال زميله إلى شقّة أخرى، لكنّ سكّان العمارة لم يستسيغوا الأمر وعرضوا على يزن أن يبيعهم الشقّة بإضافة عشرة آلاف دولار فوق ما دفع، وذلك لأجل أن تبقى وحدة في الخلفيّات الثقافيّة لسكان العمارة، يرفض يزن طلبهم، ويشكّل موقفه بداية لاختراقات كثيرة ودخول العرب للسكنى في مدينة الله(167- 168).
في الاجتماع الانتخابيّ في خلّة الخرّوب لحزب "هذه بلادنا"، دعا مكسيم، الناشط في الدفاع عن حقوق الجنود ورجال الأمن، إلى عدم محاكمة أيّ جنديّ أو شرطيّ يقوم بواجبه، فمن يتحدَّ قوى الأمن يُعدمْ على الفور، ويضيف أنّ لدى العرب "أكثر من عشرين دولة، وليس لنا سوى دولة واحدة، فليذهبوا إلى أبناء أمّتهم، يأكلون مثلهم بأيديهم، ويسمحون لهم بالزواج من أربع نساء"(211)، وفي ذلك تصريح باستباحة دم العربيّ، وسخرية من نهج حياتهم وشريعتهم الدينيّة. يستمرّ مكسيم في عدائيّته فيقرِّع كاترينا زوجة إدريس لزواجها منه، ثمّ تصلها رسالة تدعوها للعودة إلى شعبها ودينها، وتتواصل ملاحقتها إذ يخبرونها أنّهم يعلمون بالتزييف الذي قامت به وسوف تقضم أسنانها ندمًا على ذلك، ثمّ يرسمون بطلاء أسود على سيّارة إدريس نجمة داوود، ويخطفون كلبها لوكي ثمّ يُعيدونه مكسور السيقان، وقد كتب على فروته الموت للعرب(220)، بذلك يتداخل الخطاب السياسيّ مع الخطاب الاجتماعيّ فيعكسان ممارسات السلطة وممثّليها، ويؤكّدان دعوة المجتمع اليهوديّ لعدم الاختلاط بالمجتمع العربيّ بصورة عامّة.
يكثّف الراوي/ الكاتب من حضور الخطاب الجنسيّ ليس من أجل الجنس، إنّما لتحقيق أهداف أخرى، فيسبر عبر ثيمة الجنس أغوار الشخصيّات، وما جرّت ممارساتهم الجنسيّة من مآسٍ عليهم وعلى من حولهم، كالانهيار الاقتصاديّ والأسريّ اللذين لحقا بالمحامي نصري في علاقته بجينيا، إهماله لزوجته وطلاقه لها، وخسارته لكلّ أمواله وأرضه، والتفكّك الأسريّ الذي أنتجته العلاقات الجنسيّة لكلّ من إيفيت، جينيا، وابنتهما ساشا، والدمار الاقتصاديّ والنفسيّ اللذين أصابا مكسيم "الرائع" وعشيقته رونيت التي سلبها كلّ ما تملك وزجّها في دوّامة من الديون جعلتها تخسر كلّ أموالها، ممّا سبّب لها اضطرابات نفسيّة دفعتها لقطع علاقتها به، ويلاحظ في هذا الخطاب أنّ كلّ نساء الرواية اللاتي دخلن في مغامرات جنسيّة انحدرن من المجتمع الروسيّ، فهل يصوّر الأمر انحلال ذلك المجتمع الخلقيّ وكفره بقدسيّة الجسد، واستغلاله في سبيل تحقيق بعض المكاسب الماديّة، كما حدث مع جينيا التي منحت جسدها لنصري مقابل المبالغ الطائلة التي جنتها منه؟ أم يعكس شبق الرجال الجنسيّ وعدم اهتمامهم إلّا بمتعتهم الجنسيّة، كسلوك إيفيت، زوج جينيا، مع الفتيات العاملات في نزْله، وخاصّة مع شريكته التي يعتبرها فنّانة في تعاملها الجنسيّ الذي عوّضه عمّا فقده مع زوجته جينيا؟ أم هل يُتّخذ الجنس آليّة لتوثيق العلاقة بين الرجل والمرأة تمهيدًا لابتزاز المرأة واستحواذ الرجل على ما تملك، كما فعل مكسيم مع رونيت حتّى جرّدها من كلّ مالها بذريعة كونه من أسرة دفعت ثمنًا باهظًا لأجل الدولة؟ يبدو أنّ المجتمع الروسيّ يتّخذ ممارسة الجنس قبل الزواج وخارجه نهج حياة، فلا تؤرّق الممارسة الجنسيّة أحدًا منهم ما دام الأمر صادرًا عن حاجة غريزيّة وقناعة تامّة، وهذا ما يمكن استنتاجه من علاقة إدريس الجنسيّة مع الطبيبة البيطريّة "بايسيركا" خلال دراسته في روسيا. وبعد، فقد جاء الخطاب الجنسيّ في الرواية ليصوّر ما أحدثه القادمون الروس من فساد اجتماعيّ وخلقيّ وتحلّل من القيم والأخلاق التي نشأ عليها المجتمع العربيّ خاصّةً، في هذه البلاد.
تبدو عناية الراوي/ الكاتب جليّة في تناول الوجه الحضاريّ للمجتمعات الغربيّة التي يجد القارئ لها صدى فيما تسرده كاترينا (المرافقة لإدريس في المتحف وزوجته مستقبلًا) عن متحف "الأرميتاج" الذي "يحوي ثلاثة ملايين تحفة فنّيّة تستغرق خمس سنوات لرؤيتها، هذا إذا وقفنا دقيقة واحدة فقط أمام كلّ واحدة منها"، ناهيك بما يحوي من "بحر الألوان وأمواج الأضواء الساحرة على اللوحات وأطر الزجاج والخزف والفضّة والذهب الأصفر والأبيض والتماثيل! لوحات أعظم الفنّانين عبر القرون، تماثيل كبار المفكّرين الإغريق، كتّاب وفلاسفة وفنّانون. كنوز من الجواهر والرسومات والمنحوتات التي لا تقدّر بثمن، مقتنيات الملكة كاترينا"(88- 89). يعلّق الراوي على ذلك بقوله: "تناقض محيِّر بين كلّ هذه العظمة والكبرياء والغنى وفقر الناس، بين كلّ هذا السموّ الشاهق والواقع التعيس"(89).
يشير الراوي لسوء حالة هناء النفسيّة بعد اكتشاف خسارة أخيها نصري لماله، وبيعه أرضه التي ورثها عن أبيه حارمًا أختيه من حقّهما في الميراث بعد التزوير الذي أجراه في وصيّة والده، فتعرض نفسها على طبيبة نفسيّة تنصحها بتعلّم الموسيقى والعزف على آلة موسيقيّة، فلا تستسيغ الفكرة، وترحّب بفكرة مرافقة كلب لها يمتصّ قلقها ويشغلها عن أعبائها، يرافقها في نزهات قصيرة في أحضان الطبيعة، وتشغل نفسها في إطعامه وتدليله، فتطلب من رندا، زوجة نجم، التي تعمل معها، جروًا من جراء كليلة، تسميه فانتينو ليصير رفيقها المفضّل الذي تتنزّه معه كلّ يوم بعد العمل في الحدائق العامّة، فتتحسّن حالتها وتخرج من توتّرها(196- 197)، وفي ذلك ما يصوّر دور الموسيقى أو الحيوانات الأليفة في علاج بعض الحالات النفسيّة، وهي فكرة مستوحاة من الحضارة الغربيّة، إضافة لما يسرده من معلومات طبيّة عن الأمراض التي تصيب الكلاب كمرض "بارفو"، الذي أصاب "غوربي"، كلب كاترينا، وهو أخطر أمراض الكلاب التي تسبّب شللًا في الجهاز العصبيّ(201).
يقترن الخطاب الحضاريّ بالثقافيّ فيزجّ الراوي/الكاتب بعض النتاج الأدبيّ العربيّ في الرواية، ككتاب "ألف ليلة وليلة"، وقصيدة النهر المتجمّد لميخائيل نعيمة الذي درس في روسيا، وألقتها كاترينا على مسامع إدريس، ممّا يعكس سعة اطّلاعها، ويستحضر قصيدة "مديح الظلّ العالي" لمحمود درويش كلّما مرّ في نهريّة بالدوّار الذي نصبوا عليه مدفعًا غنموه من الفلسطينيّين في حرب الجنوب وحصار بيروت عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، الذي توّجوه بذبح واغتصاب آلاف اللّاجئين واللّاجئات الفلسطينيّين(250)، إضافة لذكر بعض النتاج الأدبيّ الروسيّ كقصّة "المغفّلة" لأنطون تشيخوف"، و بعض الأغاني والمطربين الغربيين مثل نيكولاي إيفانوفتتش توسكوف، لندن بويز، مادونا، جورج مايكل، خوليو اغلاسياس، معزوفة ضوء القمر لبيتهوفن، وبحيرة البجع لتشايكوفسكي وغيرها.
ينفتح الحديث عن حصار بيروت المذكور أعلاه، على الخطاب التاريخيّ المتماسّ مع الخطاب الجغرافيّ الذي يُعنى بهما الراوي/الكاتب والذي نجد لهما حضورًا في بعض مواضع الرواية، ومن ذلك ما يطلق عليه الراوي "تفكّك الاتّحاد السوفييتيّ" في ديسمبر عام ألفٍ وتسعمائةٍ وواحدٍ وتسعين الذي دفع عشرات الملايين من البشر لمغادرة وطنهم والبحث عن بلاد أكثر أمنًا، فاكتظّت الموانئ والمطارات والقطارات بحقائب حملوا فيها ذكرياتهم، بعدما ضاق بهم اثنان وعشرون مليون كيلو متر مربّع، بحثًا عن فضاءات صالحة لزراعة ورعاية أحلامهم، وكان لبعضهم نصيب في أن يرث أرض العربان في خلّة الخرّوب(77). وفي موضع آخر يذكر الراوي بعض ما يعرفه إدريس من أحداث تاريخيّة، فيقول: "ما يعرفه أنّ الأفغان هزموا السوفييت، وأمّا في الشيشان فما يعرفه أنّ زعيمهم جوهر دوداييف قُتِلَ وعيّنت موسكو شخصًا مواليًا لها"(99).
يحضر الخطاب الدينيّ في حوار السهرة العائليّة التي ضمّت إدريس، كاترينا، ووالديها، ومن ذلك ما قالته كاترينا لأمّها: "العرب يؤمنون بأنّ العربيّة هي لغة أهل الجنّة"، فتردّ والدتها بلهجة ساخرة قائلة: "حقًّا؟ لم أعرف ذلك، وماذا مع لغة بوشكين وغوغول وتشيخوف؟ هل الجنّة للعرب وحدهم!"، يجيبها إدريس: "لا أدري، نحن نؤمن أنّ الجنّة من نصيب الناس الطيّبين"[...]، تقول والدة كاترينا: "تؤمن بخرافة آدم وحوّاء وأكل التفّاحة والطرد من الجنّة، وسفينة نوح، هذه تصلح قصصًا للأطفال!"، ثمّ تستطرد قائلة: "هذا كلام يتردّد كتراث ذهنيّ ساذج، من وحي خيال الشعراء والكهنة! حتّى جدّتي لم تؤمن بالكنيسة ولم تذهب إليها، لم تؤمن بالروح القدس"(97- 98). وفي ذلك ما يبرز الفرق بين نظرة العربيّ والغربيّ للدين، فالغربيّ إنسان علمانيّ لا يؤمن بكلّ التراث الدينيّ ولو كان مسيحيًّا، كما ينعكس الأمر من الحوار المذكور أعلاه.
يذهب الراوي/الكاتب لتصوير الفساد المنتشر في روسيا وتزوير هويّة الإنسان الدينيّة، ممّا يشكّك في يهوديّة الروس القادمين إلى البلاد، تقول كاترينا العائدة إلى روسيا لترتيب يهوديّة إحدى جدّاتها لتتمكّن من شراء أرض من دائرة أراضي إسرائيل، بعد رفض طلب زوجها إدريس لكونه عربيًّا: "كنت أعرف عن انتشار الفساد في روسيا، ولكن ليس إلى درجة تغيير ديانة إنسان متوفّى منذ عقود، بهذه البساطة"(165)، ثمّ يضيف الراوي قائلًا: "(غالينا درازدوف) والدة ميخائيل روجد ستيفنسكي، تبتسم عندما تفطن أنّ جدّتها التي هوّدتها صارت في عالم الغيب منذ عقدين، أوصت بإحراق جثّتها، وما تذكره منها في طفولتها هو حديثها كيف أنّ الإنسان هو الذي خلق الآلهة من وحي خياله"(165). يوضّح الاقتباس أعلاه إضافة للفساد في روسيا وتغيير الهويّة الدينيّة لإنسان ميّت، عدم الإيمان بالله الذي أوجده الإنسان من وحي خياله مقابل الإيمان الصادق لدى أبناء الديانات الموحّدة بالله. وشبيه بذلك، ما أشرنا إليه في سياق مقاربتنا لأسلوب كيوان، إذ يذكر الراوي أنّ كثيرًا من المسلمين لا يطبِّقون ما ورد في آية المواريث، فيتحايلون لحرمان المرأة من حقّها في الميراث، كما فعل نصري واستولى على أرض والده دون أن يعطي أختيه حقّهما من تلك الأرض. هكذا نجد الراوي/الكاتب لا يتردّد في كشف الحقيقة، وإبراز كلّ التجاوزات التي يجدها في مجتمعه أو المجتمعات الأخرى، عملًا بالمقولة المشهورة "إن قلتَ لا تخف، وإن خفتَ لا تقل".
وبعد، تُعتبر رواية "ملجأ الكلب السعيد" روايةً سَرِيَّةً بما يشيع فيها من تقنيّات أسلوبيّة تشهد بفنّيّة الآليّات الموظّفة فيها، وثيمات حسّاسة ومتنوّعة، تؤكّد شجاعة كيوان في الطرح دون تلعثم أو تردّد، ناهيك بما تثيره من أسئلة كثيرة تُترَك للقارئ، إلّا أنّنا نشير في نهاية مقاربتنا لسؤالين أساسيّين من شأنهما أن يلقيا الضوء على بعض خفاياها، ويحفّزا القارئ للبحث عن إجابة شافية لكلّ منهما. أمّا السؤال الأوّل فهو: لماذا حكم الراوي/الكاتب على علاقة كليلة وشمشون أن تبقى عقيمة دون أن تنتج ذريّة رغم قضائهما أيّامًا ولياليَ برفقة بعضهما البعض؟ وهل تكمن وراء ذلك دلالة معيّنة؟! أمّا السؤال الآخر والأكثر أهمّيّة فهو: لماذا ترك الراوي/الكاتب الكلبة فورتونا/كليلة لتختار العودة مع إيلي في نهاية الرواية دون نجم، رغم كلّ ما قدّمه لها نجم من حماية، رعاية، واهتمام، حين تركها إيلي تائهة بلا راعٍ ولا مأوى؟ وما دلالة هذه النهاية؟! يقيني أنّ روعة هذه الرواية تكمن فيما تتيحه للقارئ من نشاط ما بعد القراءة!!
إضافة تعقيب