ازدادت الخلافات في وجهات النظر بين المستعرب الياهو ساسون والمفتي، خاصة بعد أن نجح المفتي في عقد مؤتمر حضره ممثلون عن الأقطار الاسلامية عام 1931، كان الهدف من عقد المؤتمر، العمل على حماية الأماكن المقدسة في مدينة القدس من الخطر الصهيوني.
أثار عقد هذا المؤتمر حفيظة الياهو ساسون، لأنه اعتبر النتائج تأييدًا لسياسة المفتي وزيادة التحريض ضد اليهود، وضد الحركة الصهيونية، لم يتأخر رد الياهو ساسون على عقد هذا المؤتمر، فقام بكتابة أكثر من مقال واحد، نشرها جميعها في الصحف العربية، دافع من خلال هذه المقالات عن نوايا الحركة الصهيونية، وحاول تفنيد ادعاءات المفتي كما أسماها، بأن هذه الحركة تخطط لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كما أنها تخطط للاستيلاء على الأماكن المقدسة، وكما يذكر الباحث يارون ران، أن العديد من الصحف العربية، خاصة الصادرة منها في بيروت وفي القاهرة، لم تتردد بنشر مقالات الياهو ساسون، بضغط من الجاليات اليهودية في كل من القاهرة وبيروت، فقد سيطرت هذه الجاليات على العديد من الصحف العربية، وكانت تمولها خدمة للحركة الصهيونية.
اتهمت أوساط قومية عربية هذه الصحف بأنها كانت تتلقى الرشى من وكلاء للحركة الصهيونية، ومن بينهم المستعرب الياهو ساسون رغم الخدمات التي قدمها الياهو ساسون لقادة الحركة الصهيونية في فلسطين وخارجها، لكن هذه القيادة تحفظت كثيرًا من الانتقادات اللاذعة التي اثارها ساسون ضد القيادة الصهيونية.
فقد اتهم ساسون الحركة الصهيونية بأنها لا تولي أهمية لليهود الذين هاجروا الى فلسطين من الأقطار العربية والاسلامية والذين عرفوا باليهود الشرقيين " سفارديم " طالب ساسون باشراك اليهود الشرقيين في قيادة كافة المؤسسات اليهودية في فلسطين، خاصة الوكالة اليهودية وغيرها، لقد انتقد ما اسماهم اليهود الاشكناز واتهمهم بأنهم يحتكرون السلطة، واعترف ساسون في مقال من مقالاته، بأن اليهود الاشكناز يرفضون الاعتراف بأنهم عاجزون وحدهم عن قيادة التجمعات اليهودية في فلسطين، ومن وجهة نظره بأن هذا غير ممكن، بل يجب ايجاد حلول للمشاكل التي واجهت اليهود في فلسطين وفي العديد من الأقطار العربية، لذلك اضطر الى التعاون مع اللوبي الصهيوني، وفي عام 1934 بدأ يعمل في القسم المسؤول عن العرب داخل الوكالة اليهودية.
من بين الاعمال والخدمات التي قدمها لهذه الوكالة، تقديم تقارير شاملة عن شتى المواضيع التي تنشرها وتتناقلها الصحف العربية، التي كانت تصدر في فلسطين، كما عمل على تلخيص جميع المقالات والتحليلات التي تهم الحركة الصهيونية والصادرة في صحف دمشق بيروت والقاهرة وحتى بغداد، ويرى الباحث بأن هذا العمل، يعتبر اقامة أو تأسيس أول نواة لجهاز الاستخبارات الصهيونية، وقد أطلق عليه باللغة العبرية "حتساب" وتعني نبات البصيل أو النحت أو الحفر.
بدأت الوكالة اليهودية المدعومة من الحركة الصهيونية تجني ثمار ما يقوم به الياهو ساسون، وهذا يعود الى نشاط هذا المستعرب، والى قدرته على اقامة علاقات متينة مع الكثير من كبار المثقفين والصحفيين وزعماء الأحزاب العرب، نجح في خداع هؤلاء الى درجة ان بعضهم اعتبره بطلًا قوميًا يعمل على استقلال سوريا.
من بين انجازاته الهامة، تمكنه من ملاحقة ومعرفة كل تحركات المفتي، خاصة بعد أن اضطر للهرب الى بيروت، ومعه جميع اعضاء الهيئة العربية العليا، فقد اتهم المفتي عام 1937 بأن له يدًا باغتيال المندوب السامي البريطاني أثناء قيامه بجولة في الجليل.
لاحق ساسون المفتي ورفاقه اثناء تواجده في بيروت، ورصد تحركاتهم ونقل أقوالهم وتصريحاتهم، ويعترف الباحث ران أنه خلال مدة وجيزة من وصول المفتي الى بيروت، تمكن ساسون من نقل كل تحركاته ونشاطه الى الوكالة اليهودية وكانت هذه الوكالة تبلغها لسلطات الانتداب، استطاع هذا المستعرب التنصت على مكالماته اليومية مع كافة القيادات الفلسطينية، خاصة في الفترة الواقعة ما بين عامي 39-1937 وقد اثنى على هذا النجاح، احد كبار قادة الحركة الصهيونية في ذلك الحين، وهو " موشيه شاريت " عندما صرح باننا نعرف كل شيء عن المفتي، وكل المقربين له.
ان شبكة المخبرين التي جندهما ساسون، لنقل كافة المعلومات عن المفتي وجماعته ضمت العديد من زعماء الطوائف اليهودية التي كانت تقيم في دمشق وبيروت، نذكر من هؤلاء "ريفلين" والد رئيس الدولة الحالي، ويهودي آخر يدعى لنداو، ويهودي ثالث يدعى كوجيه، ورئيس الطائفة اليهودية في سوريا ويدعى "دافيد بينطو" هذه المجموعة كانت بمثابة احدى خلايا الموساد في يومنا هذا.
اضافة إلى هذه الخدمات التي قدمها المستعرب الياهو ساسون الى الوكالة اليهودية، استطاع الاجتماع مرتين مع المفتي لاقناعه التراجع عن سياسته المعادية للحركة الصهيونية، وقد تم ذلك في بيت مفتي لبنان في ذلك الحين الشيخ "سامح الفاخوري" أهمية هذين اللقاءين أنهما عقدا في خضم الثورة الفلسطينية الكبرى، لقد طلب ساسون من المفتي محمد أمين الحسيني، وبحضور مفتي لبنان اطلاق سراح الأسرى اليهود الذين وقعوا بأيدي الثوار العرب، وفعلًا استجاب المفتي لطلب ساسون وأطلق سراح عدد من اليهود غير العسكريين.
لقد تم لقاء ثالث بين ساسون والمفتي، طالب خلاله ساسون من المفتي العمل على وقف التعاون بين عدد من الزعماء العرب ومن بينهم المفتي وبين القيادة الالمانية بزعامة هتلر.
في عام 1939 تم تعيين الياهو ساسون مسؤولًا عن الدائرة العربية في الوكالة اليهودية، استمر ساسون في هذا المنصب حتى عام 1949، وبعد الاعلان عن اقامة الدولة، انتقل للعمل في وزارة الخارجية، فقد تولى منصب سفير اسرائيل في ايطاليا، ثم انتقل سفيرًا في سويسرا، وفي عام 1961، انضم الى حزب مباي – العمل حاليًا – اختير بعدها لعضوية الكنيست فوزيرًا للبريد ثم وزيرًا للشرطة حتى عام 1969.
من أهم الأعمال التي تنتسب الى المستعرب الياهو ساسون كما ذكرها دافيد بن غوريون في كتاب مذكراته، وذكرها أيضًا كل من اللواء في الجيش الاردني علي أبو نوار، قيل أن ساسون كان عضوًا بارزًا في الوفد الاسرائيلي الذي شارك في مفاوضات عقد اتفاق الهدنة مع الاردن عام 1949، ويعود له "الفضل" باقناع عبد الله ملك الاردن بتسليم منطقة ام الفحم ووادي عارة والمثلث الجنوبي لاسرائيل. الرواية التي ذكرها اللواء علي أبو نوار، قيام ساسون بوضع يده على حزام الملك عبد الله وقال له : أنا قاصدك فضلك يا جلالة الملك، قال الملك "ايش تريد"؟ قال ساسون أريد تتكرم علينا بازاحة خط الحدود في المنطقة المذكورة فقط 2 ملم، اجاب الملك أبشر اجتك يا طويل العمر، بهذه الطرق والاساليب خلقت اسرائيل.
إضافة تعقيب