قلق كبير يسود كل مواطن فلسطيني في البلاد من الوضع الخطير السائد في البلاد والمنطقة، حيث ان حرب الإبادة المستمرة على شعبنا الفلسطيني في غزة أسقطت الحدود بين أبناء الشعب الواحد وأصبحنا جميعا مستهدفين وما كان قبل هذه الحرب لن يعود بعدها، والقتل أصبح حدث يومي في حاراتنا، فكيف نواجه نحن أبناء الشعب الفلسطيني الباقيين في الوطن التحديات الموجودة امامنا وعلى راسها:
نعم هويتنا مركبة ومزدوجة استطعنا المحافظة عليها خلال عشرات السنوات واليوم تشن السلطة معركة كبيرة عليها، هي معركة مستمرة منذ النكبة، من خلال التمييز العنصري في جميع مرافق الحياة، وارتفعت بدرجات كبيرة مع إقرار قانون القومية الذي جاء ليثبت التمييز العنصري بشكل قانوني من خلال شبه اجماع بين الأحزاب الصهيونية في البلاد. ومنذ بداية هذه الحرب كانت الانطلاقة لتطبيق هذا القانون من خلال الملاحقات الإرهابية المخيفة على جميع الأصعدة. تستهدف السلطة تحويل هويتنا القومية الفلسطينية الى تهمة جنائية وهذا يمر دون ان تطلق صرخة قوية من شعبنا بسبب حملة التخويف والترهيب التي للأسف نجحوا في ممارستها على شعبنا.
شعبنا شق طريقه في وطنه بشق النفس بمعركة صمود وبقاء اسطورية، حفرنا بالصخر حتى أصبحنا مجتمعا متكاملا فيه العامل والمعلم، المهندس والطبيب، أكاديميين وعلماء بمختلف المجالات، اقتحموا المسؤوليات واحتلوا المراكز العالية بتحدٍ ومثابرة وقوة كبيرة، لم نحصل على مواطنتنا ومكانتنا منة من أحد، نحن الشعب الاصلاني.
منذ بداية هذه الحرب أجبرت هذه القامات الكبيرة من العرب على الصمت ومنعت من التعبير حتى عن المها على المجازر الحاصلة على أبناء شعبها، نحن الذين عبرنا بصدق وما زلنا نعبر عن المنا الكبير على مقتل الأبرياء في السابع من أكتوبر، أصبح أي ذكر لما يجري في غزة من الممنوعات ويعرض الناس للملاحقة والاعتقال، أصبحت الدعوة لوقف الحرب تشكل خطرا! نعم لقد تقزمت الإنجازات الشخصية وتجري المحاولة لتحويلنا الى رعايا عليهم واجبات دون حقوق لهم.
نسبة كبيرة من أبناء شعبنا اعتقدوا ان بإمكانهم النجاح من خلال المواطنة الصالحة والابتعاد عن البعد القومي لوجودنا، لكن هذا الحلم كان يصطدم بواقع التمييز العنصري، في كل مفترق بالعمل، في كل ترقية ما، او من يفوز بالمناقصة والوظيفة المنشودة، كانت "الأولوية" لغيرك حتى لو كنت الأجدر! وكان يتبدد في كل مواجهة للاحتلال مع شعبنا وفي كل حرب، لكنه تمزق الى أشلاء في هذه الحرب المستمرة، بين ليلة وضحاها، صار مطلوب منا الاعتذار عما لم نرتكبه، أصبحنا متهمين بانتمائنا الوطني فنحن ولدنا من رحم الام الفلسطينية، هذه ابسط حقيقة ونحن نفتخر بها.
نعم ان المعركة هي على هويتنا المركبة، ان نكون مواطنين متساوي الحقوق بالكامل، نرفض التعامل الفوقي معنا، نرفض التفوق العرقي لليهود في البلاد، هذا من جانب، والشق الاخر هو هويتنا الفلسطينية التي فشلوا في محوها، لكن ما زالت تثير الرعب لدى الغالبية من الإسرائيليين، نعم نحن اقلية فلسطينية مواطنين في الدولة ولنا أيضا حقوق قومية في وطننا، وخلال كل الوقت استطعنا ان نحافظ على التوازن بين القومي والمدني.
المجتمع الإسرائيلي يزداد تطرفا وجنوحا نحو اليمين، الاستيطان يكبر كالأخطبوط بهدف تمزيق الكيان الفلسطيني ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي فقط بإقامتها يمكن لهذه البلاد ان تخرج من دائرة الدم والعنف وتعيش بسلام.
هذه المعركة علينا خوضها بوحدة فعلية تعتمد وتتفق على اهداف المرحلة، أخطأ وما زال من يعتقد ان القضية هي قضية ميزانيات فقط وانه ممكن تحصيلها ومقايضتها بالتنازل عن انتمائنا القومي، على هذا قصموا ظهر القائمة المشتركة وخرج منها دعاة "التأثير من الداخل"، من داخل الحكومة، كل حكومة، نفس الشعار حمله دعاة الانصهار في الأحزاب الصهيونية الحاكمة وفشل هناك أيضا، ان تكون جزءا من الائتلاف هو ان تكون جزءا من الاحتلال والاستيطان والحرب الذي يقوم به هذا الائتلاف، ان تكون جزءا ممن يدنس المقدسات في الاقصى والقيامة ببساطير الاحتلال، المشاركة في الحكومة هو قرار استراتيجي، يقوم به الحزب السياسي من خلال التنازل والتوافق على الخطوط العامة للحكومة، كيف يمكن للفلسطيني ان يتوافق مع اية حكومة صهيونية تقدس الاحتلال والاستيطان واغتصاب حقوق شعبك؟
مع هذا نريد ان نؤثر على السياسة الإسرائيلية. لهذا ندخل البرلمان ونشارك في صنع القرار ونقوم بالعمل الدؤوب والنضال لتحصيل الحقوق بكل الوسائل القانونية بمرافقة النضال الشعبي، بهذه الطريقة أنجزنا الكثير، نميز بين السيء والاقل سوءا، حتى لو كانت الفوارق قليلة. وفي اثناء الحروب تزول هذه الفوارق وتصبح الوحدة الصهيونية هي المسيطرة على المشهد، وهذا واقعنا في هذه الأيام. لهذا السبب علينا ألا نخجل أننا وضعنا ثقلنا الانتخابي بانتخاب من هو اقل سوءا (وقت الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة)، او اننا اوصينا على هذا او ذاك لرئاسة الحكومة، نعم هذه قرارات تكتيكية آنية لعلها تؤثر في الحصول على حكومة اقل سوءا، أحيانا ننجح وغالبا لا ننجح لأن أزمة الصهيونية تتعمق مع تعمق الاحتلال والمشهد السياسي يسير من سيء الى أسوأ ونحن على شفا انفجار بركان داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يفتقد الى قيادة سياسية تطرح البديل لسياسة الاحتلال، هذا الانفجار، طبعا سيطولنا جميعا.
في ظل هذه الظروف يتحتم علينا العمل في عدة اتجاهات:
ان دعوتنا لجمهور الحركة الإسلامية وقف التدهور الحاصل لدى قادتها الذين اداروا ظهرهم لمعاناة شعبنا في هذه الحرب وصمتوا دهرا ونطقوا كفرا باجترار كذبتهم الممجوجة "انتم من اسقطتم حكومة التغيير"، التي في جوهرها لم يكن تغييرًا، حتى لو كانت اقل سوءا من الحكومة الحالية، ونحن من اوصينا على لبيد في حينه لرئاسة الحكومة وهم جاؤوا ببينت رئيسا لها، وسقوطها كان على خلفية امتعاض بعض الأعضاء العرب فيها، من الموحدة وميرتس ورفضهم لبعض قراراتها وهروب الأعضاء اليمينيين منها، وسقطت بتقديم رئيسها الاستقالة من أجل تمرير قانون الابارتهايد في المناطق المحتلة وتوحيد جميع القوى الصهيونية حوله. هذه هي الحقيقة التي يدعي زورا قادة الموحدة ان المشتركة الثلاثية هي من اسقطتها، (ولو كان ذلك صحيحا كنا سنتفاخر به).
لكن هذا الانزلاق السياسي الخطير الذي نسمعه من قادة الموحدة بتوجيه اصبع الاتهام للجبهة والحزب الشيوعي وتحميلهم مسؤولية الدم المسفوك في غزة والعنف والقتل في مجتمعنا العربي، هذه فرية دموية وتجاوز لكل الخطوط الحمراء للمنافسة بين أحزاب المجتمع الواحد، في الحقيقة هي نقلة كبيرة لحزب كان ممكن التحالف معه عام 2015 و 2019، رغم كل التحفظات أيضا آنذاك، الى حزب يكن العداء لقوى وطنية اساسية في مجتمعنا، هو نقض لكل الاتفاق السياسي الذي قامت عليه المشتركة، هذه الفرية الدموية تأتي بعد رفض الاحزاب التي تحالفت معهم في ما يسمى بحكومة التغيير الى الإعلان عن رفضها أي تحالف مستقبلي معها، هذا الامر على ما يبدو افقدهم صوابهم ويبحثون عن تذكرة استرضاء واستغفار كي يحصلوا على الشرعية من الأحزاب الصهيونية، كما حصلوا عليها في السابق من أبو يائير وبحثوا عنها عبثا لدى دروكمان.
نعم يعز علينا هذا التدهور وندعو العقلاء في الموحدة الى وقف هذا الانفلات والعودة الى أحضان شعبهم.
على الجميع الاعتراف ان الاختلاف هو سياسي جوهري وليس "مناكفة" او اختلافا على الكراسي، لا يفيد اليوم تسطيح السياسية وشخصنة الاختلافات السياسية.
لكل واحد منا دور في هذه المواجهة، هي معركة على وجودنا، لا حياد فيها، مطلوب من شعبنا كله ان يدلو بدلوه، لا ننتظر من أي كان ان يخترع لنا طريقا جديدا في تثبيت اقدامنا وإبقاء قامتنا منتصبة، بجهدنا الجماعي نصل الى ذلك، بصمودنا وعملنا العقلاني نحمي البيت ونعيد بناء مستقبل أفضل لنا وللأجيال المقبلة.
الرامة 25.7.2024
في الصورة: مظاهرة الأول من أيار السنوية هذا العام، في بلدتي ابو سنان وكفرياسيف، تحت شعار "عيوننا على شعبنا، قلوبنا في غزة"
إضافة تعقيب