منذ بداية الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة بقواته البرية والبحرية والجوية في الثامن من تشرين اول الماضي، فرضت تلك القوات المنع المطلق على المراسلين الصحفيين من العالم ومحلياً من الدخول الى قطاع غزة لتغطية تلك الحرب، ونقل أحداثها، مما يشير الى أن تلك القوات وحكومتها تريد التعتيم على ما تقوم به من فظائع عسكرية خاصة ضرب المدنيين. والغريب أن الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام الإسرائيلية تقوم بالتغطية على تلك الجرائم، وتنصاع الى أوامر الرقابة العسكرية وغيرها، كما نكاد لا نقرأ أو نسمع من تلك الوسائل عما يقوم به الجيش الإسرائيلي من قتل وتدمير في قطاع غزة .
بالمقابل وجد الصحفيون والعاملون في الاعلام من سكان غزة انفسهم هم من يقوم بواجب تغطية الأحداث، وما يقوم به الجيش الإسرائيلي من عدوان وصفته محكمة العدل الدولية بأنه "جرائم حرب"، أما هؤلاء المراسلون والإعلاميون الغزيون فتعرضوا لما يتعرض له أهالي غزة جميعاً من قتل واعتداءات عليهم، وخرق قوات الاحتلال للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية العمل للصحفيين حتى في ظل الحروب.
يتضح من تقرير صادر عن "الاتحاد الدولي للصحفيين " يوم الاربعاء 31 تموز، أنه خلال شهر تموز الاخير وحده اغتالت قوات الإحتلال الإسرائيلي عدد كبير من الصحفيين آخرهم الصحفي اسماعيل الغول والمصور رامي الريفي، وما جاء في التقرير المذكور : "قتل مراسل قناة الجزيرة في مدينة غزة يوم 31 تموز، إسماعيل الغول، والمصور، رامي الريفي في قصف إسرائيلي في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة حسب ما أفادت قناة الجزيرة القطرية.
نعىت نقابة الصحفيين الفلسطنيين مقتل الصحفي محمد ماجد أبو دقة، الذي قتل إثر قصف اسرائيلي استهدف محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة يوم 29 تموز.
وقتل الصحفي محمد منهل أبو عرمانة يوم 13 تموزفي قصف إسرائيلي طال خيام النازحين بمحافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وتوفي محمد محمود أبو شريعة يوم 1 تموز متأثرا بإصابته في قصف إسرائيلي استهدف منزله بمدينة غزة قبل يومين من ذلك. وقتل الصحفي محمد السكني يوم 5 تموز نتيجة قصف طيران الاحتلال استهدف منزله في حي التفاح بمدينة غزة. وأفادت مصادر ميدانية في قطاع غزة -يوم السبت 13 تموز- مقتل 5 صحفيين في قصف إسرائيلي لمناطق مختلفة من القطاع خلال الساعات الـ12 الأخيرة. و هم: سعدي مدوخ، وأديب سكر، وأمجد جحجوح وزوجته وفاء أبو ضبعان، ورزق أبو اشكيان. و كما قتل الصحفي محمد منهل أبو عرمانة في قصف إسرائيلي طال خيام النازحين بمحافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة يوم 13 تموز"
هذه المعطيات تؤكد أن الجيش الإسرائيلي لا يتقيّد بالأنظمة والقوانين الدولية المتعلقة بحرية العمل الصحفي والمحافظة على سلامتهم والتي جاء في البند السادس منها ما يلي:”
الاتفاقية الخاصة بسلامة الصحفيين
6. وإذ تشدّد على الحاجة إلى توفیر قدر أكبر من الحمایة لجمیع العاملین في وسائط الإعلام، وللمصادر الصحفیة،وضمان عدم التذرّع بالأمن القومي، بما في ذلك محاربة الإرهاب، لتقیید حریة الرأي والتعبیر دونما مبرر أوبشكل تعسفّي”(1).
أما البند الثالث عشر من نفس الاتفاقية فيؤكد ذلك أيضاً: ”13- وإذ تشیر إلى التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ووكالاتها بالعمل على إیجاد بیئة حرة وآمنة للصحفیین والمهنیین العاملین في وسائط الإعلام في كل من حالات النزاع والحالات الخالیة من النزاع من خلال خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفیین، والتي أقرها مجلس الرؤساء التنفیذیین في منظومة الأمم المتحدة المعني بالتنسیق في 12 نیسان "(2).
ما يقوم به الصحفيون والإعلاميون في قطاع غزة من نقل حقيقة ما يجري من عدوان على المواطنين هناك، وكشف جزء من جرائم ترتكبها القوات العسكرية، هو واجبهم الصحفية وأمانتهم الصحفية، وفق ما ينص عليه ". الاعلان العالمي لأخلاقيات المهنة للصحفيين" وفق البنود التالية :
1. "احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة هذه الحقيقة هي مسؤولية الصحافي/ة الأولى.
2. " على الصحفي/ة أثناء تأدية واجبه أن يدافع دائما عن مبادئ الحرية، وأن يحافظ على النزاهة في جمع
الأخبار ونشرها، وكذلك ان يدافع عن الحق في إبداء الرأي والنقد النزيهين. وعليه/ا التمييز بوضوح ما بين المعلومات والوقائع وبين التعليق والنقد.
3. "على الصحفي/ة ان تنقل األخبار والحقائق التي تعرف مصدرها الأصلي. يجب عليها عدم حجب معلومات هامة أو تزوير الوثائق. وعليها أن تنشر بأمانة التصريحات او المواد الإعلامية الأخرى التي نشرها أشخاص ال يحتلون مناصبا عمومية على شبكات التواصل الإجتماعي.
4. "يجب على الصحفي/ة ان تستخدم وسائل عادلة ونزيهة للحصول على الأخبار، والصور، والوثائق
والبيانات. وعليها ان تعرف بنفسها كصحفية، وأن تتحاشى استخدام أدوات التسجيل الصوتي والتصوير الخفية إلا في الحالات التي يكون فيها من المستحيل ان تتمكن من الحصول على المعلومات التي تقدم خدمة غير مشكوك فيها للصالح العام. وعليها ان تطلب الحصول على المعلومات بحرية، وان تبحث في كل الحقائق التي تخدم الشأن العام.
5. " لا ينبغي لمبدأ السرعة في نشر المعلومات او الأخبار العاجلة ان يتقدم على مبادئ التحقق من مصادرها أو/ومنح الطرف/الأطراف المعنية فرصة الرد عليها”(3).
لقد تابعنا العديد من التقارير الصادرة عن مختلف المؤسسات بخصوص انتهاكات اسرائيل لحرية العمل الصحفي والاعتداء المتعمد على الصحفيين فقد صدر بيان عن المتحدث باسم الأمم المتحدة يوم 31 تموز 2024 جاء فيه :"في أعقاب مقتل اثنين من صحفيي قناة الجزيرة في غزة، اليوم الأربعاء، دعت الأمم المتحدة إلى التحقيق في الحادثة وغيرها من الحوادث المماثلة، بشكل كامل وشفاف.
وفي المؤتمر الصحفي اليومي، قدم المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك خالص التعازي لقناة الجزيرة، مجددا التأكيد على أهمية أن يتمتع الصحفيون بالحماية.
كما شدد دوجاريك على ضرورة أن تكون هناك مساءلة. وأضاف: "ونحن بالطبع ندين بوضوح قتل الصحفيين"(4).
وفي تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود بخصوص التصنيف العالمي لحماية الصحفيين وانتهاك ذلك في الحرب على غزة من قبل القوات الإسرائيلية جاء ما يلي: ”على الصعيد الدولي، يشهد هذا العام غياباً واضحاً للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحفيين، ولا سيما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2222. ذلك أن الحرب على غزة اتَّسمت بعدد قياسي من الانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام منذ تشرين الأول 2023، حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 صحفي فلسطيني، علماً أن 22 منهم على الأقل لقوا حتفهم بإطار قيامهم بعملهم. ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي وما يصاحبه من قصف وعمليات عسكرية، أصبحت فلسطين (المرتبة 157) ضمن قائمة الدول العشر الأخيرة في العالم على مستوى أمن الصحفيين وسلامتهم (5).
كما أكد أنطوني بيلانجي، أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين: " يجب معاملة الصحفيين والعاملين الاعلاميين في مناطق النزاع المسلح معاملة المدنيين والسماح لهم بأداء عملهم دون تدخل. ويدعو الاتحاد الدولي للصحفيين جميع الأطراف في هذا الصراع إلى بذل قصارى جهدهم لحماية الصحفيين والإعلاميين. هناك اهتمام هائل حول العالم بمجريات هذا الصراع، ولكن لن يتمكن الناس من فهم ما يحدث حقيقة إلا إذا سمح للصحفيين بالقيام بعملهم."(6)
أخيراً نعود ونؤكد أن صمت الاعلام الاسرائلي والعاملين فيه عما تقوم به القوات الإسرائيلية من عمليات قتل للصحفيين والعاملين في الإعلام الغزيّين والذين وصل عدد من قتلوا 164 صحفي وعامل في وسائل الإعلام، ما هو دفن الرأس في الرمال، بل هذا القمع بدأ يطال حرياتهم الصحفية، وقد شاهدنا طيلة هذه الفترة ما يتعرض له قسم من هؤلاء الصحفيين من اعتداءات ليس فقط لفظية بل جسدية أيضاً، مما يتطلب من الجميع رفع كلمة الحق في وجه هؤلاء المعتدين وجيشهم الذي يرتكب عمليات القتل في قطاع غزة ضد الإعلاميين والمواطنين.
هوامش
1. الاتفاقية الخاصة بسلامة الصحفيين
2. ن.م
3.الاعلان العالمي لأخلاقيات المهنة للصحفيين
4.بيان صادر في الإحاطة اليومية ال للأمم المتحدة يوم 31 تموز 2024
5.مراسلون بلا حدود - التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024: وسائل الإعلام ترزح تحت وطأة الضغوط السياسية.
6. الاتحاد الدولي للصحفيين بروكسل 31 تموز 24
إضافة تعقيب