منذ بدء عدوان حرب "السيوف الحديدية" في الثامن من تشرين أول / أكتوبر 2023، وحال الصدمة التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية، فرضت تلك الحكومة الحصار على العمال الفلسطينيين من الأراضي العربية المحتلة، وقامت بإلغاء تصاريح العمل، هذا القرار، الذي نطلق عليه "قرار الصدمة"، ادى الى فقدان قوى عاملة عربية فلسطينية، اعتمدت عليها الحكومة الإسرائيلية والمشغلون الإسرائيليون في كافة فروع العمل، خاصة فرع البناء والأعمال التي تحتاج الى جهد وخبرة ومهنية.
قرار حكومة إسرائيل بزعامة نتنياهو والقوى اليمينية المتطرفة بفرض هذا الحصار، كشف حقيقة لنا وللجميع أن سياسة الدمج الاقتصادي التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية، ضمن مخططها لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة لإسرائيل، بما في ذلك توسيع الاستيطان، قد أثبت فشله، خاصة وأن قرارها بإغلاق المناطق الفلسطينية المحتلة عشية شن الحرب واعلان حالة الطوارئ، واعتبار كل فلسطيني عدوا، حتى لو كان عاملا مهنيا يحمل تصريح عمل منحته له الإدارة المدنية – الذراع العسكري التنفيذي للاحتلال - ترجمت من خلاله الحكومة حقيقة أن المناطق العربية الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس العربية وقطاع غزه سكانها يعيشون ضمن "أكبر سجن في العالم" او " أكبر سجن على الأرض" على حد تعبير الباحث ايلان بابيه.
/تناقض المواقف وارتباك حكومة اليمين بقيادة نتنياهو
بعد أن خف وقع الصدمة، وضغوطات أصحاب العمل ومطالبتهم بإعادة العمال للعمل وخصوصا في فرع البناء. بدأت تصدر عن نتنياهو وعدد من وزراء حكومته، تصريحات بضرورة إعادة العمال الفلسطينيين الى العمل في فرع البناء وغيره، لكن وزراء اليمين رفضوا ذلك، واتضح ان تصريحات نتنياهو بهذا الخصوص كانت للتصدير الخارجي، لان الهيئات الدولية من نقابات عمالية ومنظمة العمل الدولية وغيرها قد قامت بحملة احتجاج على وضع العمال الفلسطينيين وعائلاتهم ووضعهم في "اكبر سجن"، دون توفير فرص عمل محلية لهم وفق ما تنص علية المواثيق الدولية.
لكن ضغط اتحاد المقاولين وغيرهم من أصحاب العمل أدى في النهاية الى اتخاذ قرار باستقدام عمال اجانب لفرعي البناء والزراعة، وفعلاً تم استقدام اكثر من 40 الف عامل من الهند.
بالمقابل وافقت الحكومة على السماح لعدة آلاف من العمال الفلسطينيين بالعودة للعمل في المستوطنات الإحتلالية بناء على طلب اولئك المستوطنين، مع أن ممثليهم في الحكومة هم من اكبر المعارضين لإعادة تشغيل العمال الفلسطينيين داخل اسرائيل بادعاء أنهم "يشكلون خطرا أمنيا على اسرائيل"!!!، وهنا يظهر لنا تخبط الحكومة والتناقض في مواقفها.
بالمقابل قام رئيس الهستدروت ارنون بار دافيد بتوجيه رسالة بتاريخ 4 نيسان 2024 الى وزيري الداخلية والإسكان يطالب فيها بالتعجيل في استقدام العمال الأجانب والتخلص من البيروقراطية القائمة، والاستجابة لمطالب أصحاب العمل بهذا الخصوص!.
/تشكيل لجنة مدراء عامين من الوزارات
في يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر أيار 2024 قررت حكومة نتنياهو في جلستها أن يكون عدد العمال الأجانب الذين سيجري استقدامهم للعمل في اسرائيل 330 الف عامل أجنبي، للعمل في مختلف الفروع الاقتصادية، وفق مفتاح معين، حتى هذا القرار جرى استقدام 40 الف عامل منهم 15 الف للزراعة و15 الف لرعاية الصحية و 13 الف لفرع البناء، وهكذا بقي استقدام 290 الف عامل اجنبي، تم تحديد من هذا الرقم 135 الف عامل لفرع البناء. كما تقرر تشكيل لجنة من مدراء عامين عدة وزارات يرأسها مدير عام مكتب رئيس الحكومة يوسي شلي، عليها أن تقوم بوضع برنامج يؤدي الى تقليص البروقراطية في عملية استقدام العمال الأجانب، مثل رفع عدد شركات القوى العاملة / البشرية، التي لديها تصاريح استقدام، الى مائة شركة، استيعاب ملاكات لوظائف في دائرة الإسكان، واقرار استقدام عمال بشكل مباشر من قبل المشغلين، أي دون الالتزام باتفاقيات توقعها اسرائيل مع الدول التي يستقدم منها العمال، الأمر الذي يفتح المجال لظاهرة الإتجار بالبشر والعبودية، وهنا كان من المفروض ان تقف النقابات وتعارض بل تفشل هذا القرار، لكن اكبر نقابتين وقفتا مع أصحاب العمل دون الاهتمام بحقوق العمال الأجانب الذين تقرر استقدامهم.
اللجنة تقرر استقدام 92 الف عامل
في اجتماع لجنة المدراء العامين للوزارت لشؤون العمال الأجانب برئاسة مدير عام مكتب رئيس الحكومة يوسي شلي، يوم 17 حزيران الحالي، قررت استقدام 92 الف عامل كالتالي:
- للزراعة – 65,000 واذا تم تنفيذ 85% من هذا الرقم يعطى 5000 عامل آخر اي المجموع 70 الف..
- للصناعة – 13,200
- للفنادق – 6,800
- للمطاعم – 2,000
لكن القرار الصادر لم يشمل اية إشارة بأن هؤلاء العمال سيجري استقدامهم ضمن اتفاقيات تشغيل بين اسرائيل والدول التي سيقدمون منها، الأمر الذي يثير التساؤلات بخصوص شروط عملهم، لأن الاتفاقيات بين الدول تضمن تشغيل العمال وفق اتفاقيات عمل وشروط معروفة بما في ذلك الأجور، عدم ذكر ذلك يعني استقدام العمال وتشغيلهم يجري وفق حالات من الاستغلال كما يتوقع العديد من الخبراء بهذا الخصوص.
/أين فرع البناء؟
ذكرنا اعلاه أن الحكومة في قرارها استقدام 330 الف عامل أجنبي، تم تخصيص 135 الف عامل من هذا الرقم لفرع البناء، ووفق المعلومات المتوفرة لدينا وبعد ضغوطات من أصحاب العمل سمح للشركات باستقدام عمال لها بشكل مباشر، وفق تصريح خاص من اللجنة الوزارية، لكن المثير للإنتباه أن اللجنة الغت ما كان قائما في اطار قضية العمال الأجانب والعمال الفلسطينيين.
ما كان متبعا هو عدم شمل العمال الفلسطينيين ضمن ما يعرف ب" العمال الأجانب"، لكن القرار الذي اعتمدته اللجنة وفق قرار الحكومة بأن العمال الفلسطينيين يجري شملهم ضمن قائمة العمال الأجانب ال 135 الف عامل، هذا اذا تمت إعادتهم للعمل في فرع البناء، واضح أن في هذا القرار ربما تكون إساءة في شروط عمل العامل القادم من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن يجري تشغيله وفق بند "الإتجار بالبشر" أي عدم منحه كامل الحقوق التي كان يحصل عليها، بعد أن اضطرت الحكومة واًصحاب العمل
للإلتزام بها في السابق بسبب الضغط الدولي الذي مورس عليهما.
السؤال هل حقاً ستنجح هذه الخطة؟
قرار لجنة المدراء العامين للوزارات، الذي يفتح كافة الأبواب أمام أصحاب العمل وشركات القوى العاملة / الموارد البشرية المعتمدة، لاستقدام عمال أجانب، دون التأكيد على ضرورة الالتزام بشروط العمل والأجور وغيرها من الحقوق، واستعمال صيغة فضفاضة لصالح هؤلاء دون التقيد بالاتفاقيات الدولية القائمة، ربما سرعان ما سيكتشفه العمال الاجانب الذين سيجري استقدامهم وسرعان ما يغادرون البلاد عائدين الى بلادهم.
السؤال الثاني، هل فعلاً ستنجح شركات القوى البشرية وأصحاب العمل في ابقاء هؤلاء العمال في العمل بورشاتهم فيما تفاقم الوضع الأمني القائم وتواصلت الحرب، أو اتسع نطاقها؟ اعتقد أن حالة مغادرة العمال التايلانديين التي شهدناها مع بداية الحرب القائمة ستتكرر، هذا في حال نجحت الحكومة بخطتها باستقدام 330 الف عامل اجنبي وفق المفتاح الذي وضعته في جلستها يوم 15 أيار، أم أنها ستبلع قراراتها وتعود الى إعادة تشغيل العمال الفلسطينيين من جديد، لمهنيتهم، ولقلة تكلفة تشغيلهم وتنفيذاً لسياستها - أي الحكومة- في تنفيذ مخططها الإحتلالي بالسيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، أم أنها ستواصل سياسة الحصار ضمن مخططها المعروف والذي تحذر منه معظم دول العالم، الا وهو التطهير العرقي من خلال التهجير القسري.
إضافة تعقيب