ما زال الصراع السياسي الاسرائيلي حول تعديل قانون تعيين الحاخامات في السطات المحلية مفتوحا، إذ ينقل صلاحيات التعيين من البلديات الى وزارة الأديان والتي تتبع في هذه الحكومة لحزب شاس، ويشكل ذلك تهديدا لتماسك الائتلاف الحاكم. فالقانون تمت صياغته في الاتفاقية الائتلافية بين الليكود برئاسة نتنياهو وحزب شاس الديني الحريدي والمدعوم من قطاعات واسعة من اليهود من اصول عربية مغاربية ومن المشرق العربي.
في حال تشريعه، يمنح القانون لحزب شاس قوة سياسية واقتصادية وفي الموارد، حيث تشكل الحاخامية البلدية موطن قوة ومال كبيرين، نظرا للصلاحيات الممنوحة لهذه المنظومة في اصدار شهادات الحلال (كاشير) وفي الرقابة على كل المرافق التجارية والانتاجية وصناعات الاغذية. كما يمنح القانون حزب شاس آلية للسيطرة على المنظومة المذكورة. في حين ان الحاخامية الرئيسية الرسمية تتقاسمها الهويتان الشرقية والغربية الاشكنازية على شاكلة الخاحام الاكبر الاشكنازي ونظيره الشرقي وغالبا من حزب شاس منذ تأسيس الحزب 1984.
تشكل الميزانية الحكومية للحاخامية العليا ما يزيد عن 28 مليون شيكل يذهب ثلثاها لتشغيل الموظفين ومراقبي الالتزام بالتعاليم الدينية، في حين ان المدخول السنوي من شهادات الحلال (كاشير) يصل الى 600 مليون شيكل، بالاضافة الى الخدمات الدينية الاخرى التي يشرف عليها حاخامات المدن والبلدات. في حال اقرار القانون فمن شأن حزب شاس ان يسيطر على هذه المنظومة بالكامل وان تكون مستقلة عن البلديات مما يضاعف قوتها.
يشهد التيار الديني الحريدي تحديا وجوديا مفاده عملية الصهينة الجارية منذ عقود، وهي نتاج الواقع البنيوي للدولة وقوة منظومتها التي يتطلب الترقي في الوظائف ومواقع اتخاذ القرار معايير تعود الى الخدمة العسكرية وكذلك معايير تعود الى التحصيل العلمي الأكاديمي وهما نقطتا ضعف تمثلان هذا التيار في المفهوم الصهيوني الحاكم، وباعتبار الأحزاب الحريدية لم تأت من صلب الصهيونية بل من اليهودية التوراتية.
جمهور حزب شاس هو جمهور محافظ ومتدين، وليس حريديا في معظمه، كما ان اوساطا واسعة منه في جيل الجندية تخدم في الجيش، وهو جمهور في معظمه يميني سياسيا ينحو بخلاف قياداته الى أقصى اليمين، تاريخيا تبلورت مواقفه وهويته من خلال العداء لحزب العمل و"اليسار الصهيوني" مؤسسي الدولة وذوي الهوية التاريخية الاشكنازية الاستعلائية والاقصائية لهذا الجمهور.
بينما يرى تيار الصهيونية الدينية الاستيطاني السافر بقيادة سموطريتش ان الاحتياطي السكاني لسياساته وللمستوطنات المقامة او المخطط لها، يأتي من التيار الديني الحريدي الذي يعتبر متدنّياً وفقا للمعايير الاجتماعية-الاقتصادية، وحصريا المتدينين الحرديم الاشكناز، فإن التيار الكهاني بقيادة بن غفير يرى بجمهور حزب شاس احتياطيا سكانيا لانبعاث افكاره وسيطرتها على المجتمع الاسرائيلي.
يرى حزب شاس بأن حزب بن غفير "القوة اليهودية" يشكل تهديدا وجوديا للحزب، ويستقطب اوساطا من مؤيدي شاس وحصريا من جيل الشباب.
بعد ان تبين ان مشروع القانون لن يحظى بأغلبية بسبب تمرد عدد من نواب الليكود، قام نتنياهو بسحب المشروع لتحاشي الهزيمة، هاجم حزب شاس رئيس الوزراء وحمله المسؤولية، وهاجم الحزب بشكل حصري الوزير بن غفير وحزبه القوة اليهودية، باعتباره من يقف وراء الازمة الائتلافية، واتهمه بأنه يتبنى مبدأ العصابات القائم على الابتزاز السياسي. وقام النائب عن الليكود بفضح موقف نتنياهو بتأكيده على لسانه بأنه يعارض بشكل مطلق تعديل قانون الحاخامية الذي وقع عليه في الاتفاق الائتلافي، بل ان نتنياهو "لديه مسألة اخرى غاية في الاهمية، وهي بقاء هذه الحكومة باعتبارها ضرورية للشعب اليهودي...".
في الخلاصة يمكن الاشارة الى انه من غير المستبعد ان يؤدي تعديل قانون الحاخامية كما قانون تجنيد الحرديم للجيش الى تسريع التصدع داخل الائتلاف الحاكم والى فض الشراكة السياسية التاريخية بين حزب شاس والليكود. كما أن احتمالات تعجيل موعد انتخابات الكنيست باتت اكثر وضوحا، والامر مرتبط بقرار حزب شاس. هذا ويشكل التصعيد بين شاس والقوة اليهودية تحديا لقدرة نتنياهو على الحكم، مما قد يدفعه مدعوما بالاستطلاعات التي تنبئ بتحسن وضعه الانتخابي، لأن يبادر هو الى حل الكنيست، مما يمنحه قوة سياسية اضافية، وفي حال قرر ان يذهب نحو الصفقة فإنه قد يضمن بقاء حكمه، وقبل ان يتشكل تكتل يميني ضده. تتبدل المعطيات ويبقى الشرخ العلماني - الديني والشرخ الرسمي – الديني عميقا وعصيا على الجسر في الحالة الاسرائيلية.
إضافة تعقيب