news-details

رحيل صاحب أقدم كشك كتب في عمّان: "الطليعة"| محمد فرحان

ترى هل كان يعرف الفتى الولجي، القادم الى عمان مهجرا العام 1948، انه سيصبح واحدا من رواد التنوير، وهو الذي عرفته شوارع عمان وجبالها حتى محطتها الحديدية، واحدا من أقدم بائعي الجرائد الاردنية والعربية والمجلات منذ العام 1949.

كان الفتى احمد حسن ابو حسين، هكذا عرف في بدايات حياته وسط شوارع عمان وجبالها، قد أخذ عهدا على نفسه، بإعالة أسرته المهجرة التي غادرت منبع طفولته بفعل اجرامي، لتصبح الولجة حلم ليلي صعب، لتحتضنه عمان، مخففه عنه رحلة عذابه، وتعبه اليومي .

كان يبدأ نهاره باكرا كما قال لي في احدى المرات وانا، وكنت وقتها اعمل في دار الكرمل للنشر والتوزيع، واتردد على كشكه، لعرض منشورات الدار في تسعينيات القرن الماضي؛ نهاره كان يبدأ منذ انبلاج فجر عمان، حاملا رزمة صحفه على خاصرته، بدءا من شارع الملك غازي إلى شارع السلط وصولا جبل الحسين، وعودة إلى شارع الامير محمد وجبل عمان، هابطا إلى شارع الملك طلال صعودا إلى منطقة المصدار.

ولم يكن يمل اذ ثمة شارع المحطة بشركاته التجارية إلى سكة حديد عمان ارضا خصبة لزبائنه، المتشوقة لقراءة الصحف اليومية والتزود بأخبار الوطن والعالم، في زمن كان العالم يمور بإرهاصات التغيير عربيا وعالميا، والجريدة إلى جانب المذياع طريق المعرفة والتنوير.

ويؤكد ابا زياد ان رحلته بعد الظهر كانت تختلف، اذ كانت الصحف والمجلات العربية المصرية واللبنانية وفيما بعد الكويتية، ملاذا معرفيا للعديد من الاردنيين، ليبدأ رحلته الثانية اليومية وهي رحلة تعودت قدماه عليها حتى باتت امرا طبيعيا له.

لم يكن ابا زياد شخصا ساكنا، بل ديناميكيا متطورا، فانتقل من الرحلة اليومية على قدميه الى استخدام الدراجة الهوائية، التي خففت من تعبه اليومي واختصرت الزمن لديه .

وفي العام 1978 مُنح كشكا اسماه الطليعة في دخلة سينما فلسطين وسط البلد، الكشك الذي تحول إلى مكتبة الطليعة حيث باتت المكان المفضل للعديد من المثقفين الاردنيين والعرب، وباتت عنوانا للمعرفة والثقافة التقدمية.

رحل ابا زياد الجمعة تاركا خلفه ارثا معرفيا كبيرا، استفاد منه مثقفو الاردن والوطن العربي وكل الذين مروا من عمان إلى فضاءات معرفية اخرى.

رحل ابا زياد بعيدا عن زيتون الولجة وثرى القدس التي لم تفارقه يوما، ليسكن جسده عمان التي لم يفارقها منذ أن تعلم على أرصفتها وشوارعها حكاية التوأمة بين جبال عمان والقدس.

 

*صحفي وفنان تشكيلي- عمان

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب