قبل 25 عامًا، تقاعد المعلم الفلسطيني والناشط السياسي ورئيس المجلس المحلي الأسبق نمر مرقس، بعد عقود من العمل الجماهيري. وبعد عدة أيام من استذكار الوقت الذي مر بسرعة كبيرة ولحظات حياته التي قضاها كقائد فلسطيني وشيوعي شغوف، قرر أن يترجم ذكرياته هذه إلى كلمات، وكتابة سيرته الذاتية.
كانت أولى ذكرياته عندما كان في الثالثة أو الرابعة من عمره، حيث كان يستمع إلى أخته الكبرى وهي تغني عن رجلين فلسطينيين أعدمهما البريطانيون في سجن عكا. كان ذلك في كفر ياسيف، القرية العريقة في الجليل الأعلى، حيث ولد مرقس عام 1930؛ وسيصبح ذات يوم رئيس مجلسها. وهو أيضًا المكان الذي سيموت فيه بعد 83 عامًا.
نُشرت سيرته الذاتية الثاقبة عن عائلته ومجتمعه وأرضه ومعاناته باللغة العربية في عام 1999: "أقوى من النسيان (رسالة إلى ابنتي): ذكريات غير عادية لإنسان عادي".
كان لدى مرقس ست بنات ولم يكشف أبدًا لأية واحدة منهن عن تأليفه الكتاب. ولكن كما يوضح في الفصل الأول، فهو لم يكن يكتب لعائلته فقط، أو عن نفسه فقط. لقد أراد أن يرسي معتقداته حول التعايش والمساواة، مع توجيه دعوة واضحة لمستقبل أفضل لهذه البلاد.
تم هذا الأسبوع الاحتفاء بنشر الكتاب باللغة العبرية (دار نشر بارديس في حيفا) من خلال حدث خاص في (الضفة اليسرى)، وهي مساحة للنشاطات الاجتماعية في تل أبيب. وكان بين الحضور أفراد العائلة وأكاديميون وممثلون عن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ومسؤولون من الفرع المحلي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية، التي مولت جزئيا النسخة العبرية.
يبدأ مرقس الكتاب بالحديث عن حياته عندما كان صبيًا فلسطينيًا أثناء الانتداب البريطاني. ثم تأتي ذكرياته عن الثورة العربية الكبرى في فلسطين تخت الانتداب البريطاني بين عامي 1936 و1939، والنكبة، والحياة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي الذي استمر من عام 1948 إلى عام 1966.
يتذكر في وقت مبكر كيف أنه لم يتمكن من فهم من هم اليهود الذين وصلوا من أوروبا - لكنه اكتشف أيضًا أنه في مكان ليس بعيدًا عن منزله توجد مقبرة يهودية قديمة. يكتب عن عدم المساواة الاجتماعية التي حاربها طوال حياته، واستنتاجه أن اليهود والعرب لديهم قواسم مشتركة أكثر مما يعتقدون.
إن قراءة الكتاب باللغة العبرية خلال هذه الفترة المظلمة هي مصدر نادر للعزاء والأمل. وقالت نسرين مرقس، الابنة الثانية للمؤلف، لصحيفة "هآرتس": "عندما قرأنا الكتاب لأول مرة اكتشفنا أشياء كثيرة لم نكن نعرفها عن والدنا".
وأضافت: "حاول والدي من خلال كتابه أن يروي التجربة الفلسطينية، خاصة من منظار معلم شيوعي، ناضل من أجل الشراكة اليهودية العربية وآمن بإيجاد مكان لائق لكلا الشعبين".
وقالت: "أخذت صديقة العائلة، بوريا هوروفيتز، على عاتقها ترجمة الكتاب إلى اللغة العبرية، وبقي على جهاز الكمبيوتر الخاص بي لفترة طويلة. اعتقدت أنه من المهم بالنسبة للقراء اليهود أن يتمكنوا من قراءته لأن هدف والدي لم يكن أن يصبح مشهورًا، انما أن يتيح لليهود والفلسطينيين بأن يكونوا أقرب إلى بعضهم البعض".
وتتابع: "نحن نعلم أن هناك حاجزًا كبيرًا بين الشعبين، وانقطاعًا مقصودًا لمنع اليهود من معرفة الرواية الفلسطينية. لقد اعتبرت الأمر بمثابة مهمة شخصية للعثور على ناشر وعلى تبرع للسماح بإصدار ترجمة هذا الكتاب".
تقدم نسرين مرقس أيضًا تفاصيل مذهلة عن السيرة الذاتية: "يكتب والدي عن بعض طلابه عندما كان مدرسًا - الأولاد الفلسطينيون الذين تم إرسالهم مع عائلاتهم خلال النكبة إلى لبنان وعادوا إلى قراهم سرًا. وكان أحدهم الشاعر الكبير محمود درويش".
وتضيف: "في المتحف المخصص لمحمود درويش في رام الله، يمكنك رؤية شهادة الصف الرابع موقعة من والدي، حيث يتنبأ بمستقبل مشرق لدرويش. وعندما وصل درويش في زيارة قصيرة بعد اتفاقات أوسلو، جاء إلى قريتنا ليفاجئ والدي، الذي كان يسميه معلمي الأول".
*عن "هآرتس" بنسختها الإنجليزية
إضافة تعقيب