news-details

صراخ في فضاء الانتخابات

// تميم منصور

عشية كل قرار باجراء الانتخابات للكنيست، تصدح وتنطلق الكثير من الأصوات، ولا يتوقف الصراخ في فضاء هذه الانتخابات الا بعد ان مضي على اجرائها مدة طويلة، هذا الصراخ يصدر من قبل أفراد وفئات داخل وسطنا العربي من كافة المناطق، كل واحد من هؤلاء يتحول إما الى واعظ وإما الى  غفير للوطنية والمصلحة القومية.

من هذه الأصوات وهذا الصراخ ما هو متكرر ووريث لأصوات مشابهة سبقته، أصحابها يستيقظون في هذا الموسم فقط، يرتدون عباءات الزهد السياسي والابوة الوطنية، عجلة التكرار تدور حول محاور غير واقعية و بعقلية صبيانية، تغلب عليها العاطفة والاندفاع الشخصي والمطالب التعجيزية.

الصراخ الذي يتصدر هذه اليقظة الموسمية منذ عدة سنوات، مطالبة المواطنين العرب بمقاطعة انتخابات الكنيست بذرائع غير مدروسة، يغلب عليها طابع الرفض غير المبرر، والحقد والحسد الشخصي، وغالبًا ما تكون مغلفة بقشور سياسية لامعة، سريعًا ما تذوب من شدة حرارة حرص الغالبية العظمى من المواطنين العرب على مصالحهم وعلى مستقبل وجودهم في وطنهم.

كثيرًا ما نسمع مثل هذه الأصوات من وراء الحدود من قبل أفراد وجماعات عربية متحمسة، تطلب من عرب الداخل الفلسطيني التنازل عن  مواطنتهم التي تتيح لهم المشاركة في الانتخابات وتوفر لهم الكثير من الحقوق، نقول وقلنا من قبل لمثل هؤلاء، في عام 1949 تركتنا الأنظمة العربية نواجه مصيرنا وتحت رحمة العصابات الصهيونية، وهم بطلبهم هذا كالذي قيده ورماه في الماء، وقال له إياك.. إياك  من الغرق.

نعم نحن لم نغرق بعد ان تخلصنا من الحبل الذي قيدونا به، وقبولنا للمواطنة  كالذي يشرب السم الذي يحتوي على الكثير من الشفاء، وهذا الشفاء منعنا من الغرق.

 يصرخ هؤلاء ويدعون بأن مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات تجمل وجه اسرائيل عالميًا، ويساعدها على التخلص من صفات الدولة العنصرية، هذا هراء لأن وجودنا في وطننا هو الشاهد الوحيد والمؤشر العام على ان فلسطين كانت في يوم من الايام عربية، كما ان وجودنا مع نشاطنا السياسي يزيد من حقوقنا ويخدم سمعة وحق الشعب الفلسطيني بحق العودة.

هذه الذريعة اصبحت متآكلة وبالية، لأن السلطة الحاكمة في اسرائيل تعرف قيمتنا ووزننا وثقلنا، وهذا ما اكده نتنياهو في الانتخابات السابقة، عندما خشي من مشاركة المواطنين العرب في هذه الانتخابات، إن وجود ممثلين عن المواطنين العرب من الحركات الوطنية في الكنيست جزء من وجودنا ونضالنا واسماع اصواتنا، ولولا وجود هؤلاء لما تم ابطال مشروع برافر ومشروع ام السحالي، ولولا وجودهم لما تم تعرية سياسة اسرائيل العنصرية أمام العديد من المؤسسات الدولية، والغريب أن غالبية المطالبين بمثل هذه المقاطعة هنا في الداخل، من كُتاب وبعض الاكاديميين وغيرهم، هم أول من يساهم ببناء جسور التطبيع بين الانظمة العربية الفاسدة والعميلة وحكومات الاحتلال، هم السباقون بالقفز فوق منصات الادب والشعر والغناء داخل الاقطار العربية، اسرائيل تشجعهم على ذلك، لأن تهافتهم على هذه المنصات والعواصم العربية تخدم مصالحها.

من بين هؤلاء المطبعين من حصل على الجوائز والنياشين من الانظمة العربية، والسلطات الاسرائيلية لا تمانع بذلك، فعندما منحت جائزة الملك فيصل قبل أكثر من سنة لأحد زعماء الحركات التي تطالب بمقاطعة الانتخابات - منح هذه الجائزة يعتبر نكسة للمواطنين العرب -  لأنها قدمت من دولة متخلفة استبدادية، همها مقاومة المد القومي الوطني العربي التقدمي.

ولا بد من تعرية اثنين من ذوي الاصوات الوطنية المطالبة بمقاطعة الانتخابات ويسخرون من الاحزاب التي تمارس هذا الحق، عندما كانا عضوين في التجمع مع بداية طريقه، طالبوا بالترشح للكنيست، لكن المؤتمر رفضهم في ذلك الحين.

وبعد ذلك أخذوا يطالبون بمقاطعة الانتخابات، أيضا مع بداية هبوب رياح معركة الانتخابات تنطلق صيحات وتصدر نغمات، تعبر عن الانانية والجهل، وتمتد جذورها داخل اعماق الطائفية والاقليمية، من هذه الأصوات، ما يرى بعضوية الكنيست مشيخة قبيلة، أو مخترة حمائلية او طائفية، هذا يريد زيادة عدد الاعضاء في الكنيست الذين يمثلون المسيحيين او الدروز او المسلمين او المثلث والجليل أو الناصرة وغيرها من المدن، وأعلى الأصوات في هذا الصراخ صدرت من بعض الاشخاص داخل المدن المختلطة، لقد طالبوا بضمان وجود اعضاء للكنيست داخل القائمة المشتركة من المدن المختلطة، هذه المطالب ترسخ الانقسام والاقليمية والطائفية داخل مجتمعنا العربي.

نحن نسعى لتحطيم الحواجز التي تمنع صهر والتحام المواطنين  العرب داخل اطر سياسية واعية حضارية متقدمة  وفي حالة الترشح حسب المناطق الجغرافية، فهذا يزيد من الانقسام والانشقاق، عندما تم الاعتداء على قرية ام الحيران في النقب تصدى لهذا الاعتداء جميع اعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، متجاوزين الطائفية والاقليمية. السؤال من أية مدينة من المدن المختلطة سيتم اختيار المرشح، إذا تم اختياره من مدينة اللد مثلًا هل سيقبل ذلك العرب في مدينة الرملة او مدينة يافا.

المطلوب من المواطنين العرب في المدن المذكورة الاندماج في الاحزاب العربية الوطنية القائمة، ومن خلالها يمكن تحقيق مثل هذه لغايات، هناك أصوات تطالب بأن يكون للنقب حصتة الشرعية التي يستحقها بين أعضاء الكنيست، هذه مطالب مخجلة  وهناك من يذكر الناصرة وأم الفحم وغيرها جميع هذه المطالب لا تتناسب مع الابعاد الحضارية والسياسية والتعددية الصحيحة  ليس داخل احزابنا ومجتمعنا، بل داخل كل المجتمعات الراقية الواعية المتحضرة هذا لا يتم سوى بالأقطار العربية، حيث يتم اختيار الاعضاء فيها على خلفية قبلية وطائفية ومناطقية.

من المفروض فان اي عضو كنيست من القائمة المشتركة ان يمثل الجميع دون اي اعتبار للمكان الذي يسكن فيه، لقد دافع دوف حنين عن المصالح والقضايا العربية اكثر من غيره وهو لا يسكن في اية قرية او مدينة عربية، لأن التمسك بالفكر والمبادئ اقوى من اي انتماء جغرافي او طائفي، في الدورة التي سوف تنتهي بلغ عدد اعضاء الكنيست من اهلنا في النقب اربعة اعضاء اي ما يقارب ثلث عدد اعضاء القائمة تقريبًا. ان قبول هذه المعادلة يدل على الوعي ويدل على وحدة الصف ووحدة الهدف،مرة اخرى يجب ان يكون الترشح حزبيا وليس فرديا او اقليميا او طائفيا.

هناك صيحات واصوات اخرى صادرة من قبل اصحاب قطاطيم الاحزاب ما يميز هؤلاء انهم يتحدثون بأصوات عالية وبنبرات التهديد اذا لم يأخذونا بعين الاعتبار سوف نخوض الانتخابات بصورة منفردة المطلوب الاصغاء الى هذه الاصوات والتفاهم معها بالرضى والحوار الذي يجمع الكلمة،لأننا امام معركة شرسة، اليمين فيها يكشر عن انيابه ولا نستطيع كسر هذه الانياب الا بوحدة كافة القوى السياسية في قائمة مشتركة واحدة ولا يتم ذلك الا بالتخلص من الأنا، وعلى المواطنين مقاطعة كل المسؤولين عن الهروب من القائمة المشتركة لأنهم متخمون من العضوية في الكنيست فلا يهمهم تحطيم القائمة المشتركة قبل غروب شموسهم الحارقة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب