news-details

في كتابها "لملمة أوراق تبعثرت – سيرة ذاتية": سلوى جرّاح تروي قصة ما حلّ بها وبعائلتها بعد النكبة

أقام اتحاد المرأة العراقية فرع لندن أخيرا حفل إشهار لكتاب "لملمة أوراق تبعثرت – سيرة ذاتية" للكاتبة الروائية الفلسطينية سلوى جرّاح، ولا عجب أن يبادر الاتحاد إلى هذه الخطوة، فمن يعرف سلوى أو بالأحرى من يقرأ سيرتها الذاتية يكتشف لماذا تهتم المرأة العراقية بإقامة مثل هذا الحفل، فسلوى إبنة مدينة عكا الفلسطينية أمضت حوالي نصف عمرها في ربوع العراق، ولم تعش تلك السنوات على الهامش، بل كانت شريكة في الحياة الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية للعراقيين الذين تفاعلوا معها ومع انتاجها الفكري والأدبي.

صدر الكتاب عن دار الكتب العلمية ودار معنى للنشر في بغداد ويقع في 240 صفحة من الحجم المتوسط وينقسم إلى مقدمة وثلاثة عشر فصلاً، بالإضافة إلى ملحق للصور. في هذا الكتاب بالذات دون غيره من كتبها الأخرى تقدم سلوى مادة دسمة للقرّاء عامة ولنقّاد الأدب في شكل خاص، الذين يهتمون عادة في تحليل النصوص الروائية ويحاولون التعرف على مدى مطابقة هذا العمل الروائي أو ذاك للواقع الذي تتحدث عنه الرواية. 

تروي سلوى في مقدمة سيرتها الذاتية أن الكثير من القرّاء والنقاد على حدٍ سواء الذين قرأوا أعمالها الروائية اعتقدوا أن رواياتها تحتوي على قصص حقيقية وأنها استخدمت أسماء مستعارة، وظنوا أنها تتحدث عن نفسها، وأن أبطال رواياتها أناس لهم وجود في الواقع، فسعوا للتعرف على أسمائهم. وتقول أن ذلك لم يزعجها، لأنه في الواقع حمل في ثناياه تأكيدا عفويا من القراء على أن أعمالها الروائية كانت واقعية، مما أدخل السرور إلى قلبها.

في المقدمة ذاتها تقول "سأكتب عن نفسي، عن سلوى جراح، حياتها وتجاربها، نجاحاتها وخيبات أملها في رحلة امتدت من فلسطين التي ولدت فيها، ونشأت على حبها، إلى العراق"، البلد الذي تعلمت سلوى فيه الحروف الأولى وفيه نضجت أفكارها ومشاعرها، ثم لندن التي عاشت فيها أكثر من نصف سني عمرها.

وتختتم سلوى مقدمتها القصيرة نسبياً بالقول "يبقى السؤال هل سأستطيع أن أتحدث عن نفسي دون مخاوف وأكتب عن نفسي كل ما في نفسي من رغبات وخيبات وتطلعات كما كتبت عن بطلاتي؟ وهل سيكون لتجاربي الشخصية نفس وقع تجارب بطلاتي على القارئ؟ أقول لكم الحق: أنا لا أملك جواباً لأي من تلك الأسئلة لكنني سأجمع أوراقي التي تبعثرت وأحاول أن أقول ما عندي بقدر ما أستطيع من صدق وأمانة".

فسلوى جراح عكاوية أصلية، رغم أن والدتها وضعتها في أحد مستشفيات حيفا عام 1946، إذ أنها عاشت سنوات طفولتها الأولى في عكا في كنف عائلتها، حيث كان والدها ذا النون أنيس جراح يعمل خبير اتصالات في مصفاة تكرير البترول الواقعة في منتصف الطريق بين عكا وحيفا. ولم يمهل الحظ عائلة جراح طويلاً، فوقعت النكبة عام 1948 وتشردت العائلة مع مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين أصبحوا في عداد اللاجئين بداية في لبنان، ولاحقاً في العراق.

روت سلوى بالتدريج سيرة حياتها حسب الترتيب التالي:

سني طفولتها الأولى في فلسطين ولبنان من عام  1946 إلى 1950، والسنين التي قضتها من عام 1950 إلى 1977 في العراق مع عائلتها التي انتقلت إليه من لبنان نظرا لاستمرار عمل والدها في شركة نفط العراق، في البصرة أولاً، والفاو، وخصصت فصلا روت فيه كيف تنقلت بين عدة مدارس في المرحلة الابتدائية، ثم انتقالها إلى كركوك من عام 1955 إلى 1962، فبغداد من عام 1962 إلى 1977، وخصصت فصلا للحديث عن انتقالها إلى القاهرة ومحاولة دراسة الطب هناك، وتحدثت عن سنوات الدراسة الجامعية، ودخولها في الحياة العملية والزواج من شريك حياتها العراقي مصباح غازي عسكر كمال، عقب تخرجه من جامعة سوانزي في بريطانيا، وعن انتقالها للعيش في لندن عام  1977 حيث ما زالت مقيمة فيها حتى اليوم، وخصصت فصلا للحديث عن سنوات عملها في هيئة الإذاعة البريطانية من عام 1977 إلى 1999، وبالطبع تضمن الكتاب فصلا شاملا عن الأعوام التي قضتها سلوى في لندن.

من خلال السيرة يكتشف القارئ أن سلوى لم تلج إلى فن كتابة الرواية صدفة أو عن طريق الخطأ، فحياتها كلاجئة فلسطينية والتشرد الذي عاشته مع عائلتها بعد النكبة تكفي وحدها لتكون مادة أولية تقدح زناد الفكر لتنتج أدبا يروي معاناة حقيقية عاشتها على جلدها فتغرف منها وتسكبه على الورق، لكن علاوة على ذلك، كانت حياتها العملية، عندما عملت أولا مترجمة في شركة نفط العراق ولاحقا في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن، مرصوفة في شكل خاص بمحطات شاءت الظروف أن تضعها على صلة مع شخصيات أو أسماء كبيرة في عالم الأدب والثقافة، مثل جبرا إبراهيم جبرا، الروائي ومترجم أعمال شكسبير إلى  العربية، الذي استفادت سلوى كثيراً من خبرته عندما عملت إلى جانبه في شركة نفط العراق وساهمت في الكتابة في مجلة الشركة التي كان جبرا رئيساً لتحريرها، ونجيب محفوظ، الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل للأدب، وإميل حبيبي صاحب المتشائل، والشعراء توفيق زيّاد ونزار قباني وأنسي الحاج وبلند الحيدري، والمخرج السينمائي المصري يوسف شاهين والممثل السينمائي المصري أحمد مظهر، والمخرجة والممثلة المسرحية العراقية روناك شوقي، وغيرهم كثر من الأسماء الكبيرة في عالم الثقافة والأدب والفن في العالم العربي.

ويأتي ملحق الصور في نهاية الكتاب ليعطي القارئ لمحة عن حياة سلوى وعلاقاتها العائلية وصورة صادقة عن تشعب علاقاتها الثقافية والاجتماعية. 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب