في داخلي يترنَّحُ ألم الغياب،
ذاك الغياب الذي ترك وراءه ظلالاً طويلة،
ذكريات تتلاشى في محيط النسيان،
كلما حاولت استحضارها تبددت كالدخان.
تغوص أمي في بحر الحنين،
تبحث عن أثرك الضائع في أفق الذكريات،
وأنا أتأملك في وهم الوجود،
أسير بين ضباب الفقد وغموض اللحظات.
تتراءى أمامي صورة عطاء أبي الكبير،
كم كان محط الإعجاب والإكبار،
يتذكر الناس قصص الجود والعطاء،
ويروون بالحنين والفخر مسيرته العظيمة.
يذكر الناس بشغف اسمه، الدكتور محمد أحمد حجير بدران،
كما لو أنه ينبعث من أعماقهم مع كل تذكرة،
يُحيون ذكراه بكل فخر واعتزاز،
فقد كانت حياته نبراساً يُضيء دروب الإنسانية.
وأنا، وحدي، أحمل حنيني الشديد،
كم أتمنى لو يعود الزمان للوراء،
لأستعيدك وأجدد العهد بالوفاء،
لكنك رحلت وتركتني في حيرة الحياة المجهولة.
وسط هذا الجو المظلم،
ترتسم بصيص أمل في أنغام الصمت.
ففي عتمة الليل تلمع شمعة الرحيل،
تشير إلى بوابةٍ لم نتجاوزها بعد،
أو ربما إلى وجهةٍ أخرى مجهولة الوجه،
حيث يكون اللقاء بك مجدداً في رحاب الخلود.
يجلس أصدقاؤك في صمت حائر،
يبحثون عنك في أركان الذاكرة المنسية،
تناثرت ذكرياتهم كأوراق الخريف،
تحاول الرياح أن تحملها بعيداً في ليل الغموم.
رحم الله روحاً لن تكرر،
التي خطت آثار العطاء والجود،
في قلوب الناس بقيت ذكراه تعيش،
مثل نجمٍ يضيء سماء الخلود،
وفي قلوبنا أيضاً ترسخت بصمته،
تذكرنا بالعطاء والإحسان في كل حين،
وبالحنان الذي يدفئ القلب ويشفي الجروح.
مرَّ شهر رمضان وأنت غائب يا أبي،
وعيد الفطر قادمٌ علينا دون وجودك،
مؤلمٌ حقاً أن نعيشه من دونك،
ولكن عيدك في الجنة أجمل بإذن الله.
في لحظات الصمت العميق، تتعانق الذكريات،
تتداخل في خيوط الشوق والحنين،
كأنها تنساب عبر أبعاد لا تُدرَك،
تاركةً وراءها أثراً لا يمحى بأعماق الوجدان.
فقد كانت حياتك تمتلئ بالحنان والجمال،
والآن، في عالمٍ آخر ترتقي فيه نحو السماء،
حيث تتلألأ شمس الرحمة والسلام،
تتلقاك بأحضانها الواسعة والدافئة.
أيها الأب الغالي، عيدك في الجنة مع الصالحين،
فنحن هنا نتوسل الله أن يتغمدك برحمته،
ويجمعنا بك في الفردوس الأعلى،
فتكون قصتك معنا لا تُنسى، في مداد الأحباب المخلصين.
*كلمة إبنة رفيقنا الراحل أبو أشرف محمد بدران لذكرى والدها
إضافة تعقيب