news-details

لكل مبدع دانوبه الأزرق: الدانوب ليس أزرق/ محمود درويش في كتاب "العصافير تموت في الجليل"، 1969| د.  نبيل طنوس

قصيدة "الدانوب ليس أزرق" من ديوان "العصافير تموت في الجليل، 1969" لمحمود درويش كتبها في الوطن قبل خروجه من البلاد، في الفترة، التي اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه تحت سلطة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسيّة ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصّه الشعري مباشرًا وواضحًا.

نجد في قصائد هذه الفترة تكرارًا لكلمات سوداويّة وحزينة، ورد في هذه القصيدة عدة تعابير مثل: لا تعرفه، جثته، ذبول، حنان، يموتان، موت، لا يلتقيان، الهجرة، في الهجرة، ماتا، انفِجارِ القُبلَةِ الأولى، وَفي جُثَّتِهِ (ثلاث مرات).

في القصيدة هو في حالة حيرة بين الشرق والغرب بين الوطن والمنفى. كما يبدو، هنا بدأ يفكر في ترك البلاد إذ كتب القصيدة سنة 1969 وترك الوطن إلى موسكو سنة 1970.

قصيدة محمود درويش "الدانوب ليس أزرق" تعيد ترتيب اللون على جناحي/ ضفتي النهر، من خلال مقاربة الزمان والمكان والهموم في المنفى الذي يحتمل الحوار بين الشرق والغرب. جاء هذا الحوار في صورة شعرية مشبهًا هذا الحوار كحوار بين عشيقين وهذا منطقي للتيار الرومانسي.

يقوم الشاعر بمقارنة متخيلة بين فلسطين وهنغاريا؟ والقصيدة تقول إنه كان يفكر بالهجرة؟ القصيدة مليئة بالتناقضات: هي لا تعرفه ولكنها تدعوه إليها قائلة: عندي مكان. يوجد تناقض بين الامس والحاضر. بين يسيران ويقفان، لا يعرفان ولكن يقتربان، لا تعرفه ولكنها تشربه كالماء. الزمان واقف كالنهر في جثته. كيف يحدث هذا؟ الزمان لا يتوقف والنهر متدفق بشكل دائم ولكنه في القصيدة جثة أي غير متدفق وهكذا الزمان؟

طبعًا يوجد تناقض بين سمفونية الڨالس "الدانوب ازرق" ليوهان شتراوس (لسماع المقطوعة أدخل في الرابط المرفق أدناه) وبين القصيدة التي سماها محمود عكس شتراوس "الدانوب ليس أزرق". ويُقال إن نهر الدانوب فعلاً يصبح أزرق في بعض مقاطعه، وتحديداً في منطقة تقع بين بودابست ورومانيا، لكنه يتشح باللون الرمادي في باقي مساره، وربما بفعل التلوث والعوامل الطبيعية.

على أي حال مسار القصيدة يتفق مع رأي المفكر الفرنسي غاستون باشلار الذي قال في كتابه، "جماليات المكان": "إن المكان لا ينطوي على البيوت والأثاث، فحسب، بل يحمل ذاكرتنا وأرواحنا وأحزاننا." ويدون تاريخنا وملامحنا وصراعاتنا وإخفاقاتنا وخساراتنا".

يرتبط اللون الأزرق، في رأينا، عند درويش بالرومانتيكية، ولهذا نجد المرأة تتسلى وهي ترتدي الأزرق بقراءة الشعر الرومانتيكي، فيقول:

"ترتدي الأزرق في يوم الأحد

تتسلى بالمجلات وعادات الشعوب

تقرأ الشعر الرومانتيكيّ"

تثير قصيدة "الدانوب ليس أزرق" بعض الأسئلة:

  1. موسيقيًا، هل نستطيع إجراء مقابلة بين الدانوب الأزرق لشتراوس، وجسر العودة للرحابنة وفيروز؟
  2. هل نستطيع تأسيس فكرة التقاء الحضارات (الشرق والغرب، الماضي والحاضر)؟
  3. هل نستطيع مد جسور التواصل للخروج من مأزق حوار الحضارات من خلال إنشاء منظومة فكرية تعاونية؟

وأخيرًا لكل مبدع دانوبه الأزرق!!

**

الدانوب ليس أزرق/محمود درويش

 

هيَ لا تعرِفُه

كانَ الزَمانُ

واقِفاً، كالنَّهرِ في جُثَّتِهِ

قالت لَهُ: عِندي مَكان!

 

كانَ ذاكَ اليومُ صَيفِياً

وكانَ العاشِقانِ

يَستَرِدّانِ مِنَ الرُزنامَةِ الأولى

حِسابَ الشمس

كان الأمسُ

والحاضِرُ كان.

 

هي لا تَعرِفُهُ.

قالوا لَها: يَأتي مَعَ النَهرِ

الذي يَأتي مَعَ الفَجرِ

وكانَ التَوأمان

ضِفَّتَي نَهرٍ. يَسيرانِ مَعاً

أو يَقِفان

وَهُما. لا يَعرِفان

 

كانَ ذاكَ اليومُ حَقلاً

مِن ذُبولٍ وحَنان

وَهُما يَقتَرِبانِ

ويَموتانِ مِنَ المَوتِ

ولا يَلتَقيان!

 

هي لا تَعرِفُهُ

لكِنَّها تَشرَبُهُ كالماءِ في رَملِ الزَمان.

بَعدَ عامَينِ مِنَ الهِجرَةِ

في الهِجرَةِ

ماتا

في انفِجارِ القُبلَةِ الأولى

وَفي جُثَّتِهِ، كانَ الزمانُ

واقفاً، كالنّهرِ، في جُثَّتِهِ

قالت له:

عِندي مَكان!

**

(العصافير تموت في الجليل 1969)

لسماع القصيدة أدخل في الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=UUA6oKPDGaU

الدانوب ليس أزرق/ محمود درويش بصوت نور دراوشة. تلحين وعزف بيانو نزار الخاطر.  جمعية أورفيوس بإدارة دعيبس عبود أشقر

**

لسماع "الدانوب الازرق - يوهان شتراوس" أدخل في الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=UKX8yGOAhL8

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب