news-details

مشروع "الاصابع الخمس" ابتكره شارون في 1971 وألغاه في 2005 فهل يعيده نتنياهو؟| أمير مخول

يحدث انزياح في اهداف الحكومة المعلنة من الحرب على غزة، وذلك بعد تحييد مسألة الصفقة من أولويات نتنياهو وشركائه من اقصى اليمين، سواء تمّ ابرامها ام لا. يتسارع هذا الانزياح بتناسب مضطرد مع تعزز قوة نتنياهو السياسية وعلى الرغم من فشله في تحقيق اهداف الحرب المركزية. كما تتسع التقديرات الاسرائيلية بأن الغاية الرئيسية ليست محور فيلادلفي، بل يشكل المحور مساحة مناورة سياسية داخلية وخارجية يقوم بها نتنياهو. كما وتتضح معالمها جراء قرار رئيس الحكومة تعيين قائد عسكري مسؤول عن المساعدات "الانسانية" ضمن مخطط "البديل السلطوي المدني"، اضافة لاصدار تعليماته للجيش ببناء منظومة عسكرية لتوزيع المؤن على سكان غزة، والامران من مقومات الحكم العسكري الاحتلالي تحت مسمى "الادارة المدنية" مع استبعاد اي اطار كياني سلطوي فلسطيني. وهو يتساوق مع ما يقوم به سموتريتش في الضفة الغربية بعد ان حوّل جهاز "الادارة المدنية" الى اداته السياسية كما حوّل بن غفير شرطة اسرائيل الى شرطته الموالية له ولنهجه.

تُعتبر الوزيرة اوريت ستروك من الصهيونية الدينية الرأس العقائدي الاول والاكثر منهجية، مقارنة بسموتريتش وبن غفير. وقد اوضحت منذ بضعة أشهر بأنه "بدون البقاء على طريق فيلادلفيا ونيتساريم والممر الشمالي، فلن تكون حكومة". يعيدنا هذا الى تصريحات عضو حزبها سيمحا روطمان في اواسط اكتوبر الماضي بأن الهدف النهائي هو "أن يتمكن كل طفل يهودي من المشي في الشارع الرئيسي في مدينة غزة". وهذا ما يتطابق مع خطة الجنرالات التي ظهرت مؤخرا والتي تلغي مدينة غزة وتلغي اي وجود فلسطيني شمال معبر نيتسريم وتحدد مواقعه جنوبه.

بالإضافة الى محور نيتساريم و"الممر الشمالي" يقوم الجيش وفقا لمصادر عدة باعادة ترسيم محور كيسوفيم، وهو المحور الرابط بين مستوطنات قطيف والممتد من جنوب دير البلح وحتى شمال رفح جنوبا وحتى خان يونس شرقا. حيث كانت المستوطنات الـ16 فيه والتي لم يتعد عدد سكانها خمسة الاف تسيطر على نحو ربع مساحة القطاع. هذا المحور هو المحور الاستيطاني الاهم مقابل نيتسريم محور السيطرة الاهم على الفلسطينيين. ولو عدنا الى التاريخ الاستعماري لفلسطين فقد عرضت سلطات الانتداب البريطاني الاستعماري على الصندوق القومي امتلاك اراضيه وذلك في العام 1926، الا ان الصفقة لم تخرج الى حيز التنفيذ لاعتبار اراضيه غير صالحة للزراعة وفقا لمواصفات قبل قرن من الزمن.

فعليا تقوم ستروك بعد اتضاح قرار نتنياهو استدامة احتلال غزة وعدم ايقاف الحرب، بما قام اريئيل شارون في العام 1971 حين طرح خطة الاصابع الخمس التي تشكل خارطة الاستيطان في القطاع وحصاره وتقطيعه الى مناطق معزولة للفلسطينيين. وهو ما يبدو الخط المركزي الراهن في الحكومة. تستند الخطة في حال بقاء هذه الحكومة وتطبيقها الى خطط قديمة تقوم على ضم القطاع وتهجير سكانه واستيطانه.

من غير الصحيح عزو هذه المخططات الى اقصى اليمين حتى وان بدت كذلك في الاشهر الاولى من الحرب، بل ان نتنياهو هو من يقود السياسات وليس مقاداً من شركائه. يحظى هذا التوجه بتأييد أوسع من سعة الائتلاف الحاكم، ولغاية الان لم تظهر اية معارضة فعلية له، وإن كانت اية معارضة فهي من منطلقات أمنية وليس سياسية. بينما كرر الجيش بأنه جاهز لكل السيناريوهات ولديه الحلول الميدانية.

للتنويه، فإن خطة الاصابع الخمس" المنسوبة الى شارون قامت على إنشاء كتلة استيطانية في شمال قطاع غزة، وتوسيع المدى الاستيطاني اليهودي جنوب عسقلان وحتى ضواحي بيت حانون وغزة المدينة. الإصبع الثانية هو محور نيتسريم. كان الهدف منها بتر تواصل الفلسطينيين بين غزة ودير البلح. أما الإصبع الثالثة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل دير البلح عن خان يونس وهي جزء من محور كيسوفيم، أما الإصبع الرابعة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل خان يونس عن رفح. كانت الاصبع الخامسة تحاصر قطاع غزة من الجنوب وتفصله عن سيناء وعلى الارض المصرية وهي مدينة يميت ومستوطناتها الت اقتلعتها اسرائيل في اتفاقات كامب ديفيد مع مصر بينما اقتلعت مستوطنات قطاع غزة عام 2005 وأضيفت اليها مستوطنات شمال الضفة الغربية.

في نظرة على الدالة التاريخية نجد ان الاستيطان ميدانيا وفرضه كأمر واقع كان دائما اقوى من القرار السياسي ان لم يتماشى معه؛ هكذا حدث قبل وبعد عام النكبة 1948، ومرورا بالعام 1967 ولغاية اليوم في الضفة الغربية حيث تبحث الحكومة تسوية عشرات البؤر الاستيطانية، وهي المستوطنات الناشئة التي يقوم بها التنظيم الارهابي شبه الحكومي "فتيان التلال" وبحماية الاجهزة الامنية الاحتلالية، لتغدو مستوطنات رسمية قانونيا.

 

 

للخلاصة، من الجدير التعاطي بجدية مع مشاريع اعادة استيطان قطاع غزة وإنهائه كوحدة جغرافية سكانية واحدة، والاستعداد للتصدي لمخططات اسرائيل القاضية بأن غزة لن تعود الى ما كانت عليه وبأن نوايا التطهير العرقي الشامل والإبادي لم تنزل عن جدول الاعمال الاسرائيلي.

مهما كان مصير صفقة التبادل والهدنة في غزة الا انها باتت ثانوية مقارنةً بالمخططات الاحتلالية الاسرائيلية، بل ان الحرب على الشعب الفلسطيني وحصريا على غزة مستدامة ومفتوحة، ولا توجد قوى اسرائيلية سياسية معارضة قادرة او معنية بإيقافها.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب