news-details

من هالمراح ما في رواح| توفيق كناعنة

هناك طوشة عمومية مفتعلة بين بايدن ونتنياهو حول الهجوم على مدينة رفح. هذه المدينة التي تأوي اليوم الأكثرية المطلقة من سكان قطاع غزة والتي تقارب المليون ونصف انسان، وعلى هذه المدينة ذات الكثافة السكانية الهائلة يريد نتنياهو الهجوم، بينما بايدن -بحسب الاعلام الاسرائيلي والغربي – يريد أن يمنعه من ذلك.

في الواقع لا يوجد خلاف جوهري بينهما بل هناك خلاف تكتيكي حيث ان بايدن يريد قتل القليل من المدنيين في رفح وهو ليس ضد الهجوم مبدئيا لكنه يستحمل قتل "فقط" الاف أما نتنياهو فمستعد لقتل عشرات الالاف وربما حتى إبادتهم.

الحقيقة ان هذا الذي يسمونه خلافا بينهما هو في ذر للرماد في العيون وهو ليس خلافا على الجوهر بل ان الاثنين متفقان على اجتياح المدينة تحت شعار القضاء على حماس ولكن الواقع غير ذلك، والهدف الأساس هو مواصلة ابادة الشعب الفلسطيني أو ترحيله عن وطنه وهو المخطط الأساسي الذين طالما حاولوا تنفيذه. هذه المخططات لم تتوقف ضد شعبنا العربي الفلسطيني منذ عقود طويلة من الزمن، لكن شعبنا كان وما زال يجابه هذه المؤامرات بالرغم من كل المآسي والدمار ويبقى صامدا في وجه كل القوى الغاشمة التي تريد تهجيره من وطنه.

الهجوم الفعلي على مدينة رفح قد بدأ لكنه لم يصل الى حد الاجتياح الكامل. فهم يقومون بغارات جوية يوميا ويقصفون البيوت على أصحابها هناك فمثلا قبل عدة أيام وتحديدا في 25.3.2024 قصفت الطائرات الاسرائيلية أحياء في رفح أدت الى مقتل أكثر من ثلاثين من الشهداء من بينهم أحد عشر طفلا واثنتا عشرة امرأة من سكان هذه البيوت. بالتالي فإن الهجوم على رفح قد بدأ بالفعل، وأي كلام عن خلاف بين الإدارة الأمريكية واسرائيل ما هو الا اختلاف في التفاصيل وليس على البعد الاستراتيجي.

في يوم الاثنين الماضي اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان وهذا القرار كانت قد قدمته دولة الجزائر باسم جميع الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن ونال تأييد أربعة عشر عضوا، باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت لكنها لم تستعمل حق النقض (الفيتو)، وهو الامر الجديد منذ اندلاع الحرب قبل حوالي ستة أشهر. بينما في الماضي رفضت الولايات المتحدة كل الاقتراحات التي طالبت بوقف الحرب.

نتيجة هذه الخطوة الأمريكية افتعل نتنياهو أزمة ومنع مغادرة وفد اسرائيلي أمني الى واشنطن لتنسيق اجتياح رفح. لكن الأمريكان أكدوا ان قرار مجلس الأمن غير ملزم. وهنا نسأل السؤال اذا كان القرار غير ملزم، فما الهدف من تمرير مثل هكذا قرار؟ من الواضح ان الولايات المتحدة اطلعت على القرار قبل إقراره ووجدت ثغرات يمكن الاعتماد عليها من أجل التهرب من تنفيذه وتفسيره بأشكال مختلفة كما يحلو للأمريكان.

بهد القرار غير الملزم نرى ان نتنياهو ووزراء حكومته يهاجمون العالم كله والأمم المتحدة وسكرتيرها العام بزعم أنهم معادون لإسرائيل ولا ساميون! والسؤال الذي يجب أن يُسأل هل كل العالم على خطأ وأنتم فقط على صواب؟ هذا هو الاستعلاء القومي المرفوض. ويُسأل سؤال آخر، في بداية الحرب كان العالم معكم ولذلك لم يكن لا ساميًا وبقدرة قادر أصبح اليوم لا ساميًا؟! أبهذه السرعة تنقلبون رأسا على عقب؟

على حكام اسرائيل ان يسألوا أنفسهم لماذا هذا التغيير في العالم كله؟ اليس أفضل لكم بدل إتهام العالم أن تعيدوا حساباتكم وأن تعملوا على إيجاد لغة مشتركة مع شعوب هذه المنطقة وقبل كل شيء مع الشعب العربي الفلسطيني الذي تحتلون أرضه بدون أي حق؟

ان اسباب التغيير الأساسية هي نتيجة لعدوانكم الاجرامي المستمر على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني كله. هذا الشعب الذي يجري يوميا الاعتداء عليه ويقتل منه يوميا العشرات وحتى المئات. اليس هذا القتل عمليا هو إبادة شعب لا يريد الا حقه في أرضه ووطنه، وحقه في الحرية والاستقلال والتحرر من ظلمكم وبطشكم المستمر منذ عقود من الزمن.

انني أقترح على نتنياهو أن يكف شره عن الشعب الفلسطيني وان يهتم بمشاكله الداخلية. فليس الشعب الفلسطيني الذي يتهمك بالفساد وملفات الألوف المقدمة ضدك. ولم يكن للشعب الفلسطيني أي دور في المحرقة التي جرت ضد يهود أوروبا في أوروبا.

ان الشعب الفلسطيني يتهم نتنياهو وحكام اسرائيل بالعمل المتواصل من أجل إبادته وتهجيره. ولكن يجب ان يفهم حكام اسرائيل والعالم كله ان أي شعب محتلة أرضه سوف يستمر في المقاومة وفي كفاحه العادل ولن يهدأ ولن يستكين الا بتحقيق هدفه في كنس الاحتلال واقامة دولته المستقلة كما كل شعوب هذه الأرض. وعندها سوف يعم الأمن والسلام على هذه البقعة من الأرض الطاهرة التي نعيش فيها منذ قرون من الزمن وكما يقول المثل: "من هالمراح ما في رواح"، هذا ما قرره الشعب الفلسطيني ولن يحيد عن هذا القرار الصحيح مهما تآمرتم عليه.

عرابة البطوف

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب