news-details

من يسلب حقا بالقتال كيف يحمي حقه يوما اذا الميزان مال| توفيق كناعنة

ان أي انسان عاقل وتهمه الحياة الكريمة كإنسان لا بد ان يشعر بالألم الشديد في مثل هذه السنة الصعبة التي مرت على شعبنا العربي الفلسطيني بشكل عام، والذي دفع أثمانا باهظة لا تُقدر من حياة هذا الشعب. وكذلك أقول ان الجماهير اليهودية داخل إسرائيل دفعت أيضا ثمنا غاليا، وهذا كله عمليا ناتج عن سياسة حكومة نتنياهو اليمينية والفاشية، هذه الحكومة التي تتميز بجنون العظمة ولذلك لا تفهم الا لغة القوة والانتقام والقتل والتدمير، وفي الواقع فإن سياستها الاجرامية هذه فاقت جميع حكومات إسرائيل السابقة في القتل والاجرام والتدمير.

يدّعي نتنياهو انه يخوض حربا وجودية، والحقيقة ان الخطر على وجود او عدم وجود أي دولة يتوقف على سلوك حكامها وسياستهم اتجاه جيرانها من الدول والشعوب، هل يتعاملون معها بحسن الجوار أم بأساليب الاستعلاء والحرب والتدمير؟ هذا هو عمليا السلوك الذي يمكن ان يقرر مستقبل هذه المنطقة التي نعيش فيها.

الحقيقة البارزة للعيان هي ان الخطر الوجودي على إسرائيل ليس من الخارج بل هو من الداخل، من سياسة حكام إسرائيل الحاليين الذين لا يفهمون لغة الحوار الإنساني مع الجيران، انهم يفهمون فقط لغة القوة، الحرب، القتل والدمار وليس لغة السلام الذي هو فقط يمكن ان يجلب السلم والأمن لشعوب هذه المنطقة من العالم، كما لا يجلبه الدعم الأمريكي والدعم من الدول الاستعمارية، بل فقط بالجنوح نحو السلام.

على هذه الأرض عاش وبنى وزرع شعب اسمه الشعب العربي الفلسطيني، لا اريد ان أقول منذ الاف السنين، بالرغم من كونها حقيقة تاريخية، بل اريد ان أقول انه يعيش هنا منذ اكثر من الفي عام، فبأي حق أخلاقي يُطرد من وطنه؟! كيف يمكن لشعب كهذا ان يبقى هادئا اذا لم ينل حقه في العيش في وطنه ويقيم دولته المستقلة؟! هل مثل لهذا الشعب ان يستكين بدون استرداد حقوقه المشروعة؟!

هنا يأتيني كلام الرفيق طيب الذكر توفيق زياد في قصيدته "كيف؟":

"إن من يسلب حقا في القتال – كيف يحمي حقه يوما اذا الميزان مال؟"

وها هو الميزان قد بدأ بالمَيل.

لا يوجد في التاريخ الإنساني القديم والحديث شعب أُحتلت أرضه وبقي صامتا، الا وثار ضد المحتل والمستعمر، وجميع شعوب الأرض ثارت وتحررت من المستعمر، وها هي بعض الدول التي كانت مستعمَرة بشكل مباشر من قبل الدول الاستعمارية، اليوم أيضا تخوض حربها العادلة ضد الاستعمار الاقتصادي والسياسي.

ان الاحتلال الوحيد المباشر الذي ما زال موجودا هو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان السوري المحتل وبعض الأراضي اللبنانية، وهذا كله نتيجة لسياسة حكام إسرائيل العدوانية.

ان الشعب العربي الفلسطيني مثله مثل باقي شعوب الأرض، لم ولن يهدأ او يستكين ولن يرتاح الا بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.

ان الأكثرية المطلقة من دول العالم تعترف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وتعترف بحل الدولتين، ومعظم الفصائل الفلسطينية وافقت على هذا الحل، وحتى حركة حماس في مرحلة ما وافقت على هذا الحل، عمليا هذا يُعتبر تنازل كبير من قِبل الشعب الفلسطيني.

في مقابل كل هذا، فان حكام إسرائيل يرفضون بعنجهية هذا الحل لأنهم لا يفهمون قراءة التاريخ، واكثر من ذلك، استمرارا في غبائهم، يسنون قانونا في البرلمان الإسرائيلي بمنع إقامة الدولة الفلسطينية. "أي هي قامت وقعدت من عندكو!"؟ من الذي فوّضكم ان تقرروا لشعب هو الأصل على هذه الأرض؟! إن مثل هذه القوانين مصيرها عاجلا ام اجلا مزبلة التاريخ.

يؤكد الواقع ان هذا الأسلوب الحربي والاستعلائي والانتقامي هو الخطر الوجودي على إسرائيل من حكام إسرائيل الحاليين أنفسهم، لأن سياسة الحرب والقتل والدمار لن تجلب لا سلاما ولا امنا ولن تعيد الاسرى. ألم يعد نتنياهو منذ بداية الحرب انه سيعيدهم؟ ها قد مرّ اكثر من سنة ولم يعودوا حتى الان بالرغم من اجراء عدة اتفاقيات لم تتم بسبب رفض نتنياهو.

يُسأل السؤال: خلال هذه الفترة كم قُتل من الجنود الإسرائيليين؟

لا أريد ان ابالغ، ألم يُقتل ضعف الأسرى؟ وهم ما زالوا بالأسر، وكل هذا بسبب عنجهية نتنياهو، ومثل ما بقول المثل "أبو ربيح ما ربح واللي معه ودّره". أليس هذا كله لإرضاء غرور وذات نتنياهو، وها هو أيضا بأنانية مبالغ فيها وعد بإعادة المهجرين الاسرائيليين الى مدنهم وقراهم، وشن حرب على لبنان من اجل هذا الهدف، وهنا يُسأل السؤال أيضا: كم من القتلى والجرحى سقطوا خلال شهر واكثر؟ هل أعادهم الى بيوتهم؟ هل يجب دفع مثل هذا الثمن من الدماء؟ أليس من الأفضل حقن الدماء ووقف هذه الحرب الاجرامية؟ الى متى يجب ان يظل الشعب الإسرائيلي يتقبّل مثل هذه السياسة لنتنياهو؟! وها هو اليوم يُقيل وزير الحرب إرضاء لذاتيّته.

ان من يعيش على الحراب، القتل والدمار حتى لو نجح في مرحلة معينة، فليس له مستقبل وهذه الدماء التي سالت ستلاحقه الى الابد.

كإنسان يؤلمني جدا ليس فقط كل طفل فلسطيني يُقتل، بل كل انسان يُقتل من شعبنا الفلسطيني ومن الشعب اللبناني ومن الشعب الإسرائيلي، واي انسان من جميع انحاء العالم، الذي يُقتل من اجل إرضاء رغبات مجرمي الحرب في عالمنا. وان الذين يتفوّقون في هذا الدور هم حكام الولايات والمتحدة وإسرائيل، ان نتنياهو يتشدّق بالقول ان حربه هذه هي بين "البربرية والحضارة" هل هذه هي الحضارة التي تصدّرونها للعالم؟! قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المستشفيات، المدارس، الجامعات وبيوت العبادة، هل هذه هي الحضارة؟! خلي مثل هاي الحضارة إلك ولحكومتك.

ان جميع هذه الاعمال التي ارتكبت بحق أهالي قطاع غزة والضفة الغربية هي فعلا جرائم حرب لم يعرفها التاريخ الإنساني لا في الماضي ولا في الحاضر الا في زمن هذه الحكومة الفاشية التي يرأسها نتنياهو. ان الذي جرى ويجري في غزة أكثر من كونه عمل بربري.

ان حكام إسرائيل الذين يعتمدون في تصرفاتهم وسياستهم على القوة والاساطير لن تجلب لهم أي امن او استقرار، فقط لغة الحوار بين طرفين متساويين هو الذي سيجلب السلام العادل لكلا الشعبين.

ان الشعب الفلسطيني يعتمد في نضاله العادل على قوة الحق في وطنه والعيش فيه بكرامة وحرية ولم ولن يقبل أوصياء عليه، في الماضي عاش الشعب الفلسطيني المكوّن من مختلف الديانات المسيحية، الإسلامية واليهودية جنبا الى جنب بمحبة وتآخي وحسن الجوار على مدى سنوات طويلة، حتى ظهور الحركة الصهيونية حيث خلقت الفِتن بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد، عندها بدأت عملية الصراع الذي خلقته هذه الحركة بدعم من الاستعمار البريطاني وبشكل خاص عندما اعطى وعده المشؤوم بلفور. اذ اعطى ما لا يملكه بل هو ملك شعب يعيش على ارضه منذ الاف السنين. وفي تلك الفترة اخترعت الحركة الصهيونية المقولة المزورّة بأنهم "شعب بلا أرض" جاؤوا الى "ارض بلا شعب"، هذه الاكذوبة التي لا تمت للحقيقة بصلة، اذ ان هذه الأرض لم تكن يوما خالية.

ان الذي يريد ان يعيش بدون عداء للآخرين، عليه من الضروري أولا الاعتراف بحق الاخر في هذا الوطن، ان الذي يعتدي على جيرانه ويحتل ارضهم ويقتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، هل مثل هذا يريد الجيرة الحسنة؟! ان مَن تغتال قادتهم، هل تتوقع ان يشكروك ويقولوا لك برافو، ام انهم سيحاولون العمل بالمثل؟ وبمثل هذه الأساليب سيستمر شلال الدم، وكل هذا من اجل اشباع رغبات نتنياهو وحكومته، ان هذا الأسلوب الاجرامي والاستعلائي على الاخرين هو الخطر بعينه، ليس فقط على إسرائيل بل على شعوب المنطقة كلها، وربما قد يؤدي الى خطر على العالم ككل.

سأستمر بالقول ان على الشعب في إسرائيل ان ينقذ نفسه من حكامه، وبهذا ينقذ المنطقة من الدمار الشامل الذي تحاول احداثه حكومة نتنياهو، وان يتخلص من كذب هذه الحكومة المستمر على الشعب في إسرائيل وفي العالم. نتنياهو يعد ولا يستطيع تنفيذ تلك الوعود، مثل وعد النصر المطلق وإعادة الاسرى وإعادة المهجرين، حتى متى يمكن ان يفهم الشعب في إسرائيل احابيل نتنياهو وها هي ما زالت مستمرة.

ان النصر المطلق لم ولن يحققه نتنياهو ولن يحقق حلمه وحلم حكومته بإبادة الشعب الفلسطيني او تهجيره من وطنه، لأن هذا الشعب تعلم الكثير من تجاربه السابقة، وهو لم ولن ييأس وسوف يستمر في كفاحه العادل حتى تحقيق حقه الطبيعي في إقامة دولته المستقلة وحقه في تقرير مصيره مهما طال الزمن، لأن الحق لا يموت ولا يسري عليه تقادم الزمن، فمن الأفضل ان تُقام دولة فلسطين بالاتفاق وليس بالمزيد من إراقة الدماء، لأنها حتما سوف تقوم شاء من شاء وأبى من أبى.

في النهاية خليني احلم بآخر هالعمر وأقول انه اذا أعاد حكام إسرائيل وحكام أمريكا العقل الى رؤوسهم وان تستفيق الشعوب العربية من سباتها عندها يمكن تحقيق السلام العادل ولكن فطنت ان نتنياهو ما ظل براسه عقل نتيجة ملاحقته بملفات الفساد، وهاي اجته قضية التسريبات الأمنية من اشخاص من مكتبه، وهاي على ذمة الذين يحققون فيها وانا ما بحط على ذمتي، والله ماني عارف شو أقول، الله يكون بعونه والا أقول لا يقيم عن بطنه شدّة.

مع كل هذا هناك الكثير من الناس الطيبين سيقولون لي خليك احلم، ويقولوا لي المثل الشعبي "يا طالب الدبس من قفا النمس". لكني سأبقى متفائلا لأن ثقتي بشعبي وبجميع القوى الخيّرة في هذا العالم كبيرة، ولهذا لم ولن ايأس وان غدا لناظره قريب.

 

عرابة البطوف

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب