news-details

واقع المجتمع الفلسطينيّ الغزّاوي في رواية "لم يكن موتًا" للكاتبة نعمة حسن| لبابة صبري

تعبّر رواية نعمة عن واقع المجتمع الفلسطينيّ الغزّاوي، منذ الانتفاضة الأولى وحتى يومنا هذا، وتتناول الرّواية حركة المجتمع الغزّاويّ عبر تدرّجها التاريخيّ، من خلال حركة أبطال الرّواية في الفضاء المجتمعيّ التاريخيّ حول القضية الفلسطينية في مراحل مختلفة؛ وإنّ لكلّ مرحلة نتاجها الخاص. مثلًا تتناول الرواية كيفية تعامل البطلة مريم مع كل مرحلة، وكيف تؤثّر عليها وتؤثّر فيها، وكيف تتطوّر القضية الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى إلى يومنا هذا مرورًا باتفاقية أوسلو، وذلك عبر نفسية البطلة مريم ووالدتها علياء. وهذا ما حاول دراسته الكاتب إلياس خوري في قصص غسّان كنفاني. ويعدّ اختيار الكاتبة للحدث والبطلة والبداية والنهاية عملية إبداعية للتعبير عن المجتمع الغزّاوي بمركّباته في مراحل مختلفة من خلال تفاصيل حياة البطلة مريم ووالدتها علياء.

 

 

/البطلة الضحيّة

قضت مريم حياتها في المخيّم لأب عاطل عن العمل وأمّ مكافحة تعمل من أجل لقمة عيش أولادها، كبرت مريم في ظلّ الانتفاضة الأولى وتزوّجت من منير المناضل والمطارد من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي، لم تهنأ مريم بزواجها حيث كان منير يأتي إلى البيت ويخرج منه خلسة، ولم تعش الحياة الزوجية التي كانت تتخيّلها. إلى أن استشهد منير في إحدى المناورات بين الشباب الفلسطينيين وجيش الاحتلال. وعادت مريم إلى بيت أهلها منكسرة وتم تسميتها بالأرملة وبقي هذا الاسم ملازمًا لها في معظم الرواية، مما ولّد لديها الإحباط والبؤس.

 

/البطلة البائسة

واجهت البطلة مريم مصيرها بكونها أرملة صراعًا مع أهلها ومجتمعها اللذين طالباها بأن لا تخرج من البيت وبأن تتزوج، فهذا هو الوضع الأفضل لامرأة أرملة، بالإضافة إلى الصراع الداخلي الذي عاشته مريم بينها وبين ذاتها. إنّ البطل المأساويّ في الدراسات الأدبية أمثال دراسة أحمد العشري هو من يختار أن يحقّق ذاته ويتحمّل مسؤولية هذا الاختيار، ويتحدّد مصيره كنتيجة حتميّة لهذا الاختيار، وهكذا فقد قرّرت مريم العودة إلى مقاعد الدّراسة لتحقيق ذاتها.

 

/البطلة المغتربة

تتمثّل الشخصيّة الاغترابية حسب تعريف الكاتب محمد كشيك في العجز عن مسايرة الواقع ومعاداة الخارج، والشعور الدائم بالاضطهاد، والقطيعة بين مكوّنات العالم الدّاخلي للشخصية وبين المكوّنات التي يفرضها المجتمع. يظهر المشهد الاغترابي لمريم في ذروته عندما حصلت على التفوّق في دراستها الجامعية وأخذت تطير وهي تحمل شهادتها عائدة إلى البيت لتشارك أهلها فرحتها، إلا أنها وجدت البيت فارغًا، لتحتفل بفرحتها وحدها مع الشهادة.

كما أشارت الكاتبة إلى قضاء مريم معظم وقتها وحيدة تؤنسها سجائرها، هذه الشخصيّة الانطوائية تفقد الانسجام مع من حولها، وتكون غربة مريم ذاتية ونفسية، وهذا لا يقتصر على مريم وحدها وإنّما أيضًا على المجتمع الفلسطيني في غزّة.

 

/البطلة المتمرّدة

لعلّ أبرز سمات الرواية العربية كانت تصوير كيفية ولادة التحدّي من رحم المعاناة والمأساة، وهذا ما وجدناه في شخصية البطلة مريم التي رفضت الرّضوخ لمطلب أخيها بالزواج من رضوان (أخ زوجها الشهيد)، وقرّرت العيش وحدها (في بيت زوجها الشهيد) بعد أن تزوّج أخوها أحمد من صديقتها سلوى، وقرّرت أيضًا لاحقًا متابعة دارستها في دولة المغرب. وأيضًا نجد قوة التحدّي لدى الشخصيّة علياء (أم مريم) التي تركت غزّة وتزوّجت من رجل الأعمال المصريّ عزيز.

 

/شخصيّات الرواية والمجتمع

تمثّل مريم الإنسان الغزّاوي الذي يحاول بكلّ مداركه وعواطفه وإرادته أن يحقّق ما يريد، إلا أنّه لا يستطيع ذلك، وبالتالي تعبّر الرواية عن المأساة التي يعيشها أهل غزة على الرّغم من المحاولات الكثيرة للعيش بأمان واستقرار.. لقد كانت مريم سجينة الموت.. حتى الحياة لم تُكتب لها عندما شارفت على تحقيق حلمها بحبّ جمال.. وكُتب عليها الموت.. وأيضًا علياء والدة مريم المرأة المناضلة والمكافحة، عندما أرادت العيش بأمان واستقرار مع زوجها المصرّي عزيز لقت حتفها..

وشخصية أحمد المناضل انتهى به الأمر لضابط في السلطة الوطنية الفلسطينية يسعى لإرضاء زوجته وشراء بيت العائلة من أخواته غير مكترث بأخته مريم الأرملة والحزينة على موت والدتها، حيث حاولت مواساة نفسها باللجوء إلى غرفة والدتها المتوفّاه في ذلك البيت..

تسعى الكاتبة إلى التعبير في الرّواية عن المرأة الغزّاوية بأنّها المرأة المناضلة، القويّة، المضحيّة، ذات الكرامة العالية والتي واجهت الصعاب في حياتها لينتهي بها الأمر إلى ملاقاة حتفها قبل تحقيق حلمها..

شخصية عزيز الذي يمثّل الموقف المصري القديم الذي حضن علياء وكان له موقف مشرّف ومصدر أمان لأهل غزة أكثر من الموقف المصري الجديد، والذي يتمثّل بشخصيّة جمال المتردّد الحاضر الغائب والذي لم يحتضن مريم إلا في نهاية الرواية وبعد فوات الأوان، كأنّ الموقف المصري اتجاه غزة متردّدًا خائبًا ومؤمّلًا في ذات الوقت.. لتنتهي الرواية باقتراب تحقيق حلم مريم ولكنّ موتها كان أسرع من ذلك، ووهبت قلبها إلى جمال، ليصبح قلب مصر ينبض بقلب غزّة.

 

/خلاصة

تعبّر الرّواية عن التغيّرات التي طرأت في بنية المجتمع الفلسطيني في غزة ما قبل وما بعد أوسلو، وكذلك تغيّرات الموقف المصري اتجاه غزة. وذلك من خلال شخصيّات الرّواية التي مثّلت فئات المجتمع الغزّاويّ، ومن خلال الصّور المتعدّدة لشخصيّة البطلة مريم، والتي تعبّر عن مكنونات المرأة الغزّاوية بأنّها المرأة القويّة المكافحة المناضلة المتمرّدة، وبنفس الوقت هي المرأة الضحيّة والبائسة والمغتربة.

 

/المراجع

زعرب، صبحيّة عودة (2005). جماليّات السرد في الخطاب الرّوائيّ. الأردن، عمّان: دار مجدلاوي. ص 35- 51.

خوري، إلياس (1972). البطل في قصص غسّان كنفاني. شؤون فلسطينية. عدد 13، ص 168.

العشري، أحمد (1992). البطل في مسرح الستينات. القاهرة: الهيئة المصرية العامّة. ص 63.

كشيك، محمد (1992). ملامح البطل المغترب. مجلة فصول، المجلّد 11، العدد 3. ص 298.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب