ترجمة: هاني سلوم
في خضمّ الاحتفالات الواسعة النطاق، بقيادة الإعلام الإسرائيليّ، على القتل الجماعيّ في بيروت، القتل الذي شمل حسن نصر الله، نشر أَلُوفْ بِنْ – محرّر "هآرتس" – مقاله الاحتفاليّ. أطلب الانتباه إلى الجملة المتعجرفة التالية: «في العام الأخير بيّنت إسرائيل أنّها مستعدّة لاستخدام القوّة بلا ضوابط، حتى ولو صرخوا "جينوسايد" وهدّدوا رؤساءها بالاعتقال وخفّضوا تصنيفها الائتمانيّ. في غزّة، فكّكت إسرائيل بمفردها قدرات حماس، نفقًا تلو النفق، وهي تتقدّم بخطًى شبيهة في الشمال، وبخاصّة من الجوّ.» ("هآرتس"، 29.9.2024). في ذات الوقت الذي تتعالى فيه النيران، ويرقد موتى كثيرون في الأزقّة المدمّرة في غزّة أو بيروت، ويصرخ الرعاع "انتصرنا"؛ ينضمّ إلى جوقة الصارخين المحلّلون والصحفيّون "المعتدلون" أيضًا.
ليس محرّر "هآرتس" هو من يعنيني. أنا على دراية بثقافته الضحلة وبحبّه للقوّة. أطلب الانتباه إليه كشيء يمثّل الإيديولوجيا المسيطرة في إسرائيل. قبل هذا المقال بأربع سنوات تمامًا، أقيمَ احتفال في حديقة البيت الأبيض، حيث وقف دونالد ترامب في الوسط، واحتفل الجميع هنا وفي واشنطن بـ "اتفاقيّات إبراهيم" التي استثنت الفلسطينيّين طبعًا. نفس المحرّر، ألوف بن، كتب في حينه:
«في نهاية الأمر، إنّ المصالح المشتركة بين إسرائيل وبين الولايات المتّحدة وحليفاتها من الدول العربيّة أقوى من إيديولوجيا دولة إسرائيل الكبرى، أو من التضامن العربيّ مع الفلسطينيّين. لقد أجبروا الإمارات المتّحدة والبحرين على الإعلان عن سلام مع إسرائيل وعلى إقامة علاقات كاملة في الملأ معها؛ كما أجبروا نتانياهو أن يتخلّى عن أنصار الضمّ و"الموالون لجبل الهيكل" من اليمين المتطرّف، وأن يعود إلى المسار الذي سلكه جميع أسلافه منذ عام 1973. بعضهم بتلهّف، وآخرون تحت الضغط، لكنّ النتيجة واحدة: التنازل عن أحلام العظَمة المسيحانيّة لصالح ترتيبات عمليّة على أرض الواقع تجعل من إسرائيل جارة مرغوبة. » (16.9.2020) هل قلت [عنه] سكران؟ نعم، لقد قصدت ذلك، ويجوز حتى تحت تأثير المخدرات. ها هم مخطّطو إبادة الكيان الفلسطينيّ يقفون في حديقة البيت الأبيض وهو يحتفل. هو يساوي بين مؤيّدي الفلسطينيّين في العالم العربيّ ("التضامن العربيّ مع الفلسطينيّين") وبين اليمين المتطرّف (أنصار الضمّ و"الموالون لجبل الهيكل")، فيحظى نتنياهو بلقب "المعتدل"، إذ هكذا قرّر الأميركيّون.
هذه أهمّ النقاط التي كتبتها في المقال "عميقًا في حضن الغرب"، عن اختفاء اليسار الإسرائيليّ. لاحظوا الفرح الأعمى. المحرّر الذي كتب "فكّكت إسرائيل بمفردها"، هو ذاته الذي هتف لإزالة الفلسطينيّين من الاحتفال في البيت الأبيض، بمساعدة البيت الأبيض. حسنًا، لقد حان الوقت لنذكّر أنفسنا: إسرائيل ليست بمفردها، ولم تفعل أي شيء بمفردها. لقد حاز نتنياهو على ائتلاف واسع جدًّا في مساره للقضاء على الشعب الفلسطينيّ، من إيتامار بن جفير إلى يائير جولان. لم يتنازل عن أيّ شيء. وَهْمُ "إسرائيل بمفردها" هو وهم السكران الذي لا يلاحظ أنّ هناك من يحمله من حزام بنطاله.
هذه بعض الأرقام التي يمكن لأيّ شخص، حتّى أنا، أن يجدها في الإنترنت. بلغت المساعدات الأمريكيّة السنويّة لإسرائيل عام 1969 834.8 مليون دولار، حيث شكلّ 30% منها فقط مساعدات عسكرية. بينما في العقد التالي، لغاية عام 1979، تضاعفت المساعدات وبلغت أكثر من 16 مليار دولار، لكن شكّل 71٪ منها مساعدات عسكرية. وتزايدت هذه المساعدات وانتفخت، وترجمتُها كانت اقتصاديّة داخل الولايات المتحدة. لغاية عام 2028، ستمنح الولايات المتحدة إسرائيل 38 مليار دولار. بالإضافة، لم يقتصر الأمر على الزيادات في هذه الميزانيّات فحسب، بل مُنعت إسرائيل من استخدام بعض هذه المساعدات العسكريّة لشراء أسلحة من شركاتها هي. هذه الأموال الضخمة تغادر العاصمة واشنطن وتمرَّر إلى الصناعات الحربيّة في الساحل الغربيّ [الأمريكيّ]. إسرائيل هي ضلع في تطوير هذه الصناعات – أيّ أنّها تستخدم كدعم ضخم للصناعات العسكريّة الأمريكيّة.
وباختصار، إنّ 28% من مجموع الميزانيّات العسكريّة التي تحوّلها الولايات المتّحدة إلى صناعاتها العسكريّة بواسطة كلّ الجيوش في العالم، تمرّ "عبر" إسرائيل. فالحرب اللا منتهية هنا تفيد الاقتصاد وتفيد اقتصاد الحرب الأمريكيّ. هذا هو السياق الحقيقيّ لـ "پاكس أميريكانا" [مفهوم "السلام الأمريكيّ"].
إنّ جنون العظَمة هذا يفتح الباب أمام نتنياهو ليحاول فرض "نظام جديد" تحت رعاية الولايات المتحدة. هو صحيح أنّ بيغن وشارون حاولا من قبله وفشلا، وكان الثمن باهظًا، لكنّ نتنياهو مقتنع بأنه سيتمكّن هذه المرة من القيام بذلك. لقد ضعفت سوريّا إلى حدّ كبير، والاتحاد السوفييتيّ لم يعد موجودًا، وهو يرغب في جرّ الولايات المتّحدة إلى حرب ضدّ إيران. الإسرائيليّون، من اليمين ومن اليسار، لم يفهموا قطّ هذا المنطق، منطق علاقة إسرائيل بالإمبرياليّة. إذ حتّى لو "نجح" نتنياهو في تحويل الفضاء المحيط بنا بأكمله إلى فضاء من عبيد لا يحميهم أيّ قانون دوليّ، وأصبحت إسرائيل السيّد نيابة عن السيّد الأكبر، لن تكون حياتنا آمنة. فالسيّد سيخاف دومًا من العبد؛ إذ ما من عبد يرغب في البقاء عبدًا. سيحاول العبد التحرّر دومًا. سوف يملي علينا السيّد حياة الخوف وسفك الدماء والفقر والأزمات الاقتصاديّة. لماذا يحتفلون؟ لأنهم عميان.