news-details

DNA العربيّة تحت قباب الاحتلال

في اللّحظة الّتي يطرح على مسامعي سؤال يعنى بالعلاقة الحميمية الحقيقية الوحيدة المكنونة بيني وبين العربيّة أتلعثم بصدقٍ، أقف مشدوهةً لا يرفّ لي رمش، ولا تنغلق على نفسها مقلة، لا أعرف تحديدًا ما الذّوق الّذي يعتريني حينما أصف طبيعة علاقتي الحتميّة بها، أأحب حركاتها المتراقصة المتمايلة على وقع أدبها؟ أم أذوب غرامًا في شعرها؟ أو يُسلّي فراغي الرّتيب نثرها؟ أو يميتني فك شيفرة نحوها؟ أو أنّي أتلذذ فعلًا بكلاسيكيتها؟ أو تطغى على عروقي حداثتها؟

لا أعرف... لا أملك إجابات تجزم وتضبط وتحدّد وتعرّف إطار هذا الحبّ الفتّان الفريد، هذا الوله العميق، وهذا التيه الغريق في بحورها، لم أتمكن بعد من اختيار احداثيات هذا الوجدان لا على محور الوقت ولا على رفيقه المكان، وقطعًا لن أفلح في ذلك.  

ولكنّني أعلم على أية حال منذ نعومة أظافري أنّ بمقدوري خطّ رسالة واضحة وجليّة وذات وقعٍ ما، لم يصادفني صداه بعد، أومن أنّي لم آتِ لأتمّم حضور شخصٍ آخر قُرّر له الغياب قسرًا من هوان الحياة عليه أو فارًّا بإرادته، وليست الوظيفة الملقاة على كاهلي هي أن أكون اليوم بالذات جمادًا... كرسيًّا، لوحًا أو أريكة يستريح عليها الحفاة، العراة عند الأرصفة... ويذعرني فعليًّا من أن أكون قلمًا، فلم ترَ عيني قلمًا لم يجف حبره أو تتكسّر في نهاية المطاف رصاصاته قطّ.

ومع ذلك فإنّ ادراكًا تمكن من أحشائي أنّي أمّ، أمّ لهذه اللغة الّتي حلمتُ أن ألفّها تحت جناحيّ القاصِريْن وأحلّق بها رغم محاولات القنص والصيد والاغتنام، وأنأى بها عند سطوح البسطاء، على رفّ الحمام العلويّ الّذي يملكونه، أحدّث العصافير عنّا وعن ولادتنا العسيرة للغة تحت ظلال الاحتلال، وآمرهم –أي العصافير البريئة الناعمة الصغيرة-التجذيف إلى بغداد ودمشق وبيروت ومصر وصنعاء، إلى أرض ميعادنا نحن، ليذهبوا بأرواحنا هناك ثمّ يأتوننا بساق قصب منقوش، محفور ومغمور بعربية لم نذق بعد ثمن حلاوتها. 

 

ولأنّ اللّغة في قاموسي الخاصّ هويّة ناطقة يحزنني أن أذنب بحقّها، يمقتني ألّا أتريّث عند معانيها، وأن أفتح ثغرةً بغير قصد ليقتحمني من خلالها الضعف والفتور. 

لذا كتبتُ لنفسي بيانًا، أقرأه في كلّ مناسبة، أعدّله قليلًا، أنمّقه قليلًا، أردّده تارةً وأرسمه كملامح حيفا تارةً أخرى، ولكنّ النّص الّذي يحتضنني دومًا حينما أنادي "العربية" وهو الّذي حفظته عن ظهر قلب، أنّني عهدتُ وألزمتُ جوارحي، أن أصونها، أتقنها وأمرّرها ما استطعت سبيلًا لئلّا تتلاشى وتندثر، مخافة أن يلملم أطفالي حروفها من ركام الأرض المغتصبة، وخشية أن يفتش أحفادي عن نقاطها في خريطة "ترامب-اسرائيلية" مختلسة.

أقول قولي هذا وقد كنتُ شاهدة على الهيمنة السياسية القبيحة الغليظة التي تسعى براثن سياسيّيها السّلطويين الصهاينة عبرها لاقتلاع حضورنا، وجودنا وكياننا عن بكرة أبيه.  

كنتُ صريعة البقاء في آخر مآرب الثبوت، في عصر الذبذبة والضبابية والجُبن، كان لي ولأبناء جيلي نصيب معاركة مقابح اليمين الصبياني النّهم، نتضرّع ونبتهل الصمود في وجههم المُميت، وحان اليوم وقت الرّد، لانتصار ال DNA تحت قصف في أخبية المحتلّين. 

فقُم و"سجّل أنا عربي..." ودوّن في موضع قوميتي "لُغتي".

أخبار ذات صلة