"تسقط بس" ليس مجرّد شعار للتظاهرات التي يقوم بها الشعب السوداني الجبّار ضد نظام حكم عمر البشير – زعيم السودان، المترّبع على العرش منذ نحو 30 سنة، بل هو مطلب وتمني معظم اللاجئين السودانيين المقيمين في إسرائيل، والذين لم تعترف اسرائيل الى يومنا هذا بحقهم في اللجوء.
فإذا كان هؤلاء الشباب الذين فرّوا من السودان، ومعظمهم من إقليم دارفور الذي شهد حربًا دامية شنتها ضده قوات الجيش السوداني، فهم يعلنون من تل أبيب أنهم على أهبّة الاستعداد للعودة الى وطنهم وبناء بلدهم والمساهمة في إحياء الديمقراطية فيه من جديد. فهم يرون أن اللجوء فُرض عليهم عنوة، لديهم عائلات وزوجات وأصدقاء وزملاء ينتظرون عودتهم لاستكمال حياتهم في الوطن الأم الذي تركوه مرغمين قبل أعوام، في رحلة اللجوء الصعبة عبر الصحاري والبراري.
"لا شيء يقف بوجه إرادة الشعوب" يقول اللاجئ السوداني معتصم علي، اللاجئ الوحيد الذي مُنح مكانة لاجئ في اسرائيل، والذي قدم عام 2012، مؤكدًا أنه ما إن يسقط نظام البشير سيعود الى السودان مباشرة. وهو أمر يتفق معه اللاجئ والي الدين سليمان، الذي يعتبر نفسه ناجيًا من الإبادة الجماعية في السودان وينتظر الاعتراف به كلاجئ، بل ويضيف "قد يعود ما نسبته نحو 90 بالمائة من اللاجئين السودانيين في إسرائيل، فالأسباب الرئيسة لمنع عودتهم هي النظام الحاكم"! ويؤكد "أنا أول الناس الذين سيعودون إلى السودان".
ويتابع: "لا يوجد مثل الوطن. لم أختر بنفسي أن أصبح لاجئًا، لكن هناك أسباب، من دوافعي على سبيل المثال الابادة الجماعية والتطهير العرقي والقمع السياسي، هي سبب تشردي ولجوئي".
ويضيف أن هناك عدد من اللاجئين السودانيين الذين فُقدت آثارهم عند عودتهم إلى الخرطوم، "عدد من الشباب فقدوا في مطار الخرطوم بعد عودتهم، من ضمنهم شخص اسمه رمضان وآخر اسمه محمد أحمد، عادوا في 2016 الى الخرطوم، وفي مطار الخرطوم عذبوه واتصلوا بأهله وقالوا لهم أن ابنك وقع من المبنى وهددوهم عند استلام الجثة. العديد من الشباب مفقودين، وأهلهم لا يعرفون أين هم اليوم. قسم منهم عادوا عبر جنوب السودان وفقدت آثارهم في الحرب الأهلية بجنوب السودان".
ويؤكد علي الذي يصر على التركيز في نضاله من البلاد على النضال السياسي أن مسقط رأسه – إقليم دارفور يمر بإبادة جماعية وتطهير عرقي منذ العام 2002، معتبرًا أنها مجموعات افريقية مضطهدة فقط لكونها افريقية، "أعتبر نفسي سودانيًا بامتياز. حكومة السودان تحاول بشكل أو بآخر أن تصف السودانيين من دارفور بأنهم غير سودانيين أو أجانب. أن البلد ليس لنا. لذلك استوردوا مليشيات من الدول المجاورة لتحل محل السودانيين أمثالنا. فأسرتي وأهلي يعيشون في مخيمات اللجوء لأنه تم استيطان أراضينا من قبل المليشيات المستوردة، عملية إحلال وإبدال".
النظام قضى على اقتصاد البلاد!
يستشهد والي الدين في حديثه عن اقتصاد البلد المهمش بكون السودان ثاني بلد من حيث انتاج النفط بعد جنوب إفريقيا في القارة. "هذه السنة 200 طن من الذهب، وهذا يكفي لتحسين اقتصاد السودان، لكن الصادرات غير الرسمية تفوق الـ200 طن من الذهب. هذه أموال منهوبة، تذهب للفساد ومليشيات النظام، هذه مليارات من الدولارات التي تكفي لانعاش الاقتصاد السوداني".
ويضيف معتصم علي بالتأكيد أن الأزمة الاقتصادية والغلاء ليسا السبب الرئيسي لخروج المحتجين، ويُضيف "حتى اذا فكرنا بشكل عميق لماذا انفصل جنوب السودان عن السودان؟ لماذا يوجد صراع لأنه هناك أزمة سياسية بامتياز. السودان كان بدون النفط أفضل بكثير مما هو عليه اليوم. لدينا موارد طبيعية وثروات حيوانية ولدينا القطن والصمغ العربي. السودان كان يعتبر سلة غذاء العالم"!
رغم أن السودان يقوم بتصدير ملايين من رؤوس الماشية بشكل سنوي لدول الجوار، عدا عن المنتجات الغذائية الأخرى، لا زال يعتبر بلدًا فقيرًا، "رغم الثروات الطبيعية ورغم كثرة المياه الشعب السوداني بالوضع الراهن هو من افقر الشعوب على مستوى العالم، لأن 76% من ميزانية البلد تذهب الى الأمن. فالتظاهرات اليوم هي نتاج طبيعي لسوء ادارة الموارد وأزمة سياسية قديمة العهد" يقول علي، معتبرًا أن نظام البشير ساهم بتعميق وتفاقم الأزمة.
فيما يعتبر والي الدين أنه وإن تعددت الأسباب فالنتا ج واحد، وإذا كانت العسكرة وفرض نظام ديني إسلاموي وتمويل ميليشيات ودفع جنوب السودان للانسلاخ عن السودان قد أدت الى الأزمة الاقتصادية، فإن الفساد هو السبب الأكبر "لأن 95% من ايرادات الدولة كانت تأتي من البترول والتي ذهبت الى جنوب السودان فولّدت أزمة اقتصادية أتت تبعاتها على جميع أنحاء البلاد من 2011، وطوال الوقت تسير الأمة السودانية في انهيار، انهيار العملة، الانكماش الاقتصادي، ورغم ذلك حتى اللحظة السودان (الشمال) ينتج ما لا يقل عن 175 ألف برميل من البترول يوميًا". لا زال الاقتصاد قائمًا لكن أساس الأزمة هو الفساد، فساد الاسلامويين السياسي، الذين ينادون بتطبيق الدولة الاسلامية ولكن لا توجد عدالة اجتماعية ولا عدالة على مستوى الدولة. كلهم ينهبون أموال السودان ويمشون فيستثمرون في ماليزيا وسويسرا والدول العربية. هناك رجال أعمال لديهم مليارات الدولارات في المصارف بالخارج ولا يستثمرون حتى القروش من الاموال التي ينهبونها داخل السودان".
سلمية سلمية حتى "يسقط بس"!
يرى علي أن الشعب السوداني لن يحمل السلاح بل يدعو الى سلمية النضال ضد حكم البشير، وأن الانتفاضات السابقة والثورات لم تكن مسلحة، ولكن كان لا بد من حمل السلاح في ثورة دارفور ويرى أن "الأسباب التي دفعت بنا نحن في دارفور وجبال النوبة لحمل السلاح، ليس لأننا نحب الموت أو لأن السلاح جميل، بل لأنه لا بديل عن الثورة المسلحة للتعبير عن أزمة حقيقية في البلد". ويردف قائلًا " ففي يوم من الأيام كان يقول البشير أنه جاء للسلطة بالقوة "وإن اردتموها فخذوها بالقوة"، وهذا أحد أسباب حملنا للسلاح، ولكن ليس بايمان قاطع لتغيير الحكم بالقوة، لأنها ستكون في حينه انقلابًا كالبشير".
يشدد والي الدين على الاختلاف الثقافي والهوية كسبب لقمع الدارفوريين، كونهم شعبًا إفريقيًا فرضت العربية والاسلام عليه، مؤكدًا "النظام قمع شعب دارفور، أراد أن يبيد هذا الشعب وجلب قبائل عربية للاستيطان في دارفور، ولا تزال الابادة الجماعية مستمرة في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وكلها مناطق تنتمي للقبائل الافريقية".
ويؤكد علي ووالي الدين أن نسبة الوعي اليوم في صفوف الشعب السوداني أكبر بكثير مما كانت عليه اليوم، وأن مخاض اقليم دارفور كان جزءًا من النضال العام لأجل رفع الوعي. فيقول علي "كنت أتوقع أنه في يوم من الأيام كل الشعب السوداني بمكوناته المختلفة أن يتفق على اسقاط البشير، فكانوا ربما في السابق ينظرون الى الدارفوريين كمتمردين خرجوا عن طاعة الحاكم. هكذا كان يروّج نظام البشير الى اليوم. لكن الشعب السوداني وعي جدًا لكل هذه المسائل".
الثورة تسير على المسار الصحيح، يقول والي الدين، ويؤكد أن محاولات التحريض ضد الدارفوريين والشيوعيين من قبل نظام البشير كأسباب للثورة الراهنة لن تفلح، "الحكومة تحاول تأجيج الصراع العنصري ضد شعب دارفور ليمنع الشعب السوداني عن التوحد لاسقاط النظام، ولكن الشعب السوداني واعٍ بما فيه الكفاية وتوّحد الشعب السوداني لأنه قرف الاسطوانة التي أطلقها النظام لتفريق الشعب. فهتف الناس "يا عنصري المغرور كل الشعب دارفور" ردًا على كلام النظام".
ويرى ان الاحتجاجات بدأت سلمية فهتف الشعب "سلمية سلمية ضد الحرامية"، لكن النظام السوداني واجههم بالرصاص الحي لقتل المتظاهرين والمدنيين العزل الذين واجهوا الرصاص بصدور عارية، وسقط أكثر من 50 شهدًا الى اليوم منذ بدء التظاهرات في 19 كانون الأول/ ديسمبر. وينوه الى أنه في مظاهرات 2013 الحكومة السودانية قتلت أكثر من مئتي شهيد، لكن "الثورة مستمرة والشعب مُصرّ على إسقاط النظام".
وردًا على أقوال البشير الذي اتهم الدارفوريين والشيوعيين بأنهم مندسين يقتلون المتظاهرين يقول علي: "من الغباء بل الغباء جدًا أنه رئيس، لكني ليس مستغربًا من نظام مثل البشير الخروج باتهام مندسين. ففي كل التظاهرات بالسودان ترفع الناس شعارات "سلمية" ويواجهون الرصاص بصدورهم العارية. القتلى هم اما أطفال أو شباب، أطباء، ولا يوجد منهم من حمل السلاح. السلاح بأيدي من؟ ان لم يكن من الشرطة أو الجيش اذا توجد مليشيات مسلحة بقرار من الحكومة السودانية".
ويؤكد أنه كان يتمنى لو يتواجد مع السودانيين في الشوارع متظاهرًا ضد البشير، ويقول إن اللاجئين السودانيين على تواصل دائم مع أقاربهم وزملائهم في السودان الذين يخرجون ويقودون العمل الثوري داخل السودان، ويعملون سويًا لإنجاح هذه الانتفاضة الشعبية ضد الحكم القمعي المستبد.
الاسلام السياسي هو الحل؟
يرى والي الدين أن التجربة السودانية اليوم هي مظاهرات خرجت ليس فقط ضد نظام قمعي بل أيضًا ضد النظام الاسلاموي الحاكم، "فالاسلام السياسي ليس متجذرا في السودان، القمع السياسي اخضع الناس وحكمهم بما يدعي انه الشريعة الاسلامية، وقد أجرى انتخابات في 2010 و 2015 لكنه قام بتزوير ارادة الشعب السوداني. الشعب وصل لمرحلة أنه لا صلة له بالدولة الاسلامية والشريعة وانما الناس باتت تعي وخصوصًا الجيل الراهن، لكل زيف ادعاءات النظام وقمعه. وصل الشعب السوداني بعد تراكم فترة 30 سنة لقناعة بأن حان وقت الثورة وإسقاط النظام".
يرى والي الدين ومعتصم أن الشباب القائم بالثورة يحمل الأمل بالتغيير الحقيقي وبناء دولة ديمقراطية، فهم يحلمون "بوطن جميل يسعنا جميعًا، لا عنصرية فيه، وطن ديمقراطي لا صبغة دينية له. لذلك البديل الذي سيأتي لا بد أن يكون بديلًا ديمقراطيًا يعترف بالتنوع الثقافي والديني والعرقي والسياسي بالدولة السودانية".
فيما يؤكد معتصم أن "التجارب القديمة، ثورتي 64 و 85 ودارفور 2002 وسبتمبر 2013 هي تجارب علمت الشعب السوداني أن التغيير المنشود هو تغيير النظام برمته. هل نحن نريد نظامًا اسلامويًا جديدًا يتبربع على عرش السودان؟ كلا نحن نتكلم عن نظام ديمقراطي ليبرالي حر فيه حرية تعبير. حتى الاسلامويين الذين حكموا السودان سيكونون جزءًا من تركيبة البلد بعد سقوط البشير. لأننا كسودانيين مع تاسيس نظام جديد لن نقصيهم عن البلد لأنهم جزء من دولة السودان. فليقدموا طرحهم في مساحة حرة. وإذا تقبلكم الشعب السوداني تفضلوا، ولكني واثق بأن الشعب السوداني لن يعيد تجربة الاسلاميين من جديد".
* فرفرة مذبوح ومحاولات التطبيع
ويصف معتصم أن محاولات البشير الأخيرة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة هي "فرفرة مذبوح وصل لأيامه الأخيرة" ليس إلا، مشيرًا الى أن اسرائيل لربما لعبت دور الوسيط في هذا الشأن. ولكن في المقابل هو لا يعارض التطبيع مع اسرائيل "بالنسبة لي لا يوجد مشكلة أن تكون علاقات للسودان مفتوحة مع كل الدول مبنية على تبادل مشترك ولكن لا يُمكن أن تُبنى العلاقات مع حكومة البشير غير الأخلاقية التي تُبيد شعبها".
ويُضيف "شخصيًا كمعتصم ابن الشعب السوداني، لا يضايقني كثيرًا محاولة البشير للتطبيع مع الولايات المتحدة أو قطر أو السعودية أو اسرائيل. فنحن نقاوم البشير بإرادتنا وإرادة الشعوب لا يُمكن أن تُقهر بأي حالٍ من الأحوال. فالتغيير حتمي بغض النظر عن محاولة البشير اصلاح علاقاته مع كل الدول".
وفي المقابل يرى والي الدين سليمان أن هناك علاقات بين مصر والسعودية والسلطة الفلسطينية مع اسرائيل لكنه يرفض التطبيع من باب القضاء على حقوق الشعب الفلسطيني ويؤكد "تطبيع السودان مع اسرائيل لا يعني القضاء على القضية الفلسطينية".
كلمة أخيرة...
يشكر معتصم علي صحيفة "الاتحاد" على منحه المساحة للتعبير عن رأيه ويوجه تحية إجلال وتقدير وتعاطف للجماهير السودانية المنتفضة: "وأقول لهم أن التغيير آت لا محالة، وبالضرورة أن تستمر الناس بنفس المنوال ونفس الحماسة والاندفاعة لتغيير النظام المستبد. فقد وصل مراحله الأخيرة".
ويضيف بتوجيه رسالة "للبشير وجماعته وأقولها باعتباري دارس للقانون، أنه من الأفضل للبشير أن يسلم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية فهو متهم وهناك مذكرة اعتقال دولية ضده. من الأفضل أن يسلم نفسه لأنه لو تغيّر بالقوة وبإرادة الشعب السوداني، وهذا ما يحصل، سيكون مصيره نفس مصير صدام أو القذافي، وأنا شخصيًا كمعتصم لا أرغب بأن تتلطخ أيدي الجماهير العريضة التي تنتفض بشكل سلمي بدماء ابن السودان أو أن يوصفوا كجماهير عنيفة تستخدم العنف ضد أحد المواطنين السودانيين"!