news-details

الحبّ في رواية "الحرب والسلام" للكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي

الحب، كلمة صغيرة تشمل نطاقًا واسعًا من المشاعر، هو أحد الموضوعات السائدة في عمل ليو تولستوي الروائي الملحمي في روايته "الحرب والسلام" (1869) هناك العديد من أشكال الحب الموضّحة في حياة شخصيات تولستوي، بدءًا من الحب الرومانسي الى الحب العائلي الى الحب الروحي. كل هذهِ الأنواع من الحب مهمة لتطوّر الرواية. ومع ذلك سنركِّز في هذا المقال على تطوّر الحب الرومانسي في هذا العمل الروائي. يُدَقّق المؤلف في الحب الرومانسي من خلال تطوير الحب الرومانسي لحياة شخصياته، بدءًا من الحب العاطفي الأول، والذي يمكن أن يختلط في كثير من الأحيان بالشهوة، الى ذلك الحب الودود والمريح والعميق الموجود بين الأزواج السعداء.

باتباع مسار قصة ناتاشا روستوف، يرى القارئ أنّ ناتاشا تقع في الحب وتخرج منه بشكلٍ مُتكَرِّر مثل أي فتاة صغيرة في يومنا هذا. تعتبر علاقتها مادة غنيّة للنقاشات الحماسية حول كيفية وصف تولستوي لهذا الحب العاطفي الأول والغامر. في وصف مشاعرها تجاه الأمير اندريه بولكونسكي لأمّها، صرحت ناتاشا "لكن أي شيء مثل هذا، مثل هذا.. لم أشعر بهِ من قبل". على أية حال، إنّ هذه المشاعر غير قادرة على تحمُّل الصعوبات التي قضتها العام الماضي بعيدًا ومحاولة أنا تولي كورجين لإغواء ناتاشا بعيدًا عن خطيبها وعائلتها. بجلب هذا التدفق الأول من الرومانسية المثير معه اندفاع الادرينالين من المشاعر الجديدة: السعادة القصوى والخوف من الرفض أو الخسارة.

على النقيض من السفينة الدّوارة التي تعيش فيها ناتاشا الحب، يطوِّر تولستوي الرومانسية بين نيكولاي روستوف وإبنة عمه سونيا. في بداية العمل يقدِّم للقارئ عائلة روستوف في يوم اسم ناتاشا ويحدد ديناميكيات العلاقة بين سونيا ونيكولاي والتي ستتبع مسارًا مشابهًا طوال مسار العمل. ينجذب نيكولاي الى ابنة عمّهِ ويهتم بها. لكن انجذابها إليهِ أكبر وأكثر ثباتًا من انجذابه لها، كما يظهر في مغازلاتِه لجولي كاراجين. تنذر هذه المغازلات والتخلّي عن سونيا من جانب نيكولاي برحيله عن حبهِ الصغير قليل الخبرة لسونيا لصالح حب أكثر نضجًا للأميرة ماريا بولكونسكي. وهذا التطوّر تدريجي، ولكن يمكن رؤيته حتى في تعاملاته المبكرة مع الأميرة: "بقدر ما كان مهتمًا شخصيًا، لم يكن نيكولاي من الممكن له أن يطلب شيئًا أفضل من أن تكون الأميرة زوجةً له... ولكن سونيا؟ ووعده؟" على مدار الرواية يعاني نيكولاي من مشاعره القديمة ووعده لسونيا، والتزاماتهِ تجاه عائلتهِ، ومفهوم المجتمع للرومانسية مع الأميرة، وحبه الحقيقي لماريا. وفي النهاية تمَّ حل صراعاته لأنه اختار الاستسلام لحبهِ والزواج منها.

يستخدم تولستوي خاتمته لإنهاء قصص حبهما.

هنا يرى المرء الأعمال الداخلية للزواج بين الزوجين: بيير وناتاشا ونيكولاي وماريا. قد لا تزال مشاعر عدم الأمان والخوف موجودة، كما هو موضّح في غيرة ناتاشا وقلق ماريا بشأن مظهرها، خاصةً في حالة الحمل. في ردود أزواجهن على هذهِ المخاوف، يرى القارئ طبيعة الحب السعيدة المريحة. نيكولاي يؤكِّد لزوجته، "ليس مَنْ نحب الوسامة، بل مَنْ نحبهم هم الوسيمون".

ويتلقّى بيير بعض الرضا والفرح من مطالب زوجته بوقته وحضوره. حالات عدم الأمان هذه تُستَشرف أيضًا من خلال الاتصال الموجود بين الفردين في كل زوجين، وهو اتصال يغذيهِ فهم أنّ الشريك هو امتداد ومكمّل للذات. وهذا الارتباط أوضحه المؤلف في وصفهِ للتفاعل بين الزوجين.

يرتكز حبّ نيكولاي لزوجته جزئيًا على روحانيتها العميقة والمؤثرة، والتي لا يمتلكها هو نفسه.

ناتاشا وبيير في تلك المرحلة من العلاقة بينهما عندما يعرفان بعضهما البعض بشكل وثيق لدرجة انهما قادران على إنهاء جمل بعضهما البعض، لمعرفة اين بدأت الفكرة وأين ستنتهي.

وقد حققّ كلا الزوجين التعاون أو التآزر المريح هو النتيجة من الزواج الصحي.

إنّ رواية "الحرب والسلام"، رغم متابعتها لتطوّر ونهاية حرب روسيا مع نابوليون، تدور بالتأكيد حول العلاقات الإنسانية، وأحد أنواع العلاقات هو الحب الرومانسي. ومن خلال تفاعل وتداخل شخصياته وأفكارهم، فإنّ ليو تولستوي يصف وقائع الحب. ومن الاندفاع الأول للحب العاطفي الى التأكيد المريح على الحب السعيد والمشاركة في الزواج، يقدّم تولستوي لقرائهِ النطاق الكامل للعاطفة المرتبطة بتيمة الحب.

Getting your Trinity Audio player ready...
أخبار ذات صلة