صدر حديثًا عن دار النَّشر في حيفا "كلُّ شيء" لصاحبها الاستاذ صالح عبَّاسي، كتاب بعنوان "حيفا بصمة حمراء" للباحث والمؤرِّخ الرَّفيق اسكندر عمل، حيث جاء في مقدِّمته التي كتبها د. خالد تركي: "..جديدٌ يضيف لمكتبتنا الوطنيَّة، إرثًا تاريخيًّا وثراءً نوعيًّا، ومرجعًا يوضع في كِنانة الشَّباب عن الذين وُلِدوا ليعلِّموهم "أنَّ الحياة كفاح" وعن الذين وُلِدوا ليصونوا "تراب الوطن" وعن الذين أنِسَت الأرض تحت أقدامهم وأنِسَت المنافي لشجون سمرهم ولحديثهم الشَّجيِّ، إذ علا صفوُهم وأصبحوا صفوة الرَّجال بعد أن رسب ثفل الذين تركوا القافلة تسير..".
يسرد لنا الكاتب في هذا الكتاب الكاشف، تاريخ حيفا منذ فترة باني "حيفا الجديدة" ظاهر العمر الزَّيدانيِّ، مرورًا بعصبة التَّحرُّر الوطنيِّ في فلسطين إلى فترة سقوط حيفا، بايدي العصابات الصَّهيونيَّة ونضال الشُّيوعيِّين في المدينة من أجل بقاء أهل حيفا في بلدهم وعدم النُّزوح، وفترة الحكم العسكريِّ حيث حاول رفاقنا إعادة بناء البيت الشُّيوعيِّ، وإعادة ثقة الجماهير العربيَّة الخارجة من النَّكبة يائسةً، بنفسها، حيث بدأ الحزب بإعادة بناء مؤسَّساته، الشَّبابيَّة لكرة القدم والإنشاد والثَّقافة، وقد كانت إعادة ثقة الجماهير بنفسها رافعة لتجديد النِّضال ضد الإحتلال وإعادة الحقوق لهذه الجماهير في وطنها، الذي لا وطن لها سواه..
وجاء في مقدِّمة الكتاب: "ولا يستوي الحديث عن تاريخ حيفا دون أن يُذكر الشَّيخ المجاهد والشَّهيد عزِّ الدَّين القسَّام، إمام وخطيب جامع الاستقلال في حيفا، ومأذون حيفا الشَّرعيُّ والأستاذ في المدرسة الإسلاميَّة التَّابعة للجمعيَّة الإسلاميَّة قسم الذُّكور "حيث أحدث قفزةً نوعيَّةً في النِّضال ضدَّ المستعمرين الإنكليز، وضدَّ الهجرة الصَّهيونيَّة إلى فلسطين، حيث وصل إلى قناعة..أنَّ الثَّورة المسلَّحة هي الوسيلة الوحيدة الكفيلة والقادرة على إنهاء الانتداب والحيلولة دون قيام دولة يهوديَّة في فلسطين، وكانت حوادث البُراق في أيلول 1928 قد دفعت الشَّيخ ورفاقه إلى الانتقال من مرحلة الدَّعوة والإعداد النَّفسيِّ إلى مرحلة العمل..".
كذلك يتطرَّق الكتاب للنِّداء الذي أصدره الشُّيوعيَّون يوم سقوط حيفا، داعيًا المواطنين "إنَّ مصلحة عرب حيفا وعرب فلسطين تحتِّم على سكَّان حيفا العرب الرُّجوع إلى مدينتهم إلى أعمالهم ومصالحهم..يجب أن لا ننخدع بتصريحات المأجورين الذين يستفيدون من مآسي الشَّعب العربيِّ والأمَّة لتثبيت أقدامهم وأقدام المستعمرين. لن ينقذ فلسطين خُدَّام الاستعمار وعملاؤه بل نضال سكَّانها المباشر في سبيل تحطيم قوى الاستعمار لأجل الحرِّيَّة والاستقلال والجلاء".
ويكتب ايضًا عن نشوء الحركة العمَّاليَّة في حيفا، كونها مدينة ساحليَّة فيها الميناء البحريُّ وخطُّ سكَّة الحديد، وتنظيم العمَّال في تنظيمات عمَّاليَّة مقابل نقابة العمَّال العبريِّين (الهستدروت)، حتَّى لا يكونوا لقمة بين أنياب المفترسين..
وقد جاء في المقدِّمة أيضًا: "يُغني هذا الكتاب الكاشف، ذاكرتنا، ويُثريها ويُرسِّخها فيها، ويُعيدُ إلينا أحداثًا سقطت منَّا سهوًا، كذلك يَكشف للذين يهوون النِّسيان الذين يعملون في العَلن والخفاء ليُقنعوا الآخرين أنَّ التَّاريخ قد بدأ من عندهم، أتانا استاذنا بهذه المرجعيَّة ليُأكِّدَ أنَّ رفاقنا، كانوا فاتحة كلِّ نضال وتحرُّكٍ، حيث عملوا بكلِّ ما أوتوا من قوَّة وتضحيات وإيثاريَّة، وبتواصل الليل بالنَّهار، في الكدِّ والنَّشاط والمثابرة في أرضٍ منكوبة، غابت غالبيَّة قياداتها عن السَّاحة بعد أن غلبها الارهاب والقتل والبطش والتَّخويف، حيث أراد لها الاحتلال أن تكون جرداء قاحلة من شعبها. يصعبُ عليَّ ان أتخيَّل بلادنا بدون الشُّيوعيِّين أو أن أرى شعبنا بدون وجود عصبة التَّحرُّر أو الحزب الشُّيوعيِّ أو ماذا كان سيحدث للغتنا العربيَّة، لغة آبائنا وأجدادنا بدون أدبيَّات حزبنا (الاتحاد، الجديد، الغد والدَّرب)..
مبارك ثمرة يراعك رفيقنا الحبيب، اسكندر عمل، والى مزيد من العطاء..