news-details

فنانون صينيون ومصريون يتحدّون الوباء بـ"سيمفونية سحابية" مشتركة

في وقت ينتشر فيه فيروس كورونا الجديد بعنف مخترقا الحدود ومعرضا أرواح الكثيرين للخطر، جاءت الموسيقى لتسافر عبر الزمان والمكان وتخفف الألم وتبعث الدفء في القلوب وتصبح مصدر إلهام للكثيرين.

فرغم آلاف الأميال التي تفصل بينهم، قام عازفون صينيون ومصريون متحدين هذه اللحظة الحرجة التي يجتاح فيه الفيروس العالم بعزف لموسيقى "مسيرة النصر" المشهورة عالمياً معا عبر طريقة خاصة تتمثل في "السيمفونية السحابية"، لتشجيع الناس على مواجهة المحنة بهذه السيمفونية الحماسية التي تدعو إلى الإصرار حتى النصر، وهو ما يبث الأمل في القدرة على دحر هذه الجائحة.

"كنت أعزف في منزلي؛ وعلى مسافة بعيدة، كان عازف البوق المصري يعزف في منزله. لكننا وجدنا أنه مهما اختلف الزمان والمكان، يمكننا تقاسم متعة التشارك معا عن طريق عزف الموسيقى"، هكذا قال يوان يي كبير عازفي البوق بدار أوبرا لياونينغ (أوركسترا لياونينغ السيمفوني)، الجانب الإبداعي لهذه "السيمفونية السحابية"، في تصريح لمراسل وكالة الأنباء الصينية ((شينخوا)) فيما كان مشهد العزف المشترك الذي تحقق قبل وقت غير بعيد يدور في مخيلته.

ومن جانبه، أشار تشو شين يو، نائب عميد دار أوبرا لياونينغ، إلى أن أوركسترا لياونينغ قدمت في العام الماضي عروضا في مصر تلبية لدعوة من الجانب المصري، وهو ما ساهم في ترسيخ جذور الصداقة مع نظيرتها في دار الأوبرا المصرية بالقاهرة. وبعد تفشي الفيروس، كان العلم بأن موسيقيي دار الأوبرا يعزفون الأعمال الفنية الإبداعية في المنزل هو الدافع الذي أطلق شرارة فكرة إقامة عزف مشترك لعمل موسيقى على الإنترنت.

وقال شي يويه ون المستشار الثقافي بالسفارة الصينية ومدير المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، وهو أحد المخططين الرئيسيين المسؤولين عن أعمال التنسيق المركزي لـ"السيمفونية السحابية"، "لدى علمنا بفكرة دار أوبرا لياونينغ، اقترحت اختيار عزف "مسيرة النصر" المعروفة في كل من الصين ومصر، ولاقي هذا الاقتراح قبولا على الفور".

فـ"مسيرة النصر" هي واحدة من أشهر المسيرات في العالم، وهي من "أوبرا عايدة" التي تعد من روائع عميد الأوبرا الإيطالية فيردي وتحكي قصة تعود أحداثها إلى عصر الفرعون المصري القديم. وإن اللحن الموسيقى لها حماسي وعالي النبرة ويتماشي مع إبراز البطولة المهيبة للجنود وهم عائدين منتصرين، ومن ثم فهي تتفق مع رغبة الناس الشديدة اليوم في التغلب على الجائحة.

وفي هذا الصدد، يرى مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية إن عزف هذه السيمفونية في الوقت الحالي يمكن أن يشكل مصدر إلهام لشعبي البلدين "للدعوة إلى التضامن والتعاون من أجل مكافحة الجائحة".

"مفتاح السيمفونية السحابية هو الإيقاع الأنيق والموحّد"، هكذا قال لي تشيو كبير العازفين في دار أوبرا لياونينغ الذي يمتهن الموسيقى منذ أكثر من 30 عاما، مضيفا "إنها المرة الأولى التي أشارك فيها في مثل هذه السيمفونية السحابية".

في الواقع يعد تسجيل المرء لسيمفونية وحده في المنزل تحديا كبيرا، وفي هذا الصدد ذكر لي تشيو، "عادة ما يكون للفرقة مايسترو يتولى عملية تنسيق العزف. ومن الصعب الالتزام بنفس لإيقاع بالضبط بدونه. ولهذا كثير منا أجرى محاولات التسجيل لسبع أو ثماني مرات".

وبدوره، قال شي يويه ون إن "العزف السحابي يعتمد بشكل أساسي على الاتصال عن بعد. وبما أن التصوير يتطلب تنسيقا للعديد من التفاصيل الفنية، فقد أجرينا الكثير من الاتصالات الهاتفية وتبادلنا العديد من الرسائل بالبريد الإلكتروني". ومع بلوغ فارق التوقيت بين مصر والصين ست ساعات، فغالبا ما تكون سرعة الإنترنت في القاهرة غير مستقرة، ما جعل المهمة أكثر صعوبة.

وبعد تحديد خطة التصوير، قام الموسيقيون الخمسة في دار الأوبرا المصرية على وجه السرعة بتسجيل العرض في منازلهم وإرسال المقاطع على الفور إلى المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، وتبادلوا التفاصيل فيما يتعلق بالصور ومقاطع الفيديو والترجمات.

وقال تشو شين يو إن فيديو "السيمفونية السحابية"، الذي استمر لمدة دقيقة واحدة وأربع وثلاثين ثانية فقط، استغرق الأمر لاختياره وتحديده وتسجيله وتعديله ما يقرب من نصف شهر. ونظرا لوجود العديد من الإصدارات المختلفة لـ"مسيرة النصر"، واختلاف مدة العزف في كل منها، لم يكن تحقيق درجة عالية من التوافق مسألة سهلة، "لقد سجلنا الفيديو مرارا، وقدمنا هذا العمل الكامل للجميع في النهاية".

وذكر مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية، في مقابلة أجراها معه مراسل ((شينخوا)) عبر البريد الإلكتروني، أن رغبة فناني البلدين فى العمل سويا لاستكمال هذا العزف الموسيقى المشترك وتجاوز كل صعوباته بروح الاتحاد والتعاون "تركت في نفسي أثرا عميقا".

لفت جيانغ هاي شنغ، رئيس فرقة عازفي الكمان الثانية بأوركسترا لياونينغ السيمفوني والذي شارك في عزف "السيمفونية السحابية"، إلى أن "مسيرة النصر" تحمل معنى جيدا للغاية. وبعد تحميل الأداء المشترك على الإنترنت، اتصل به العديد من زملائه في نفس مجال وقالوا له إن هذه السيمفونية المشتركة ذات مغزى كبير. "حتى ابنتي التي تدرس في ألمانيا أشادت بها وقالت إنها تأثرت للغاية بعد الاستماع إلى هذه السيمفونية الخاصة" هكذا ذكر جيانغ.

في 22 ابريل، بعد بث فيديو العزف الجماعي على الموقع الرسمي لدار الأوبرا المصرية والمركز الثقافي الصيني بالقاهرة، لاقي أصداء جيدة بشكل عام. وقال العديد من الجماهير إنه في الوقت الذي كان فيه أبناء هاتين الحضارتين العريقتين يكافحون جنبا إلى جنب للتصدي للجائحة، قدم موسيقيون من البلدين بحماسة هذا العمل، على نحو لم يسهم فقط في نقل الثقة والقوة إلى بعضهم البعض عبر الإنترنت، وإنما أيضا في إثراء الحياة الثقافية للجماهير أثناء التزامهم بالبقاء في المنزل. وترى وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم أن هذا الحدث هو تعبير ملموس عن روح التعاون والصداقة المخلصة بين الشعبين.

وشاطرها الرأي شي يويه ون، قائلا إنه "رغم بعد المسافة، لكننا نتقاسم السراء والضراء"، مضيفا أنه بعد تفشي المرض، تابعت الصين ومصر الوضع في كل منهما الأخرى لتقديم المساعدة والتغلب على الصعوبات معا، وهو ما يبزر متانة الصداقة طويلة الأمد التي تجمع بين الشعبين. وذكر مجدي صابر في ختام مقابلة ((شينخوا)) معه "كل التحية لمصر والصين!"

Getting your Trinity Audio player ready...
أخبار ذات صلة