بينما يتمادى رئيس حكومة اليمين ويصعّد الحرب والعدوان في كل حدب وصوب، ووسط التوحّش المنفلت في القتل والتدمير والتهجير والتجويع جنوبًا وشمالاً، وأمام سدّ كل أفق سياسي بالبارود والنيران والمقامرة بتوسيع رقعتهما وصولا إلى إيران، يأتي سياسيون إسرائيليون يوصَفون زيفًا وكذبًا بـ"المعارضين"، لا كي يحذروا من هذا الانحدار الانتحاري بل كي يهاجموا الحكومة على "ضعف" عدوانها الأخير على إيران.
وهؤلاء هم أنفسهم من يطالبون ويعملون - حسبما يصرّحون - من أجل تقصير عمر الحكومة. لكنهم يساهمون عمليًا مساهمة كبرى (ربما بـ أل التعريف) في إبقائها وتعزيز ركائزها. فمعظم المراقبين والمحللين غير المأسورين في شِباك ماكينة الدعاية الحربية يرَون ويعلنون أن نتنياهو يعمل أساسًا، أو بأوسع نطاق من اعتباراته على الأقل، للبقاء في السلطة قبل كل شيء. وهو يفعل هذا بتأجيج الحرب أكثر فأكثر وإفشال أي محاولة لوقفها لا بل حتى منع انفلاتها أكثر. وحين يلقى الدعم الكامل، ليس من مركبات ائتلافه الفاشية والرجعية والتوسعية فحسب، بل من أقطاب تلك "المعارضة"، فإن هؤلاء كأولئك يعملون في خدمة هدف رئيس الحكومة دون فرق بينهم.
سيكون من الفائض عن الحاجة محاججة سلوك المعارضة بالتسويغات والحجج الأخلاقية، فهم "متخففون" منها تمامًا كسائر الإجماع القومي الذي ما زال يتحرّك تحت وطأة نزعة الانتقام والعدوان والتدمير والتهجير وسفك الدم، دون أدنى حدّ من الرشد السياسي أو النظر أبعد من أنف الغطرسة. ولكن حتى بمعيار المصلحة المباشرة لهذه المعارضة في سياق ادعائها بذل الجهود لتغيير الحكومة، فإنها (المعارضة) ومعها مؤسسات مهيمنة في الاقتصاد والإعلام ناهيك عن الأمن، تُسمع انتقادات للحكومة – فهي تخدم مصلحة خصومها وتحمل مقاعدهم ونزعاتهم وخططهم على ظهرها المنحني الخانع أمام التقديس المهوّس والأحمق والإجرامي للحرب.