"هذا هو الوقت المناسب لتجسيد شعارنا "يا عمال اعالم اتحدوا" لإسقاط هذه الرأسمالية وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وكل أيار وعمالنا بخير"، يقول لنا النقابي جهاد عقل في مقابلة خاصة لـ "الاتحاد"، تناولت عددا من المحاور المتداخلة المتعلقة بالأوضاع الطبقية العمالية والسياسات الحكومية في ظل أزمة الكورونا.
الاتحاد: أدت جائحة كورونا والخطوات التي اتخذتها الحكومة في إثرها، من إغلاق لقطاعات كبيرة في سوق العمل، إلى أن تتجاوز البطالة حاجز المليون في البلاد؟ ما هي الآثار المباشرة لهذا الوضع على حياة القطاع الأكبر من الطبقة العاملة؟ وما هي الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة هذه الآثار، وما ما هي الخطوات التي يجب أن تتخذ من أجل صون حقوق هؤلاء العمال؟
جهاد عقل: أولًا، لا بد من توجيه التحية للطبقة العاملة بمناسبة الأول من أيار يوم العمال العالمي، يوم النضال والوحدة العمالية وأتمنى أن تحل هذه الذكرى في العام القادم والجميع بخير.
منذ تفشي جائحة كورونا، نشعر أننا نعيش في ظل حالة حرب "وهمية"، أي بلا قصف صاروخي ودمار ممتلكات وما شابه ذلك، وهذا ما قامت به الحكومة، من إضفاء حالة من الخوف، يرافقها نوع من منع التجول العسكري، والذي أُطلق عليه "الحجر المنزلي"، هذا ما قامت به الحكومة -الانتقالية- كخطوة قيل عنها مانعة. أوّل من تحمّل تبعات هذا المنع والحجر هم أبناء الطبقة العاملة، حيث أُغلقت أماكن العمل، وفرضت الحكومة على حوالي 30% من العاملين البقاء في البيت (وفق المعطيات الرسمية)، وإذا نظرنا بتمعن إلى هذه الشريحة نجد أنّ معظمها من العاملين في قطاع الخدمات (باستثناء شركات الطيران)، أي أنهم من أصحاب الدخل المتدني أو أجر الحد الأدنى -وبكلمات أدق: فقراء العمل. لقد سبق وأشرنا وقبل وصول جائحة كورونا، أن سياسة الحكومة الاقتصادية -الاجتماعية النيوليبرالية تُشكل خطرًا كبيرًا على الشرائح المُستضعفة من أبناء الطبقة العاملة خاصة، وأنّ "تفاخر" نتنياهو بأنّ نسبة البطالة في البلاد هي من أدنى النِسب في منظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية"، التي تنتمي لها الدولة، مؤكدين وبالأرقام بأن هذه المعطيات غير دقيقة، لأن هناك قطاع كبير ممن يعملون يعيشون في ظل "بطالة مقنّعة" لأنهم يعملون بوظائف جزئية، وبأجر متدني. هذا ما كشفت عنه أزمة كورونا، أكثر من مليون عاطل عن العمل ممن يتواجدون في البيت، أكثرهم من أصحاب الدخل المحدود، بل من فقراء العمل، ومخصصات البطالة ستزيد حالهم فقرًا بلا شك، لأنهم سيحصلون على نسبة محدودة من معدل أجرهم خلال العمل، وجميع المعطيات -بما في ذلك تحليلات خبراء حُراس النيوليبرالية -تؤكد لنا أن معظمهم سيفقدون مكان العمل، أي سيتحولون ضمن جيش العاطلين عن العمل الدائمين، وستنتهي فترة إمكانية حصولهم على مخصصات البطالة، أي سيبقون بلا دخل، وهذا يعني إدخالهم في دائرة الفقر المدقع، وزجّهم -بسبب السياسة الحكومية- في هاوية المعاناة والضائقة وربما المطاردة بسبب ديون كانوا اقترضوها معتمدين على سدادها من دخلهم من العمل. لذلك سيكون أثر هذه الخطوة على الطبقة العاملة قاتلًا وانتحاريًا لهم ولعائلاتهم.
الخطوات التي اتخذتها الحكومة لم تكن خطوات فيها حماية حقيقية لمصالح الطبقة العاملة، كل ما قامت به هو زجهم في دائرة البطالة، أي قيامها باقتناص حق لهم دفعوا مقابله لمؤسسة الضمان الاجتماعي -التأمين الوطني - لوقت الحاجة، ولم تهتم بتقديم بديل لهم، يتوافق مع الحلول التي تقترحها لدعم المُشغلين والمتمثلة بتقديم هبات وقروض وحتى أجور.
ولا نجد في حل حكومي مقترح حتى الآن لمنع إلحاق الضرر بحقوق العاملين من أبناء الطبقة العاملة، ليس فقط من هم في ضائقة البطالة، بل حتى لمن يواصلون العمل، مثل تخفيض ساعات العمل، وتعرضهم لخطر الفصل من العمل لاحقًا بسبب حالة الكساد والانكماش الاقتصادي الذي يتوقع أن يكون من نتائج هذه الأزمة، بل وهناك أصوات حكومية وخاصة تطالب بتقليص حقوقهم وإلغاء اتفاقيات عمل مثل تخفيض أجور وغيرها.
كنّا قد أكدنا أن هذه الحلول فيها ظُلم واعتداء على حقوق العاملين، والحل الصحيح كان يجب أن تُلزم الحكومة أصحاب العمل بدفع كامل الرواتب والمستحقات، وأن يؤمَّن ذلك من خلال الدعم الذي تقدمه الحكومة لأصحاب العمل، كما حدث في العديد من دول العالم.
أما بالنسبة للخطوات التي يجب أن تُتَخذ لصون حقوق أبناء الطبقة العاملة، ففي الواقع كان يجب أن يكون الحراك النقابي أكثر قوّة أمام قرارات الحكومة، وليس الدخول في حال ما يُسمى بـ"الصدمة"، أي أن تُقام جبهة نقابية تشمل جميع الاتحادات النقابية على مختلف مهنها، ومنظمات مجتمع مدني وأطر شعبية أخرى، وتضع خارطة طريق نضالية، مقابل الحلول التي فرضتها الحكومة، لفرض حل يحمي مصالح الطبقة العاملة، برأيي لم يَفت الأوان، ويجب أن تنهض النقابات حالًا لفرض حلول على الحكومة تحمي حاضر ومستقبل العاملين في البلاد.
الاتحاد: يتوقع أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه وحتى لو عاد السوق الى العمل بشكل جزئي لن يعود الكثير من العمال الى عملهم بسبب إمكانية أن الكثير من أماكن العمل لن تعيد فتح أبوابها وهذا معناه تعميق البطالة وتعميق الفقر والأضرار الاقتصادية ستدوم حتى بعد انتهاء الجائحة ومن سيتحمل عبء هذه الأضرار هم الطبقات الأكثر فقرًا... ما هي الخطوات الضرورية والملحّة التي يجب أن تُتخذ لمنع وضع من هذا النوع والمحافظة على حقوق هؤلاء العمال وضمان عدم تحميل هذه الطبقات المسحوقة عبء هذه الأضرار الاقتصادية الناتجة وسياسات التقشّف التي يمكن أن تتخذ؟
عقل: هناك من يعتقد -نقولها وبأسف -أنّ حالة الطوارئ التي فرضتها الحكومة، تفرض عليه تحمل "مسؤولية وطنية"، وهذا ما يُحاول الكثير من الخبراء تسويقه للرأي العام عبر وسائل إعلام بأكثرها مُجنّدَة في خدمة السياسة الحكومية، تخنق كل صوت آخر، من منطلق أن مصلحة البلاد والوطن تتطلب أن نقف صفًا واحدًا مع الحكومة وسياساتها لمواجهة جائحة كورونا، التي كما ذكرنا سابقًا بأن من يتحمل تبعاتها هم أبناء الطبقة العاملة، لقد شاهدنا الحملة الظالمة التي قام بها هؤلاء على نقابة المعلمين ورئيستها لمجرد وقوفها على حق نقابي ومطلب نقابي عادل، هذا المثال يؤكد لنا أن قوى الرأسمالية المتنفذة في الحكم، والداعمة بلا هوادة لسياسة الحكومة الاقتصادية -الاجتماعية، النيوليبرالية، لن تقف عند تنفيذ مآربها في تحميل أبناء الطبقة العاملة تبعات ونتائج أزمة كورونا، ومنها قضية الفصل من العمل وتقليص الأجور والحقوق الاجتماعية، بل حتى أصبحنا نسمع أصوات تُعد العدة لمطلب رفع الضرائب على الأجيرين ونهب حقوق لهم أنجزوها عبر طريق نضالي طويل.
بما أننا لا نتوقع أن تقوم الحكومة بوضع حلول تحمي الأضرار الفادحة التي لحقت وستلحق بأبناء الطبقة العاملة عامة والمُستضعفين منها خاصة من أصحاب الدخل المحدود، وممن يُصنَّفون ضمن "العمال الفقراء"، لذلك نعتقد أن على القيادات النقابية أولًا أن تخرج "من حالة الصدمة"، وأن تقوم بتوحيد قواها، بل والبدء بتجنيد الطبقة العاملة لخطوات نضالية كفاحية، تدعم موقفها، بفرض حلول فيها حماية حقيقية لمصالح الطبقة العاملة، ومثال على ذلك كان الصوت الوحيد الذي وضع هذا الحل هو الصوت الجبهوي، من خلال كتلتنا في النقابة العامة ورئيسها الرفيق دخيل حامد، الذي أطلق المطلب بضرورة التحرك من أجل وضع حلول تحمي العاملين ومنها المطلب الصادق بدفع كامل الراتب، ونضيف لذلك بما فيه كامل الحقوق والضمانات الاجتماعية.
لم يفت الوقت وبدون هذا التحرك النقابي القوي، نتوقع أن تتمادى الحكومة بفرض سياسات كارثية تكون تبعاتها خطيرة على مصالح الطبقة العاملة وعلى حقوقها عامة.
الاتحاد: من الواضح أن الحكومة تتجه الى تخفيف التقييدات شيئًا فشيئًا وهناك قطاعات يعاد افتتاحها والكثير من العمال يعودون الى العمل، لكن خطر كورونا لا زال قائمًا وتوقع تفجر التفشي لا زال واردًا... ما هي الخطوات العملية التي يجب اتخاذها في أماكن العمل لحماية هؤلاء العمال الذين يعودون الى العمل في هذه الظروف، والتي تضمن ألّا يُخيَّر العمال بين ضرورة عودتهم للعمل وبين إصابتهم بالعدوى؟
عقل: في هذا السؤال تكمن حقيقة واضحة، أن قضية تخفيف التقييدات التي نسمع عنها من خلال التصريحات الحكومية، لا تشمل قضية كيفية حماية العمال من خطر إصابتهم بهذه الجائحة، وكل ما نسمعه جملة وحيدة هي "مع الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة"، هل هناك من سيراقب تنفيذ هذه التوجيهات من قبل أصحاب العمل؟ هل يوجد مسار قانوني واضح وعقابي للمخالف من أصحاب العمل لهذه التوجيهات؟
هنا لا بد من العودة والتأكيد على ضرورة التدخل النقابي أمام الحكومة لتحديد المسار الواقي لصحة العامل، خاصة وأن الاتحادات النقابية العالمية رفعت صوتها قويًا أمام الحكومات في هذا الخصوص، تطالب بوضع الحلول التي تضمن صحة العمال فور عودتهم الى العمل، ورفع شعار خاص بهذا المجال بمناسبة الثامن والعشرون من نيسان الحالي، اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية مثل: "صحة العمال فوق الأرباح". لذلك ندعو وبقوة أنه لا بد من حراك نقابي يرافقه تجنيد شعبي لتأمين صحة العمال عند عودتهم للعمل من خطر الإصابة بهذا الفيروس ومن خطر تفشيه بين العمال في أماكن العمل.
الاتحاد: كان لجائحة كورونا أثر مباشر على الطبقة العاملة حول كل العالم...نسب بطالة عالية، عمال أساسيون يضطرون للذهاب للعمل رغم الأخطار الصحية؛ حتى في الأماكن التي ضربها الوباء بشدة وفرض عليها إغلاق كامل مثل إيطاليا ملايين العمال اضطروا للذهاب الى المصانع وأماكن العمل رغم الظروف الخطيرة، وشهدنا رغم هذه الظروف حول العالم إضرابات عمالية وعمل نقابي نضالي. ما الذي يمكن أن تحمله هذه الجائحة والآثار المترتبة عنها على مستوى الطبقة العاملة عالميًا، على مستوى وعيها لذاتها وضرورة تضامنها المشترك وضرورة تغيير هذا النظام الرأسمالي الذي يثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى أنه يرمي العمال تحت عجلات قطار الربح ودعم مصالح الشركات الكبرى؟
عقل: منذ انتشار هذه الجائحة تابعنا المعاناة التي تعرض لها أبناء الطبقة العاملة في أرجاء العالم، حيث ثبت أن من يدفع ثمن أرباح الرأسمالية هم أبناء الطبقة العاملة، فالـ ١٪ من سكان العالم ممن يسيطرون على ٩٩٪ من ثروات العالم، لن يفقدوا رغيف الخبز، أو يشعروا بالضائقة في ظل الحجر المنزلي، كما يحدث مع الـ٩٩٪ من سكان هذا العالم. بكلمات أخرى من تحمّل نتائج هذا الجائحة وآلامها أولاً هم أبناء الطبقة العاملة، فمنهم من عرّض حياته للخطر وواصل العمل بناء على أوامر الطوارئ الحكومية، ومنهم من اضطر للبقاء في الحجر المنزلي بلا مصدر دخل.
لفت نظرنا الحراك النقابي العالمي عامة، حيث أطلقت الاتحادات النقابية، مواقف مطالبة بعدم تحميل الطبقة العاملة تبعات وأضرار هذه الجائحة وضرورة حماية حقوق العاملين، واستطاعت اتحادات نقابية في الكثير من الدول ضمان مواصلة دفع أجور العاملين وحقوقهم كاملة، بينما تماهت اتحادات نقابية أخرى مع السياسات الحكومية، حيث تم إخراج العمال لعطلة قسرية أي للبطالة خاصة في معقل الرأسمالية الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
الاتحادات النقابية العالمية تواصل تحركها بهذا الخصوص ولفت نظرنا التصريح الأخير الصادر عن الاتحاد العالمي للنقابات العمالية، الذي صدر بخصوص القرارات الأخيرة للبنك الدولي وصندوق النقد، واصفًا إياها بأنها مجرد قرارات على ورق، لا تحمي مصالح الطبقة العاملة العالمية.
تتضارب المعطيات بالنسبة لنتائج جائحة كورونا وتأثيرها على الطبقة العاملة في العالم، فمنها من يتوقع فقدان أماكن عمل لحوالي ٢٠٠ مليون عاملة وعامل وآخر يتوقع أقل وآخر يتوقع ٢٥٠ مليونا، ويكفي أن نذكر هنا حالة توقف حركة السياحة، والتجارة والطيران، وصناعة الملابس وغيرها لنؤكد أن الأرقام ستكون أعلى من التوقعات أعلاه.
لذلك ما تقوم به الحركة النقابية العالمية من حراك، لا بد أن يبنى عليه عملية تشكيل وحدة نقابية عمالية عالمية نضالية وبأسرع وقت، وتجسيد شعار يا عمال العالم اتحدوا، هذه الوحدة التي تجسدت قبل ٧٥ عامًا عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي كان هدفها مواجهة النتائج الخطيرة التي خلفتها الحرب على أبناء الطبقة العاملة وحقوقهم، ووضع مسارات نضالية لحمايتها، خاصة وأننا نلمس أن هناك مناهضة قائمة الآن للسياسات الرأسمالية، والتي تصدر حتى عن بعض غلاة هذا الفكر، حيث أثبتت نتائج مواجهة جائحة كورونا فشل الجهاز الرأسمالي على الصعيدين الصحي والاقتصادي -الاجتماعي، لذلك من المفروض أن يكون الحراك النضالي النقابي المعتمد على وحدة الطبقة العاملة، برفع شعار إسقاط الرأسمالية وفشل سياساتها العولمية الاستغلالية وربيبتها من الشركات العولمية البغيضة.
وآخرًا، لا بد من التأكيد أن شعارنا "يا عمال اعالم اتحدوا" هو مدماك النضال العمالي لمواجهة الرأسمالية المتوحشة، وهذا هو الوقت المناسب لتجسيده لإسقاط هذه الرأسمالية وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وكل أيار وعمالنا بخير.
//ص: محطة فحص في القدس