يصبّ الأوّل من أيار واقعًا مستحدثًا علينا في ظلّ أزمة جائحة كورونا، وتتفشّى بيننا أكثر من العدوى، سياسة رأس المال الرثة العفنة والمجحفة، والتي تبحث بذريعة الجائحة عمّا يُنهل في خزائنها الجائعة المزيد من الأموال المنهوبة على حساب المسحوقين والمستضعفين، ممّا قد يشكّل أمامنا تحدّيًا أكبر يتفاقم مع كل التقييدات الملغومة الّتي بثّتها سموم الحكومة مستغلةً للعمال هنا في إسرائيل وكذلك العمال الفلسطينيين القادمين من الضفة والّذين يشاطروننا همّ العمل تحت منظومات التحكم الهرمية دون أن تأبه هذه المنظومات الإجرامية لمصائرهم ولا لتأمين صحّتهم.
في الأوّل من أيار تجري "الاتحاد" مقابلة خاصّة مع الرّفيق دخيل حامد رئيس دائرة تعميق المساواة في الهستدروت عن الجبهة والحزب الشيوعي، ليبعث بتحياته لعمّالنا في كلّ البقاع وليمدّنا ببعض المعلومات والمعطيات الّتي أسقطت علينا بصعوبتها عنوةً ودون أي إشارة مسبقة.
"الاتحاد": على شرف الأوّل من أيار يوم العمّال العالمي، ما الرّسالة الّتي تبعث بها إلى العمال وما الآليات الّتي عليهم أن يخوضوها لغرس الوعي في أذهانهم والمطالبة بحقوقهم الكاملة؟
حامد: هذه السنة نستقبل الأوّل من أيّار في ظروف صعبة للغاية، هذا اليوم الذي نرفع فيه، مطالب الطبقة العالمي، يوم أممي ووطني، ترفع فيه وتمتزج فيه المطالب الأممية والوطنية، ونرفع صوتنا من أجل تحسين شروط وظروف الأجر والعمل، وبالفعل إنّ رسالة الأوّل من أيار رسالة متجددة لم ولن تنتهي طالما بقي هنالك استغلال واحتكار وبقيت ما تسمى بالقيمة الزائدة، ونحنُ كحزب يمثل الطبقة العاملة، صحيح أنّنا نقول "عيد" الأوّل من أيار، ولكن الاحتفال بهذه المناسبة يأخذ طابعًا نضاليًا بالأساس وليس احتفاليًا.
رسالتنا في الأوّل من أيار، نحيي في البداية كل العاملات والعاملين ونطالب الحكومة ان تدفع لكل من تضرر 100% من راتبه، وليس فتات المائدة الذي يتكلم عنه رئيس الحكومة الرأسمالية اليمينية المتطرفة سياسيًا واقتصاديًا التي لا تمتلك برنامجًا متكاملًا لحل المشكلة كما حدث في العديد من دول العالم، إنّما تقوم بأشبه ما يكون إطفاء حرائق هنا وهنالك، وعندها برنامج للمس في القطاع العام، وليس صدفة ان يوجه العنصري الفاشي المستوطن سموتريتش كتابًا إلى وزير المالية يطلب فيه عدم دفع رسوم النقاهة والألبسة للعاملين وفي نفس الوقت يقيمون حكومة مؤلفة من 36 وزيرًا و 16 نائب وزير تكلف دافع الضرائب مليارات الشواقل.
نحن سنواجه كل هذه المشاريع، التي تهدف إلى ضرب مكتسبات الطبقة العاملة بسبب نضالات نخوضها منذ عشرات السنين، ولن نسمح بالمس بالاتفاقيات الجماعية ومن هنا أشير إلى أهمية تقوية العمل النقابي وزيادة عدد الفعالين من الرفاق والرفيقات وزيادة عدد المنتسبين كذلك في صفوف العمل النقابي.
وعلى شرف الأول من أيار أرى أنه لزامًا عليّ مشاركة العائلات الثكلى التي فقدت فلذات أكبادها في حوادث العمل والذين بلغ عددهم عام 2019، 87 عاملًا دفعوا حياتهم ثمنًا لإهمال الحكومة وعدم قيامها بتأدية دورها ومهامها بتفتيش المنشآت ومختلف الأمور الأخرى، ومنذ بداية سنة 2020 سقط 17 عاملًا في قطاعات مختلفة.
كلّ عام وعمالنا بألف خير، عاشت الأمميّة وعاش الأول من أيّار ويا عمّال العالم اتّحدوا!
"الاتحاد": أيّة تحدّيات فعلية تضعها هذه الأزمة أمام جموع العمال، ما بين إسرائيل وكذلك العمال الوافدين من الضفّة خاصة مع الشّروط الحكومية الجائرة الملحقة بتواجدهم هنا؟
حامد: الحكومة الرأسمالية النيو-ليبرالية استغلت أزمة كورونا لشن هجمة شرسة على جمهور العاملات والعاملين، ولضرب المكاسب التي اكتسبتها هذه الطبقة من خلال نضالات استمرّت عشرات السنين. ولا بدّ أن أرجع إلى الوراء، رسالة الأوّل من أيار كانت توفير 8 ساعات عمل، ضد الظلم والاجحاف والاستغلال، وتوفير 8 ساعات لراحة العامل و8 ساعات أخرى للنوم، وما نشهده في هذه الأيام هو هجمة شرسة على العمل المنظم، لصالح الخصخصة والعولمة وصالح رأس المال. أود الإشارة على سبيل المثال إلى أنّ الجمعيات اليمينية في إسرائيل وعندما أقول يمين يعني يقف على رأسها رئيس الحكومة الفاسد نتنياهو، تشن حملة على العمل المنظم، ولا تريد له أن يستمر، وهذا ليس صدفة، بل إنه نابع من فهمه للأمور وفلسفته المبنية على النيو-ليبرالية والخصخصة وإلغاء العمل المنظّم لصالح أعمال المقاولة.
لقد شهدنا هذه الفترة العديد من الأمور التي ذكرتها سابقًا، وفيما يخصّ العاملين، فنحن نعرف أنّه بسبب أزمة كورونا، حاليًا يوجد في البلاد ما يزيد عن مليون و150 ألف معطل عن العمل، وهذا معناه أكثر من 27%، معنى ذلك أن واحد من كلّ أربعة عمّال عاطل عن العمل، وهذه الأرقام لا تتطرق للمستقلين والمصالح الصغيرة وغير ذلك، وإذا أخذنا كل هؤلاء بالحسبان فيصل العدد إلى أكثر من مليون و700 ألف معطّل.
أمام هذا الوضع هنالك حتميّة لتوحيد القوى، وشن حملة مضادة ضد حملة الحكومة على جمهور وطبقة العاملين والشرائح الفقيرة والمستضعفة، وبلا شك فإننا عندما نتكلم عن هذه الأمور نعرف سلفًا أن وضع العامل العربي هو الأصعب. وبدون أدنى شك ان وضع اخوتنا العمال الفلسطينيين الذين يعملون من المناطق المحتلة والذين يعملون في إسرائيل وفي المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضعهم صعب جدًّا، والأغلبية الساحقة منهم يعملون في قطاع البناء، ويعملون في الزراعة والصناعة، ومجالات أخرى.
وحتّى لمّا بدأت أزمة كورونا تمّ التعامل مع فرع البناء على أنّه حيوي، ووعدت وزارة العمل الإسرائيلية واتحاد المقاولين بتشغيل العمال الفلسطينيين بظروف عمل معقولة ولائقة وتأمين المبيت لهم وتقديم الخدمات الطبية لهم، ولكن ما حصل زور وبهتان الوعود، فلم تؤمن لهم أماكن سكن، قسم كبير منهم كانوا يبيتون في ورشات البناء نفسها! دون توفر أدنى شروط الحياة الكريمة، والسكان الذين على مقربة من ورشات البناء كانوا يشتكون وتحدث في كثير من الحالات تدخلات من الشرطة، نعم لقد مرّوا درب الآلام. وحتّى عندما كان يشك صاحب العمل بوجود مصابين بفيروس كورونا، كانوا يقومون بأخذ العمال والقائهم عند الحواجز العسكرية، دون تقديم أدنى خدمة إنسانية وطبية لهم، معرضين حياتهم وحياة عائلاتهم للخطر.
وتقلص عدد العاملين إلى قرابة 45 ألف، وهنالك تقديرات أن العدد لا يتجاوز الـ10 آلاف. واتحاد المقاولين يقول أنّه يريد ارجاع العمال، ويتم الحديث هنا عن 67 ألف عامل. وغنيّ عن القول والاشارة إلى معاناة العامل الفلسطيني اليومية الذي يصل للعمل في إسرائيل خارجًا من بيته السّاعة الثانية صباحًا حتّى يعبر الحاجز متعرضًا عنده لتفتيش مهين ومسيء ومذل، وعمليًا يصل الى مكان العمال متعبًا ومرهقًا.
"الاتحاد": ما الدور الّذي تأخذه النقابات العمّالية على كاهلها لتجنّب مآثر الأزمة السّلبية على العمّال خاصّة مع تجاوز عدد المعطلين المليون و150 ألف معطل عن العمل؟
حامد: نحن من خلال وجودنا في الهستدروت ومن خلال الدائرة النقابية للحزب الشيوعي والجبهة عملنا وسنعمل قصارى جهدنا من أجل أن يحصل اخوتنا العمال الفلسطينيين على ما يستحقونه، وهذه معركة طويلة وليست سهلة ورغم ذلك سنستمر بتأديتها.
فيما يتعلق بالعمل بشكل عام نحن نؤكد مرارًا وتكرارًا على أهمية العمل المنظم وعلى أهمية زيادة عدد المنخرطين في العمل المنظم، ذلك لأنّ هذا بمثابة شبكة أمان لكل هؤلاء تحميهم من استغلال أصحاب العمل وحيتان رأس المال، على الأقل من خلال وجودهم في عمل منظم يضمنون الحصول على الحد الأدنى للأجر وباقي المستحقات كالنقاهة، والألبسة والعطل السنوية والمرضية وحقّ التقاعد والتعويضات ومخالف الأمور الأخرى، وهذه مهمة كبيرة.
في بعض الأحيان لا نرى الأمور بنفس منظار الهستدروت، ولكن من المهم الإشارة الى أن الهستدروت هي أكبر منظمة عمالية واجتماعية موجودة في إسرائيل وفيها ما يقارب 770 ألف عامل منظمين، والحكومة لا يروق لها هذا الأمر وتشن حملة على كل شيء يدعى عمل منظم، وعلى حق الإضراب.
"الاتحاد": كيف تشكّل الأزمة عائقًا أمام النساء بشكل خاصّ واللواتي يعانين من الأساس وبدون اسقاطات الجائحة من تمييز في قطاعات العمل المختلفة؟
حامد: بلا شك ان النساء العاملات يتعرضن لظلم وتمييز ويوجد فجوات في الرواتب بين الرجل والمرأة مقابل نفس العمل، وهذا أمر غير مفهوم، ولا يعقل أن يستمر. ومن خلال رؤيتنا لأمور ومن خلال موقفنا الطبقي، ومن خلال وجودي كرئيس لدائرة تعميق المساواة في الهستدروت وبالتنسيق مع زميلاتي ورفيقاتي في "نعمات" أود أن اشير الى العمل الكبير والجبار الذي تقمن به رفيقاتنا من خلال وجودهن في نعمات، الرفيقة ميسم جلجولي، ختام واكد، سمر سمارة ورهام أبو العسل. ومن خلال أيضًا رفاقي العاملين في العمل النقابي، جميل أبو راس، ماجد أبو يونس وكمال أبو أحمد، بالفعل يوجد نشاط كبير من أجل تحقيق برنامجنا ذالذي نؤمن به ونناضل من أجله وهو موضوع المساواة وموضوع المحافظة على الحقوق.
وبالعودة إلى العمال الفلسطينيين أريد أن أشير لجانب آخر كذلك، وهو أنّه عندما نتحدث عن العمّال يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّه من بين هؤلاء يوجد أكثر من1000 امرأة فلسطينية تعمل في إسرائيل، في الخدمات، المستشفيات وفي الزراعة ومختلف المجالات وهنّ أيضًا يتعرّضن للظلم والاستغلال ومعانتهن هي الأخرى كبيرة جدًّا.
المرأة تعاني من تمييز مضاعف وربما أكثر من ذلك، وعينيًا في ظل جائحة كورونا، استغلت الحكومة الجائحة واتخذت قرارات تعسفية بعكس القانون وقررت إحالة 7820 امرأة حوامل أو المستحقّات لإجازة ولادة، وحصلت للأسف الشديد على مصادقة من قبل وزارة العمل، ولا بد أشير للدور الايجابي والكبير جدًا الذي قامت وتقوم به رفيقتنا النائبة عايدة توما سليمان حيث توجهت للمحكمة العليا بهذا الشأن، وتم تجميد هذه الممارسة وحاليًا يجري الحديث عن تعويض بشكل تراجعي لكل النساء اللّواتي تضررن من القرارات التعسفية حيث أخرجن لإجازة بدون راتب، حتى دون الحصول على موافقة وزارة العمل في العديد من الحالات. وفي حديثها أمام المحكمة قالت النائبة عايدة توما سليمان، أنه لا يعقل للحكومة أن تضع نفسها فوق السلطة التشريعية وبالفعل قامت بعمل جبار فبوركت على عملها. ونفس الأمر ينطبق على الطواقم الطبية التي كانت موجودة في عزل صحي والمطالبة بدفع راتب بواقع 100%.