التربية والتعليم في المجتمع العربي – مقابلة مع شرف حسان | حاوره: شادي نصار
*قضايا التعليم في المجتمع العربي تشكّل تحدّيًا أكبر بتصاعد العنصرية وتكريس الشعور بالاغتراب عن المناهج*
الجائحة تسببت بكشف عورة سلك التربية والتعليم في إسرائيل وخصوصًا عدم جهوزية المدارس في التعامل مع حالات الطوارئ، انّ عدم جهوزية المدارس لاستقبال طلابنا وضمان الاستمرار في البرنامج التعليمي في ظل الجائحة أنتج شعورًا بعدم الثقة لدى الطلاب والأهالي تجاه سلك التربية والتعليم ككل، عدم الجهوزية برز خصوصًا من خلال الفقر في أدوات التعليم عن بعد وخصوصًا الحواسيب. وهنا ينبغي التشديد على أن نصف الطلاب العرب على الأقل لم يشاركوا في التعليم عن بعد بسبب عدم توفر الإمكانيات المساعدة.
منذ تأسيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي ولغاية اليوم، كان التركيز على النضال بهدف التأثير على سياسة وزارة المعارف. تم تحقيق انجازات مهمة على مستوى الموارد ومحاربة التمييز، حيث حقق قسم من هذه الانجازات بعد نضال قضائي وبالتعاون ما بين لجنة متابعة التعليم ومنظمات حقوقية مختلفة. رغم هذه الانجازات الا ان الطريق للمساواة ما زالت طويلة. ومنذ المؤتمر الثاني للتعليم العربي تم بلورة المطالب المتعلقة بمضامين التعليم وبنيته، فتم في منتصف التسعينيات صياغة أهداف خاصة بالتعليم العربي وجرى تطويرها وتوسيعها مؤخرًا، وتم مناقشة مناهج التعليم في مواضيع مختلفة واقتراح مناهج بديلة. بالإضافة الى لجنة متابعة التعليم العربي، ومع نمو منظمات المجتمع المدني برزت فعاليات مختلفة لا منهجية موجهة بالأساس للأجيال الشابة. هذه الفعاليات، انضمت الى بعض النشاطات للأحزاب المختلفة موجهة للأطفال والشباب.
الوضع السياسي الراهن يفرض علينا تحديات جديدة وصعبة تحتم علينا تصعيد النضال ضد سياسة الحكومة. لقد استطاعت لجنة المتابعة وبالتعاون مع أطر مختلفة وناشطين في المجال التربوي ومنهم أكاديميون عرب وجمعيات وأطر مختلفة فرض تحديات مهمة لمواجهة الهيمنة والمؤسسة الحاكمة كتأسيس المجلس التربوي العربي بعد رفضها التجاوب مع مطلب إقامة سكرتارية تربوية للتعليم العربي ومنح استقلالية للتعليم العربي في البلاد، ووضع المناهج البديلة وصياغة اهداف التعليم العربي وكتابة مواد تربوية بديلة إلى جانب معالجة مئات القضايا المتعلقة بالحقوق اليومية والتصدي لمخططات عديدة متعلقة بفرض مضامين تشوه هويتنا وتاريخنا. الإيجابي في الأمر هو عدم الاكتفاء برد الفعل بل كان هناك مبادرات وتطوير دائم لأساليب النضال رغم الصعوبات الكثيرة في الطريق.
قامت صحيفة "الاتحاد" بمحاورة رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي الرفيق شرف حسان حول التحديات الأساسية التي تواجه التعليم العربي، وقد تحدث حسان حول التحديات الحالية والتحديات الجوهرية، وقد تطرق حسان لأسباب هذه التحديات، آثارها والمسؤوليات التي على الأطر المسؤولة أن تتحملها من أجل مواجهة هذه التحديات.
"الاتحاد": كيف واجهت المدارس العربية آثار أزمة الكورونا وما هو المتوقع للسنة القادمة؟
حسان: من الممكن ان تستمر جائحة كورونا حتّى السنة القادمة والكارثة الكبرى هي ان الوزارة لم تعطِ الى حد الآن الأدوات المناسبة للمدارس من أجل التعامل مع هذه الظروف. لا شكّ أن الجائحة تسببت بكشف عورة سلك التربية والتعليم في إسرائيل وخصوصًا عدم جهوزية المدارس في التعامل مع حالات الطوارئ، انّ عدم جهوزية المدارس لاستقبال طلابنا وضمان الاستمرار في البرنامج التعليمي في ظل الجائحة أنتج شعورًا بعدم الثقة لدى الطلاب والأهالي تجاه سلك التربية والتعليم ككل، عدم الجهوزية برز خصوصًا من خلال الفقر في أدوات التعليم عن بعد وخصوصًا الحواسيب. وهنا ينبغي التشديد على أن نصف الطلاب العرب على الأقل لم يشاركوا في التعليم عن بعد بسبب عدم توفر الإمكانيات المساعدة.
"الاتحاد": هذا وضع يأتي مضافًا الى وجود فجوة كبيرة بالموارد ما بين التعليم اليهودي والتعليم العربي.
حسان: نسبة الإنفاق على الطالب العربي، هي بمعدل ربع ما يحصل عليه الطالب اليهودي من ميزانيات، ليس فقط أن الفجوات بين نتائج الطلاب العرب واليهود لم تتقلص، وإنما زادت بوتيرة مستمرة، وهذا دليل أن كل الحديث عن سياسة تقليص الفجوات ليس له رصيد.
إنّ الفجوات في الإنفاق وتوفير الموارد واضحة جدًا ما بين الطلاب اليهود والطلاب العرب، انّ هذا التفاوت العنصري في الاستثمار يضع التعليم العربي في حالة من الضعف الجديد أمام أي تحدٍ آخر، هناك نقص واضح في غرف التدريس والمشاريع والبنى التحتية التعليمية، النقص الأصعب هو في النقب وخصوصًا في القرى غير المعترف بها. انّ الصعوبة هناك تبرز عبر النقص في المواصلات وفي عملية تجهيز البنى التحتية للمدارس والمنشآت التعليمية، الطالب اليهودي يستلم اليوم أكثر من الطالب العربي بآلاف الشواكل، هذه المقارنة هي بين الطلاب العرب واليهود الموجودين في نفس المجموعة الاقتصادية أي ان الدولة تعطي الطالب العربي أقل بكثير من الطالب اليهودي الموجود بنفي الفئة الاقتصادية الى جانب دور المجتمع المدني وصناديق الدعم اليهودية التي لا وجود لمثلها في المجتمع العربي.
"الاتحاد": ماذا بشأن تواصل فرض مضامين تعليم لا تلبي حاجة مجتمعنا العربي؟
حسان: نضال الأقلية الفلسطينية في البلاد من أجل نيل حقوقها الكاملة في مجال التربية والتعليم ان كان ذلك على صعيد الموارد او على صعيد المضامين والاستقلالية التربوية ليس بجديد، وتشهد على ذلك قرارات الفصل بحق معلمين شيوعيين ووطنيين ايام الحكم العسكري. ولكن منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وبعد ما أنتجه يوم الأرض الأول من حراك واسع داخل مجتمعنا العربي، هناك نقلة نوعية في النضال على الصعيد التربوي الذي استطاع تسجيل انجازات لا يستهان بها ساهمت في تطوير مستوى التعليم في مدارسنا العربية. ففي 17 ايار 1980 عقدت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في الناصرة مؤتمر التعليم العربي الأول الذي ناقش الوضع المزري والتمييز ضد التعليم العربي وعلى رأسها مشاكل البنى التحتية، والغرف المستأجرة.
مناهج التعليم إلى حد الآن لا تلبي حاجة مجتمعنا العربي وخصوصًا في مواضيع الهوية والانتماء، في السنوات الأخيرة مناهج التعليم تتخذ أيضا منحى ضيّق فهي غير متقبلة للانفتاح، وهذا يصعب على مجتمعنا وعلى وضع التعليم فيه. انّ هذه المضامين المنقوصة تشكل اغترابًا حقيقيًا ما بين الطلاب والمعلمين وما بين المضامين التي يتم تمريرها.
"الاتحاد": كيف ترون العلقة ما بين خطورة العنف والتسرّب الخفي من التعليم؟
حسان: انّ العنف الذي يعصف في مجتمعنا العربي يوقع بطلابنا وشبابنا كضحية مركزية لهذا الخطر، العنف هو سبب مباشر في خطر التسرّب الخفي الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا على طلابنا، التسرب الخفي هو التسرب الذي لا يتم مراقبته وملاحقته من قبل الهيئات المسؤولة.
الطلاب الموجودون في ضائقة اقتصادية، نفسية واجتماعية هم أقرب إلى موضوع الجريمة، وهذه الظروف تجعل من طلابنا ضحية لخطر التسرب العلني والسري من المدارس.
انّ الضحية الأكبر للفجوات الاقتصادية ولفجوات الموارد هي الشرائح المسحوقة في المجتمع، وبنفس الوقت فانّ الشرائح المسحوقة العربية تواجه هل الأخرى تمييزًا أكبر مقارنة بالشرائح المسحوقة اليهودية وخصوصًا على نطاق التربية والتعليم.
الشرائح المسحوقة تشمل ثلثي الطلاب العرب، هؤلاء هم من يدفعون الثمن غاليًا وخصوصًا أمام فشل الحكومة في طرح خطة اشفاء حقيقية تعالج الأضرار التي نتجت ولا زالت تنتج، انّ معالجة هذه الفجوات يجب أن يكون مع الأجيال الصغيرة وفي فترات مبكرة داخل المدارس الابتدائية.