لن تخفّ سريعًا قوّة تصريحات الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي تامير باردو لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، عن أن إسرائيل تطبّق نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في الضفة الغربية المحتلة. تكمن قوّة هذه التصريحات في أنها تشكّل لائحة اتهام لمجمل السياسة الرسمية، وقد خرجت من قلب المؤسسة الإسرائيلية بالذات.
فحين أسمت منظمات حقوق إنسان النظام الإسرائيليّ باسمه، أي نظام أبارتهايد، ثارت ثائرة مختلف الأوساط الإسرائيلية، من سياسيين وأمنيّين واعلاميين، لكن هؤلاء صمتوا جميعًا الآن أو لم ينبسوا سوى بصوصأة خافتة.. فالمتحدث ليس أحد المتّهمين كذبًا بـ" اللاساميّة" بل رئيس سابق للجهاز الذي يُعتبر "درّة التاج" في العقلية الأمنية الإسرائيليّة، رسميًا وشعبيًا.
حين قالت بتسيلم: "هذه منطقة جيوسياسية واحدة تحكمها حكومة واحدة. هذه ليست ديمقراطية بجانب احتلال. هذا أبرتهايد بين النهر والبحر"، ردّ المسؤولون الإسرائيليون بفظاظة وفجاجة، مثل القنصلية العامة الإسرائيلية في نيويورك، التي اعتبرت موقف منظمة حقوق الإنسان "أداة أخرى لهم للترويج لأجندتهم السياسية التي تستند إلى وجهة نظر أيديولوجية مشوهة".
باردو، الذي شغل منصبه بين الأعوام 2011 و2016 قال حرفيًا: "ثمة دولة فصل عنصري هنا. إن الدولة التي يخضع فيها شعبان إلى نظامين قانونيين هي دولة فصل عنصري بامتياز". وهو ما سبق أن قالته منظمة العفو الدولية عن تقريرها الذي "يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل. وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج. وقد تبين لنا أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري. ومن واجب المجتمع الدولي التصرف".
الفرق بين الموقفين طبعًا هو أن رئيس الموساد السابق لم يشمل الفلسطينيين في إسرائيل ضمن تعريفه النظامَ بالأبرتهايد، بينما المنظمات المذكورة أكدت ذلك. لكنه يقول بوضوح "إن الدولة التي يخضع فيها شعبان إلى نظامين قانونيين هي دولة فصل عنصري بامتياز". جماهيرنا العربية الفلسطينية جزء من شعبها "ومأساتها التي تحيا، نصيبها من مآسيه".. تختلف ظروفها نعم، لكنها ضحية لنفس السياسة الصهيونية الجوهرية العميقة.. سياسة الفصل العنصري بكل معنى الكلمة؛ والتي لم يعد بوسع جميع الأكاذيب والخدع سترَها.