في التاسع عشر من شهر كانون الاول الحالي انتهت مدة التهدئة او الهدنة وفق اتفاق بين حركة حماس وحكومة الاحتلال الاسرائيلي من خلال الوساطة المصرية والتي استمرت تسعة اشهر. وكان الهدف من هذه "الاتفاقية" الشفهية الممهورة بكفالة مصرية ضمان هدوء نسبي على الحدود بين اسرائيل وحماس والجهاد الاسلامي في قطاع غزة، هدوء يخلق مناخا للاستقرار وظروفا افضل لتجسيد معادلة مبنية على وقف اطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة واطلاق سراح الاسير الاسرائيلي شليط مقابل التزام المحتل الاسرائيلي، او هكذا كان متوخى من الطرف الفلسطيني، ان يجري تخفيف القيود عن حركة المواطنين الفلسطينيين بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. رفع الحصار الهمجي الاقتصادي – التجويعي الاسرائيلي عن قطاع غزة وفتح المعابر المقفلة بين اسرائيل والقطاع ومعبر رفح على الحدود الغزاوية الفلسطينية مع مصر لضمان حرية التجارة ودخول وخروج البضائع والادوية الطبية والاغذية والمحروقات من بنزين وسولر وكاز وكهرباء واطلاق سراح اسرى حرية فلسطينيين من غياهب السجون الاسرائيلية، وان تساعد حالة الهدنة ووقف اطلاق النار من وكر العدوان الاسرائيلي على تحسين الاوضاع الاقتصادية – المعيشية المتدهورة والكارثية في قطاع غزة. اما انصار الحق الوطني الشرعي الفلسطيني بالتحرر والدولة والقدس والعودة فقد تأملوا بان تخلق فترة الهدنة ظروفا مناسبة ليس فقط لكبح العدوان الاجرامي للمحتل الاسرائيلي ورفع الحصار الوحشي عن قطاع غزة بل كذلك والى جانب ذلك استغلال فرصة الهدنة لاعادة ترتيب البيت الفلسطيني، اعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية، خاصة بين فتح وحماس، وبان تتراجع حماس عن غيها وممارساتها غير الشرعية باحتكار غير شرعي للسلطة في قطاع غزة والعمل على انجاح الحوار الفلسطيني – الفلسطيني لبلورة وفاق وطني وحكومة وحدة وفاق وطني مسلحة ببرنامج متفق عليه مدلوله السياسي التمسك بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية واعادة تفعيل دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني في المناطق المحتلة وفي جميع اماكن الشتات الفلسطيني القسري في مختلف بلدان العالم وفي مخيمات اللجوء واللاجئين في لبنان وسوريا والاردن ومصر وغيرها – فإنها والانقسام المأساوي اقليميا بين الضفة والقطاع واعادة الوحدة الاقليمية للمناطق المحتلة ومهرها بالوحدة الوطنية هو حاجة مصيرية لا غنى عنهما في المعركة المصيرية للتخلص من قيود الاحتلال وانجاز الحق الوطني بالتحرر والاستقلال.
ان من نسف وافشل اتفاقية التهدئة والهدنة ولم يلتزم بأي بند من بنودها هو المحتل الاسرائيلي. فتحت غطاء التهدئة بمباركة مصرية استهدف المحتل الاسرائيلي تضليل الرأي العام العالمي وكأنه مستعد لتسويات مؤقتة مع "نظام" بقيادة حماس الحركة التي يعتبرها ارهابية، ولكن المحتل من جهة اخرى حرص على ان تكون الهدنة احادية الجانب من الطرف الفلسطيني فقط، وان يستغل الهدنة لترسيخ وتعميق الانقسام القائم بين القطاع والضفة بين حماس وفتح ومختلف الفصائل الفلسطينية، بين السلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس في رام الله وبين سلطة حماس في القطاع ومحاولة كسب الشرعية عالميا لجرائمه الممارسة من حصار وقصف وقتل في القطاع تحت يافطة "محاربة الارهاب الفلسطيني" في قطاع حماسستان!! استغل المحتل ذريعة الهدنة لتكثيف العملية الاستيطانية في الضفة الغربية والجرائم في القطاع ولجرجرة مفاوضات "طحن الماء" مع السلطة الفلسطينية على امل ان يساعد الانقسام في ابتزاز تنازلات سياسية من الطرف الفلسطيني.
ويعترف ارباب الاحتلال من الاسرائيليين ان فترة الستة اشهر من التهدئة او الهدنة احادية الجانب عمليا قد عادت بالفوائد السياسية للطرف الاسرائيلي، فعلى سبيل المثال لا الحصر يحلل المحرر في صحيفة "يديعوت احرونوت" 18/12/2008) اليكس فيشمان بنظرة تلخيصية "فوائد" الهدنة لاسرائيل اذ يكتب "اذا اردنا ان نلخص كما يجب الستة اشهر من التهدئة علينا ان نكون منطقيين والاعتراف انه كان لها ليس القليل من الفوائد، خاصة في الحلبة السياسية. لو لم تكن التهدئة قائمة ودخلت اسرائيل الحرب في قطاع غزة فانه لن يكون بعد ابو مازن ولا حكومة فياض، ولم تكن مفاوضات، والسلطة الفلسطيني ستنهار. مقابل ذلك فاننا اليوم نرى تحسنا ملحوظا في نشاط السلطة الفلسطينية ضد حماس!! انتهت الفوضى في الشوارع، والوفاق الوطني انهار في ظل التهدئة، في التاسع من كانون الثاني الفين وتسعة، عندما تتوقف حماس عن الاعتراف برئاسة ابو مازن، يخلق وضع دولتين لشعب واحد (في الضفة وفي قطاع غزة)، وستكون هنالك حكومتان وجيشان وجهازا قضاء وقوانين، نظامان مختلفان تماما، مصدرا صلاحيات مختلفان، من قال ان هذا سيء لاسرائيل"؟!! كما يؤكد ان الهدنة وثقت العلاقة اكثر مع مصر ومع الانظمة العربية "المعتدلة" والمقصود الانظمة المدجنة امريكيا، ينطبق ما لخصه هذا الصحفي مع المثل القائل "خذوا اسرارهم من صغارهم"، فالمحتل الاسرائيلي لم يتراجع عن هدفه الاستراتيجي المركزي بالتنكر والعمل على افشال اقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ الخامس من حزيران السبعة والستين، وان الهدنة كانت بالنسبة له وسيلة تكتيكية لترسيخ قواعد الانتقاص من حق السيادة الفلسطينية في قطاع غزة واحتمال اسقاط الحكومة الفلسطينية لاقامة محمية استعمارية تابعة لاسرائيل في المناطق المحتلة بعد ضم اكثر من خمسين في المئة من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل.
في اكثر من تصريح لها اكدت وزيرة الخارجية مرشحة كاديما لرئاسة الوزراء تسيبي ليفني ان الهدف الاستراتيجي لاسرائيل يجب ان يتمحور حول الاطاحة بنظام حماس، والهدف الاساسي برأينا ليس الاطاحة بحماس لوحدة انما ايضا الاطاحة بالحق الشرعي الفلسطيني بدفن حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف. فمنذ الاعلان عن وقف التهدئة تتصاعد وتائر التوتر واحتمالات عدوان اسرائيلي مرتقب على قطاع غزة، حشد المحتل الاسرائيلي قوات هائلة من دبابات وقوات راجلة وجوية على الحدود مع قطاع غزة واعلنت ما يشبه حالة الطوارئ العسكرية في اسرائيل. وحسب ما نشرته صحيفة "معاريف" في التاسع عشر من هذا الشهر عن حالة الاستعداد القصوى لعدوان اسرائيلي على القطاع. فضباط في كتيبة "غزة" يعترفون – في الصحيفة – انه منذ زمن طويل لم تكن حالة استعداد كهذه في هذه المنطقة، وحسب اقوال احد الضباط استلمنا اوامر ان تكون على اهبة الاستعداد خلال دقائق قليلة في حالة تدهور الاوضاع". وحسب مقالة محرر "معاريف" في ملحق الصحيفة يوم الجمعة الاخير (19/12) بن كسبيت ان الاسرائيليين يعرفون كيف يدخلون الى القطاع ولكن لا يعرفون كيف يخرجون" وهذا احد العوامل في تردد قادة الحكومة والجيش من اجتياح اجرامي للقطاع هذا اضافة الى ظروف الانتخابات البرلمانية. ولهذا من المحتمل ان يغامر المحتل الاسرائيلي بحرب كارثية على قطاع غزة بعد تسلم الادارة الامريكية برئاسة براك اوباما الادارة في البيت الابيض وبعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية. "ولتنفيس عجلات" اجتياح عدواني للمحتل في قطاع غزة، افشال مخطط هدفه الاستراتيجي المعادي لحقوق الشعب العربي الفلسطيني الوطنية، ولحركة التحرر الوطني الفلسطينية بمختلف فصائلها وتياراتها فان المصلحة العليا لقضية الشعب العربي الفلسطيني الوطنية التحررية تستدعي من حماس والجهاد الفلسطيني ومن جميع الفصائل الفلسطينية اختيار طريق الحكمة في الموقف السياسي. والموقف السياسي الحكيم والواقعي يستدعي امرين اساسيين: الاول، انه لا مفر لخدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية بالتحرر والاستقلال الوطني من استئناف حوار جدي فلسطيني – فلسطيني لرأب الصدوع الكارثية المغروزة في صدر الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا مفر من حوار يقود الى وفاق وطني وحكومة وفاق وطني مسلحة ببرنامج التمسك بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، توافق ينهي حالة الانقسام المأساوي وطنيا واقليميا بين فتح وحماس والضفة والقطاع وتعزيز وحدة منظمة التحرير الفلسطينية بدخول جميع فصائل المقاومة الى عضويتها، بما في ذلك حماس والجهاد الاسلامي. والامر الثاني، قد تكون الظروف افضل بعد صرماية منتظر الزيدي في خلقة بوش شوز وعميله المالكي لتجنيد تضامن واسع عربي وعالمي يضغط على اسرائيل العدوان للالتزام بتهدئة ترفع الحصار التجويعي الاجرامي عن قطاع غزة وتفرج عن الاسرى الفلسطينيين من مختلف الفصائل الفلسطينية، وان تصغي حماس والجهاد الاسلامي لصوت العقل والحكمة لمصلحة القضية الوطنية، باحتضان موقف، الموافقة على موقف نموذج افضل للتهدئة من الهدنة احادية الجانب التي لم يستفد منها الشعب الفلسطيني شيئا. هدنة توفر المناخ فعلا لاعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية، اما بالنسبة لقوى السلام والحرية من مناهضي الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه ومن داعمي الحقوق الوطنية الفلسطينية من العرب واليهود، فلا هدنة ولا تهدئة في موقفهم من الاحتلال الاستيطاني، وواجبهم الكفاحي تصعيد ومواصلة النضال حتى زوال الاحتلال ودنسه الاستيطاني وانجاز الحق الفلسطيني بالحرية والدولة والقدس والعودة.