news

قتلة لكن فقراء

عائلة "أبو خضير"  تطالب بهدم منازل الإرهابيين اليهود الذين قاموا باختطاف وحرق ولدهم حيًا



"قتلة لكن فقراء" العنوان  مصاب بمرض السرقة الفنية، حيث موسيقى الحروف تنطبق على شريط سينمائي، قد يشبه  فيلم "لصوص لكن ظرفاء " للممثل أحمد مظهر، أو غيرها من الأفلام والمسلسلات العربية  التي تحمل سوداوية  الفجيعة مع رائحة الاستخفاف والاستهتار والمواقف الكوميدية.
 لكن أمام الفيلم الاحتلالي والعنصري لا نستطيع دخول العرض أو الخبر إلا ونحن بكامل رؤيتنا التاريخية والظلم وغياب العدالة في قاعات المحاكم الإسرائيلية.
في 2 تموز عام 2014، اختُطف الطفل المقدسي "محمد حسين سعيد أبو خضير"  وكان عمره آنذاك 15 عامًا، من حي شعفاط بمدينة القدس، وذلك أثناء خروجه من صلاة الفجر في شهر رمضان المبارك، وتبين بعد ذلك أنه تم اختطافه على يد ثلاثة مستوطنين، وقد قاموا بتعذيبه وحرقوه حيًا، والقوا بجسده الطفولي في أحراش قرية دير ياسين المهجرة غربي القدس.
 وقد وصفت وسائل الاعلام طريقة حرقه حيًا وكان أشبه بفيلم رعب مخيف ينضح بالغرابة والحقد الأعمى والوحشية، وتفاصيل الحرق  زعزعت الخيال للمشاهد والقارئ من بعيد، فكيف انطبعت الصورة القاسية الموجعة في خيال اسرته، لا نعرف كيف سرت نار الحسرة الكاوية، ولا نستطيع رسم حجم ومساحات هذا التصور الذي يصب حممًا بركانية في الروح كلما كانت الذكرى، خاصة روح والدته ووالده.
أمام هذه الجريمة البشعة، يصبح ميزان العدالة مائلًا، تختفي العدالة المتوقعة، وتركض لتحل محلها عدالة التخفي والتمييز والعنصرية ومسح رؤوس القتلة بزيوت الفخر والطبطبة، وما على عائلة أبو خضير إلا دفن أبنها والبكاء سرًا.
لكن من باب المقارنة تطالب عائلة "أبو خضير"  بهدم منازل الإرهابيين اليهود الذين قاموا بالاختطاف والحرق حيًا، وهنا ترفض المحكمة هذا الالتماس، مع أن أي عمل يقوم به الفلسطيني حتى لو حمل سكينًا لتقشير تفاحة، يكون هدم بيته في مقدمة القرارات التي تسجلها المحاكم عقابًا ودرسًا لكل من تسول له نفسه حمل السكين وتفاح الرفض والمقاومة. 
ثم تعاود عائلة أبو خضير وتتقدم بدعوى للمطالبة بتعويض مالي عن الضرر الذي لحق بهم، بهدف منع القتلة من الاستفادة من العفو الذي يحق لهم أن يطالبوا به من رئيس الدولة بعد خمس سنوات من فعلتهم الاجرامية، وقد يعفو عنهم رئيس الدولة ببساطة، خاصة أن تجربة عائلة أبو خضير في القانون والمحاكم قد رسمت فوق جلودهم ثقوبًا سوداء، من الصعب ردمها وجعلها علامات عابرة في تاريخ من الاحتلال البغيض، فهي لم تنس تجربة ابنها الشهيد أيضًا "أمجد أبو خضير" حيث قام أحد المستوطنين بقتله بدم بارد وسط مدينة القدس القديمة، وحكم على القاتل بالسجن لسنوات طويلة، لكن خرج بعد سبع سنوات.
انهم لا يريدون أن تتكرر المأساة مرة أخرى، لذلك قاموا بتقديم طلب تعويض عن معاناتهم، وذلك لمنع القتلة  الخروج من السجن – ينص القانون الإسرائيلي على منع حصول من تسبب بضرر على إعفاء رئيس الدولة.
لكن المحكمة الإسرائيلية  تلتف على القانون وتصرح بأسلوب مسكين أشبه بمتسول على عتبة معبد  "يا حرام.. هؤلاء فقراء..  قتلة محمد أبو خضير  فقراء لا يوجد لديهم أموال أو ممتلكات مسجلة باسمهم".
لنتذكر أن المحكمة ذاتها، وتحت مجهر الاعلام تقوم بمد أصابعها الى جيوب الفلسطينيين وتطالب بالملايين من الشواقل التي  تفرضها على العائلات التي يرتكب أولادها  بعض الأعمال، حتى عندما يستشهدون، وتبقى جثثهم في الشوارع الساعات الطويلة  أو في الثلاجات أيامًا قد تصل لسنوات، يكون العقاب ضد العائلة التي لم تمنع ابنها  الهدم والدفع، رغم أن الأبناء  فقراء ولا يوجد ممتلكات باسمهم.
كثيرة هي الرسومات والصور التي تشير الى العدالة "بالميزان" لكن هناك بعض الصور التي تشير أيضًا الى المرأة التي تحمل الميزان معصوبة العينين لا تفرق، لأنها تحمل العدالة، لكن في هذا الزمن الذي سرق منا كل شيء، حتى الإحساس والشعور بأننا نعيش بين قبائل الظلم وأيدينا ملطخة بوجع الدق على الأبواب.