رحابة اميركية لم تشعر اميركا بالمهانة. تعاملت مع تعرض رئيسها جورج بوش لهجوم مزدوج في بغداد بحذاء طائر كاد يصيب رأسه ويخلف علامة فارقة في وجهه، ببرودة شديدة، ولا مبالاة ظاهرة تثير الحيرة والحنق، وتفرغ العمل الشجاع الذي أقدم عليه الصحافي العراقي منتظر الزيدي، من بعض مضمونه وأثره المنشود.
لا بد من الاعتراف بأن الرئيس بوش نفسه كان بارعا في تفادي الحذاءين اللذين أطلقا عليه بسرعة ودقة متناهية، ثم في استيعاب الصدمة وتحويل الهجوم المباغت الى سخرية، وإلى مؤشر على الحرية والديموقراطية اللتين بات العراق ينعم بهما بفضل الاحتلال الاميركي.. مع علمه المسبق والأكيد انها كانت اهانة كبرى توجه الى شخصه وإلى بلاده، سواء في عرف العرب والمسلمين كما رأى بعض المعلقين الاميركيين، او في عرف بقية الشعوب والامم، التي لا يمكن ان تعتبر الضرب بالحذاء مزحة، او تحية.
هي إهانة، في الثقافة الاميركية، لكنها بالفعل ليست القصوى. فالحذاء يحتل مكانة موازية لبقية الألبسة التي يرتديها الاميركي، او الغربي عموما، والتي لا يمكن ان يرمي بها احدا من خصومه الا في حال تعذر توجيه اهانات اكبر، مثل تلك الشائعة في المناسبات العامة، مثل رمي الخصم بالدهان او البيض الفاسد او البندورة المتعفنة او غيرها من النفايات.. التي يحسب لها المسؤول المثير للخصومة ألف حساب، ويرى فيها خطرا يفوق محاولات الاغتيال.
لكن براعة بوش في احتواء الضربة، لم تكن ناجمة فقط عن شخصيته العفوية المعروفة والتي تقع على حافة البلاهة، او عن خبرته ومهارته في مواجهة التعرض لمثل هذه الإهانات والمواقف الحرجة خلال سنوات رئاسته الثماني الماضية. السر يكمن في موقعه الراهن الذي يقف على عتبة الانتقال من قمة السلطة الى قعر الهاوية، التي لن تنتشله منها سوى بعض الاحكام والذكريات الاميركية عن الرئيس الاقل شعبية في تاريخ اميركا الحديث.
يعرف الرئيس بوش بلا شك انه رئيس مكروه في اميركا وفي العراق، كما في بقية انحاء العالم. وهو لم يكن يستطيع ان يغامر في أواخر ايامه الرئاسية البائسة بالطلب من الجمهور الاميركي مثلا ان ينتصر لكرامته التي مسها الحذاء العراقي الطائر، او بدعوة اجهزة الدولة الاميركية الامنية والعسكرية والسياسية الى الاقتصاص من الزميل الزيدي او من الاعلام العراقي او من الجمهور العراقي.
ويمكن بسهولة التكهن في ان رد الفعل الاميركي يمكن ان يكون اقوى وأعنف لو كان الرئيس المنتخب باراك اوباما مثلا هو الذي تعرض للضرب بالحذاء في بغداد.. وهو احتمال وارد بعدما تراجع عن وعده الانتخابي بالانسحاب من العراق خلال ١٦ شهرا من وصوله الى الرئاسة، ولزم الصمت إزاء المعاهدة