حتى الآن، هي اشبه بعملية تفسير للأحلام، او استقراء لافكار الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما، الذي رفع، فور جلوسه خلف المكتب البيضاوي في البيت الابيض، سماعة الهاتف وأجرى اول اربعة اتصالات مع عدد من زعماء الشرق الاوسط، هم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت والرئيس المصري حسني مبارك والملك الاردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 

لم يعلن البيت الابيض الكثير من التفاصيل عن هذه الاتصالات، التي دارت حولها علامات استفهام كبرى، وأثارت محاولات تنجيم واسعة حول نواياه وسلوكه: هل كانت تلك الاتصالات هي الخطوة الاولى التي قام بها صباح اليوم الاول من رئاسته؟ هل كانت ترجمة لوعد قطعه إبان الحرب الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة، التي لزم خلالها الصمت المطبق، لكنه قال انه سيولي هذه القضية الاهتمام الذي تستحقه، منذ اللحظة الاولى التي يصبح فيها رئيسا؟

 

اختياره لهؤلاء القادة الأربعة بالتحديد، لم يكن بالتأكيد عبثا، او نتيجة سوء الاتصالات الهاتفية الدولية مع آخرين من الزعماء العرب كانوا يتوقعون او يتمنون تلقيهم مثل هذا الاتصال. ثمة اشارة اميركية أولية لا شك فيها تعتبر ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني يحتل اولوية مطلقة لدى الرئيس اوباما الذي لم يوضح بيان البيت الابيض مع من كان اتصاله الاول، مع اولمرت ام مع مبارك.. لانه يستبعد ان يكون افتتح اتصالاته بالملك الاردني او طبعا بالرئيس عباس.
مهما يكن، فإن دبلوماسية الهاتف التي بدأها اوباما، وهي تقليد شائع لدى جميع الرؤساء الاميركيين، تعطي فكرة اولية ايضا عن وجهته السياسية العامة، لا سيما اتصاله بالرئيس الفلسطيني، الذي اكتسب المزيد من الشرعية الدولية، وحصل على تفويض اضافي بأن تتولى سلطته عملية اعادة بناء قطاع غزة المدمر، بدلا من حركة حماس التي تنازعه على الشرعية وعلى الاموال المتوقعة لمثل هذه العملية السياسية الحرجة جدا. وهذا ما أورده بيان البيت الابيض ايضا.

 


خاب امل الكثير من العواصم العربية لان اوباما لم يستخدم رمزها الهاتفي الدولي، وشعرت عاصمة عربية اخرى بما هو اكثر بكثير من الخيبة: هل كان يمكن لاحد ان يتصور الا يبادر الرئيس الاميركي الجديد الى الاتصال ببغداد تحديدا، لكي يتحادث مع الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي... حتى ولو كان يبادلهما الشعور بعدم التقدير وعدم الاحترام، على الاقل ليطلعهما على نتائج الاجتماع الاول الذي عقده في البيت الابيض مع وزير الدفاع وكبار المسؤولين العسكريين للبحث في دور القوات الاميركية في العراق.
المعروف جيدا هو ان اوباما لا يكن الود لأي من المسؤولين العراقيين الاوفياء لسلفه جورج بوش. لكن ما ليس معروفا حتى الآن هو مدى استيائه من الرئيس الافغاني الحالي حميد كرزاي الذي لم ينجح في اي مهمة كلفته بها الادارة الاميركية الجمهورية السابقة، وتحول الى عبء على اميركا وقواتها التي تستعد لتوسيع انتشارها في افغانستان.

 

دبلوماسية الهاتف لم تكن في يومها الاول، شديدة الغموض. لكن صوت أوباما كان مشوشا بعض الشيء.