عندما انفجرت الازمة الاقتصادية العنيفة الرأسمالية في الولايات المتحدة الامريكية اولا، ومن ثم في اوروبا وفي آسيا في اواخر العام الماضي، طلع علينا ممثلو الحكومة وبالذات ممثلو وزارة المالية ومحافظ بنك اسرائيل، مطمئنين المواطنين بان اسرائيل قوية اقتصاديا، وان بنوكها وسوق مالها لا يتهددهما الخطر بالافلاس. الكل اعتقد ان الازمة المالية الاقتصادية ستكون القضية الجوهرية الاساسية في معركة الانتخابات البرلمانية. الا انه وبقدرة قادر، انقلبت الامور رأسا على عقب. حكومة اسرائيل قوضت اركان التهدئة مع حماس في غزة، وقررت تنفيذ عدوانها الهمجي الذي اعدته خلال السنتين الماضيتين كما اكد ذلك جنرال الحرب والعدوان، زعيم حزب العمل الاشتراكي الدمقراطي ايهود براك.
هكذا ازيحت الامور والقضايا الاجتماعية الحارقة من صلب المعركة الانتخابية واطلق العنان للغطرسة العسكرية وتبارى اقطاب الاحزاب الصهيونية، من اليمين المتطرف واليمين الكلاسيكي والوسط وما يسمى باليسار الصهيوني المعتدل، تباروا بالتهديد والوعيد للضحية، بالويل والثبور اذا لم تركع وتقبل الشروط الاسرائيلية الاستسلامية. لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل وصل بهم الحقد والعمى السياسي العنصري، الى ان تسابقوا بالتحريض على الجماهير العربية الفلسطينية مواطني اسرائيل، الذين لم تستطع آلة الاقتلاع الصهيونية عام 48 من طردهم من وطنهم الغالي الذي لا وطن لهم سواه.
من المعروف ان قوانين التطور اقوى من جنرالات الحرب والعدوان واقوى من قيادة الاحزاب الصهيونية من المعارضة ومن الائتلاف الحكومي. وقد تبين ان اسرائيل ليست امبراطورية اقتصادية جبارة، بل هي حلقة صغيرة جدا في السلسلة الرأسمالية العالمية. تبين انه اذا اصيب حيتان رأس المال الامريكي بالرشح، يصاب حيتان رأس المال الاسرائيلي بأمراض قاسية، قد تصل حد الاصابة بمرض السرطان الاقتصادي.
كما تبين انه ليس بمقدور اسرائيل الافلات من الازمة العامة للنظام الرأسمالي العالمي، وكالعادة اول المتضررين من هذه الازمة هم الفقراء والشغيلة اليهود والعرب. في الاعوام الاخيرة، تفاخرت حكومة اسرائيل بان نسبة العاطلين عن العمل تضاءلت، وهبطت لأقل من 6,5% وبان هذه النسبة اقل من نسبة العاطلين عن العمل في الكثير من البلدان الرأسمالية الاوروبية. قبل ان تضع الحرب العدوانية على غزة اوزارها نهائيا، تبين ان عدد العاطلين عن العمل قد زاد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 08 بأكثر من 17,000 (سبعة عشر الف عاطل). اللافت للنظر ان العاطلين الجدد، جاؤوا من كل شرائح المجتمع وان نسبة المهندسين والتقنيين وبالذات العاملين في الهاي تيك كبيرة جدا نسبيا.
الا انه من الواضح ان اول ضحايا الازمة الاقتصادية في اسرائيل هم الفقراء العرب، هم العمال العرب الذين يعملون خارج مدنهم وقراهم، بسبب سياسة الاضطهاد العنصرية الحكومية التي حرمتهم من المناطق الصناعية ولم توظف بالمجال الانتاجي في الوسط العربي. ضحايا الازمة الاقتصادية هم الفقراء اليهود، وبالاساس سكان الضواحي، سكان مدن ومستوطنات الشمال والجنوب والذين اكثريتهم الساحقة من اليهود الشرقيين.
مما لا شك فيه ان الفقراء والعمال والاوساط الشعبية سيدفعون ليس فقط ثمن الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية والاسرائيلية فحسب، بل سيدفعون ثمن العدوان الاسرائيلي على غزة من لقمة اطفالهم وانخفاض مستوى معيشتهم.
حكومة الحرب والعدوان ضللت سكان مدن وقرى الحدود الجنوبية، واقنعتهم الى حد كبير بان حياتهم ستتغير للافضل وسينعمون بالامن والامان الشخصي والاقتصادي والاجتماعي، بعد ضرب غزة، ضرب حماس وربما القضاء عليها. الا ان حبل الكذب قصير وقصير جدا، في ظروف هذه المدن والقرى وسيكتشفون سريعا انهم ضحية سياسة الحرب والعدوان وانهم سيدفعون ثمن هذه السياسة من لقمة عيش الاطفال، البطالة ستتسع الفقراء سيزداد عددهم وان الشعارات العنصرية الطنانة الرنانة لا يمكنها اشباع عائلاتهم واطفالهم. ورغم الاجواء العنصرية التي تتغذى من السياسة الرسمية الحكومية، هنالك مصلحة مشتركة موضوعية للفقراء للشغيلة اليهود والعرب، بالتصدي لسياسة الحكومة التي تزيد الاغنياء الكبار غنى وتزيد عدد العاطلين والفقراء وتزيدهم فقرا.
من الواضح ان مصلحة السلطة الحاكمة ممثلة كبار الرأسماليين الاسرائيليين، والتي فتحت البلاد على مصراعيها امام الاحتكارات وحيتان رأس المال الاجانب، من مصلحتها الهاء الفئات الفقيرة الشعبية اليهودية، وتحريضها ضد الشعب الفلسطيني وضد المواطنين العرب. مصلحة الفقراء اليهود والعرب افشال هذه السياسة والنضال سوية من اجل السلام والخبز والعمل.