مع اقتراب انتخابات الكنيست في إسرائيل، وبعد انتهاء الهدنة وتجدد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيليي وتحت رعاية الأنظمة الرجعية العربية وتواطئها، اختارت الحكومة الإسرائيلية بإجماع وزرائها وموافقة المطبخ المصغر في أن تكون غزة ميدان حملة انتخابات الكنيست التي ستعقد في العاشر من فبراير 2009.
قامت القيادة العليا في إسرائيل، بما فيهم المحكمة العليا والشرطة، بإثارة غضب الشارع العربي داخل البلاد عندما سمحت المحكمة العليا بتنظيم "مظاهرة" لليمين المتطرف من أيتام كهانا داخل بلدة أم الفحم, وأجبرت الشرطة بتوفير كامل الحماية المطلوبة للمتظاهرين، دون الأخذ بعين الاعتبار نتائج هذه المظاهرة. بعد مشاورات بين وزير الحرب باراك ووزير "الأمن" الداخلي ديختر، تم تأجيل المظاهرة بحجة استناد جهاز الأمن العام "الشاباك" إلى معلومات تؤكد انه سيتم إطلاق النار على المتظاهرين اليمينيين من قبل فئات عربية "متطرفة"، وبعد أن قررت قيادة الجماهير العربية بالتصدي لتلك المظاهرة والإعلان عن تطويق بلدة أم الفحم بسلسلة بشرية لمنع المتطرفين من دخولها، وان كل ذلك سيسبب إلى حالة من الفلتان الأمني داخل الدولة, تم تأجيل المظاهرة الاستفزازية. لكن اللعبة القذرة قد كشفت بعد أن قامت إسرائيل بشن عدوان على قطاع غزة، حيث كان الأنسب من وجهة نظر قادة أحزاب الائتلاف الحكومي وعلى رأسهم كديما والعمل، الذين يعانون من مأزق سياسي واضح، أن يرفعوا ميزان أصواتهم على حساب الدم الفلسطيني في غزة، حيث بإمكانهم "ترويج" أهمية هذا العدوان بحجة الدفاع عن جنوبي البلاد.
لقد خلٌف العدوان الفاشي آثاره الهمجية والبربرية، بإشراف وزير الحرب الإسرائيلي، ايهود باراك، الذي قام بواسطة جيشه بارتكاب إحدى اكبر واكبر المجازر الأشبه بعملية تطهير وإبادة جماعية، في المنطقة ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم، من خلال قصف المنطقة برا، جوا وبحرا بالقذائف والصواريخ على تجمعات سكانية ومدنية دون تمييز بين مدنيين ورجال مقاومة، عكس تصريحاتهم الكاذبة.
غزة ما زالت تنزف شلالا من دماء شهداء وجرحى شعبنا الأبيّ، الذي تجاوز عددهم الألف وثلاثمائة من الشهداء، وما يزيد عن خمسة ألاف جريح، وفي كل ساعة أخرى يتم اكتشاف وانتشال جثث من تحت أنقاض آلاف البيوت التي طالتها نيران العدوان المدمرة. أما في الشارع الإسرائيلي، المقبل على انتخابات للكنيست في الشهر القادم، فنشهد دعما واضحا للعدوان ولقادته. حيث نشر استطلاع رأي في جريدة هآرتس في نهاية الأسبوع الماضي, التي أشارت نتائجه إلى أن هنالك نسبة 78% من مُستطلعي الرأي التي تعتقد بأن العدوان كان "ناجحا" وأيضا نسبة 82% التي تعتقد بان الجيش الإسرائيلي لم يبالغ في قوة الضربة العسكرية. كما وان 42% يعتقدون انه كان يجب على الجيش المثابرة في العدوان و33% يعتقدون انه كان يجب توسيع وتصعيد العدوان واقساء الضربة العسكرية أكثر. تجدر الإشارة إلى أن هنالك ارتياح في الشارع الإسرائيلي من إدارة الحكومة خلال العدوان.
إن استطلاعات الرأي التي تم نشرها قبل شن العدوان، أشارت إلى انه هنالك حالة من اليأس وخيبة الأمل في الشارع اليهودي، من إدارة الحكومة القائمة بقيادة الثلاثي الدنس، اولمرت، لفني وبراك وخاصة في تعاملها مع قضية الحفاظ على "امن واستقرار" سكان جنوب البلاد، بعد أن عاش المجتمع الإسرائيلي الخسارة الفادحة التي لحقت "بالجيش الذي لا يقهر" في حرب تموز 2006، التي عرفت كأصعب حرب خاضها جيش الاحتلال منذ قيام الدولة والتي أدت إلى زعزعة في المستوى السياسي والأمني-الحربي التي ما زال يرأسها حزبي كديما والعمل.
بعد أن فشلت المحاولات في تحقيق هدنة جديدة, ومع انتهاء الهدنة السابقة, وردا على جرائم جيش الاحتلال، تجددت عمليات المقاومة في التصدي لها في حدود القطاع وأيضا من خلال إطلاق عشرات الصواريخ على جنوب إسرائيل, التي طالت مناطق لم يسبق لهم أن استهدفوها، التي قتلت حتى الآن أربعة إسرائيليين، الأمر الذي رافق ردود فعل غاضبة، والتي انعكست في نتائج الاستطلاعات التمهيدية للانتخابات المشيرة إلى الهبوط الملحوظ في شعبية حزبيْ كديما والعمل، والزيادة في شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة.
لم يهدأ لمجرمي الحرب بال، إذ أنهم سوف يتعرضون لضربة تاريخية في نتائج الانتخابات، والتي ستلحق ضررا في تمثيلها البرلماني وفي تأثيرها على السياسة الإسرائيلية، وفي استطلاعات رأي لوكالات أنباء إسرائيلية قبل شن العدوان على غزة أشارت إلى حصول حزب العمل على ما بين 9-10 مقاعد, وحزب كديما 23-24 مقعد. وما كان الخيار الوحيد هو أن يقوم جيش الاحتلال بشن عدوان متوقع على القطاع في توقيت "غير متوقع", والذي كان قد فاجئ العالم كله، وخاصة في كيفية سير الهجمات في الأيام الأولى، عندما تم استشهاد أكثر من 155 شخص خلال الساعة الأولى، الأمر الذي استقبل بحفاوة داخل الشارع الإسرائيلي، حيث أن الجيش الإسرائيلي كان يتمنى إرجاع قوة الردع التي كانت تميزه، تلك الصفة التي خسرها في حرب لبنان الثانية (تموز 2006) التي تميزت بالمقاومة العنيفة ولحاقه بخسائر كبيرة، حيث كانت هنالك أصوات تضغط على الحكومة بقيام عملية عسكرية شاملة وواسعة في قطاع غزة مع انتهاء الهدنة الأخيرة, التي كانت تصب لصالح المقاومة الفلسطينية في تسليح نفسها حسب ادعاءاتهم، وان هدنة جديدة ستؤدي إلى القضاء على قوة الردع وانه سيصبح "حزب الله" جديد في القطاع.
مع بدء العدوان، تم نشر استطلاعات رأي جديدة، والتي امتازت بصعود أسهم مجرمي الحرب بشكل ملحوظ، ومع تصعيد العدوان أكثر فأكثر، وتزايد عدد ضحايا الحرب، وجرأة الجيش باستعمال وتجربة أسلحة محرمة دوليا على مناطق سكانية تستهدف العائلات والأطفال، ومع توسع العدوان للمرحلة الثانية وهي عبارة عن اجتياح بري بتغطية جوية وبحرية، والتي كانت إحدى خلاصات حرب تموز 2006، حسب ما ادعاه شبتاي شافيت مدير الموساد سابقا بان "إحدى العبر التي استخلصناها من العام 2006 هو أن القوة الجوية حتى عندما تكون متمرسة لا يمكنها أن تنجز المهمة بمفردها". وبكل العوامل التي ذكرت أعلاه تزداد قوة الأحزاب المؤيدة للحرب وتزداد شعبية قائديها، حيث تم نشر استطلاعات رأي جديدة التي تؤكد ذلك، حيث أن حصل حزب العمل على 16-17 مقعد, وحزب كديما على 27-28 مقعد.
إن هذه السياسة الحربجية، خدمت الأحزاب المتطرفة والفاشية المؤيدة للعدوان، وألحقت ضررا ملحوظا بشعبنا الفلسطيني في غزة. كما وذكرت، كل ذلك تم بتواطؤ الأنظمة الرجعية العربية والإسلامية التي لم تحرك ساكنا من اجل نصرة أهلنا في غزة، وقامت يعقد قمة مختلف عليها بتأخير مخزي بعد أن تكبدت غزة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات, وانتهت هذه القمة بقرارات "بدون طعمه" كما عودتنا دولها اللقيطة. إن هذا التخاذل والتواطؤ العربي والغربي سوف يؤدي إلى تكرار المحرقة التي تلاحق شعبنا الفلسطيني.
لكن هنالك من يستحق التحية الثورية, كلاٌ من الرئيسين, الفنزويلي هوغو شافيز والبوليفي ايفو موراليس, اللذان أعلنا استنكارهما للحرب على غزة والإنسانية، وتأييدهما للمقاومة الفلسطينية الشرعية كونها المدافع الوحيد عن الشعب الفلسطيني في غزة، وقد قاما باتخاذ خطوات جريئة، ومنها طرد السفير الإسرائيلي، وقطع الدولتين للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، الأمر الذي شكل اهانة للحكام العرب والمسلمين.