للصبر حدود كما تغني ام كلثوم، والظاهرة "الكاروكازية" التي تسمى بأيوب القرا تعدت كل الحدود. كتب الكثير في أدبيات علم النفس الاجتماعي، والأدبيات ما بعد الكولونيالية، عن ظاهرة "الخساسة" عندما يتخلى الإنسان عن هويته، عن مجموعته، عن أصله ويحاول الالتحاق بالمجموعة القاهرة والمستبدة. باولو فريري الفيلسوف البرازيلي سمى تلك الظاهرة بتذويت القهر، فرانتس فانون الدكتور النفساني من جزر الماترتينيك، سمى ذلك بتقمص هوية الآخر. أما جانيت هلمس عالمة النفس العلاجية الأمريكية من أصول افريقية، تعاملت مع هذه الظاهرة كمرض نفسي يجب علاجه، وفي الحالة التي نحن بصددها معصية حتى على المعالجة، لذلك سوف لا أُعنى بالشخص، بل سوف أحاول التطرق للأرض الخصبة التي تسنح لهذه العشبة البرية الطفيلية النمو في أرضنا الطيبة لتدنسها.
في البداية أود التنويه إلى نوعية الدروز التي تحتضنهم المؤسسة بل التي ترعاهم وتدعمهم وتسعى إلى تنصيبهم ممثلين عن الطائفة المعروفية. المؤسسة الصهيونية لا تقبل إلا هؤلاء الذين يتخلون عن هويتهم، عن مبادئهم، وعن حضارتهم. بمعنى آخر لا تقبل بنا (وكذا بسائر العرب الفلسطينيين في إسرائيل)، إلا عندما نصبح أصفارًا، عندما نتخلى عن أنفسنا ونصبح مثلهم، بل نصبح لعبة في أيديهم. معظم أعضاء الكنيست الدروز على مر السنين كانوا هكذا،لكن "الصهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم" قطّع عن الجميع. المؤسسة اليهودية الصهيونية لا تستطيع قبول الآخر، تلك مؤسسة عنصرية لا تطيق الآخر إلا عبدًا يرعى في هوامشها. وللوصول إلى الكرسي، يبيع هؤلاء، كل غالي ورخيص، بل يبيع طائفة الموحدين بأكملها لكي يُرضي الأنا، والأنا في هذه الحالة مريضة ولا محالة إلى شفائها.
السؤال لماذا هذا التسامح من قبل أبناء الطائفة التوحيدية، مع مثل هؤلاء. الطائفة التوحيدية عرفت على مر الزمان بكرمها لكن اولاً بكرامتها واعتزازها بنفسها،أم أن أصبحت تلك النفوس واهنة، تمسح جوخ وتتبارك في أذيال الأذناب بدل أن تتبارك في أذيال أهل العمامات! لماذا هذا التسامح مع ذلك "الصهيوني أكثر من الصهاينة" الذي يرقص مع المستوطنين المتوحشين، الذين يغتصبون أراضي الآخرين، يحرقون بيوتهم ،يدنسون حرماتهم، ويزهقون أرواحهم. الديانة التوحيدية، ترفض كل ذلك، والقتل يعد من الكبائر إلا إذا كان دفاعًا عن النفس. أم أن النفس أصبحت رخيصة عندنا، نبتاعها مقابل حفنة من الدنانير؟! عجز العقل استيعاب ذلك التصرف الغريب، وعجزت الكلمة عن التعبير عن ذلك الموقف المهين، وما إلنا إلا صبر أيوب...!
نتوقع من جميع القيادات الدينية المعروفية، إعلان موقفها من تلك الظاهرة، فإما أن تشذبوها وتبرئوا ذممكم منها وإما أن تقبلوها فنتبرأ نحن منكم. فانتم تنادون بالحفاظ على الدين، العرض والأرض. أبليتم بلاءً حسنا في الآونة الأخيرة في محاولة الحفاظ على الأرض خاصة في المنصورة، فوجب التبرؤ من هؤلاء الرموز، عبيد تلك السلطة التي اغتصبت أراضينا ولا تزال عينها على ما تبقى، فتموت الشوحة وعينها على الصوص كما يقولون (وإذا ما دمنا في سيرة الدفاع عن الأرض، لم استوعب محاولة أحد المدافعين عنها الأخ أبو معين الانخراط في الليكود، واستغربت دعم الرفيق القديم له وفي تسويقه).
أتمنى على جميع المتعلمين والمثقفين المعروفيين وكل أصحاب الضمائر الحية، نبذ تلك الظاهرة والذي يمثلها. كفانا تقاعسًا، كفانا غرس الرؤوس في الرمال، كفانا العيش في هذه المذلات، والتنازل عن المبادئ. يجب أن نتخذ موقفًا من هؤلاء، يجب التعامل معهم كعملاء ورفضهم ومقاطعتهم اجتماعيًا، وليس استقبالهم في الدواوين، وإجلاسهم في صدورها. ذلك أقل ما يمكن فعله، مع من يدوس على كرامة طائفة بأكملها -أو بغالبيتها على الأقل- مع من يغتصب الإرادة الاجتماعية والسياسية لطائفة بأكملها. أم إننا نتشاطر على النساء فقط، فنحملهن عرض وشرف الطائفة، ونقطع رأس التي تدنس ذلك "الشرف"... فكما قال جبران:
قاتل النفس مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر.
في الأخير تناهى إلى إسماعي أن "الصهيوني أكثر من الصهاينة"، استُقبل في إحدى الخلوات، وتحدث إلى المشايخ والشيخات. ولم يستحضرني في هذا السياق إلا مقولة: الله اكبر!! فعندما تحتفل امرأة بفرحة ابنها او ابنتها تقولون لها صُفّي المطرح، وبهؤلاء تؤهلون وتسهلون وتفتحون مطارحكم؟!والله، ما بقي أن تصفوا مطارحكم، وان نصفي مطارحنا نحن أيضًا، وكفكم على الضيعة...!