مع اول زيارة له بعد تسلمه منصبه الجديد كمبعوث لعملية السلام، سيواجه السيد جورج ميتشل واقعا جديدا مختلفا عما كان يعرفه ابان مهمته السابقة، و حيث ان جوهر القضايا هي ذاتها الا ان الوقائع باتت مختلفة اختلافا كبيرا عما كانت عليه، ولذلك توجد اهمية لما قاله الرئيس الامريكي الجديد حول ضرورة الاصغاء.
وقبل ان نستطرد في هذه الرسالة المفتوحة فلا بد من الاشارة بايجابية الى بعض المؤشرات الهامة واولها الاهتمام الواضح من الرئيس الامريكي الجديد بشؤون المنطقة والعملية السياسية منذ اليوم الاول لرئاسته وهو امر لافت وغير مسبوق، كذلك الامر بالنسبة لشخصية مبعوثه الجديد والتي تمثل اختيارا اكثر توازنا من بين من ترددت اسماؤهم لشغل هذه المهمة من مثال دينيس روس او غيره، كذلك في تخويله الصلاحيات المطلوبة لاداء مهمته ثم في سرعة التحرك باتجاه المنطقة من قيبل السيد ميتشل.
يمكن القول ان الشعب الفلسطيني باسره تعاطف مع ترشيح السيد اوباما ثم انتخابه، على الاقل بسبب الرغبة في تغيير ادارة بوش والمحافطين الجدد، كما يمكن القول ان هناك توقعات بان يحدث الرئيس اوباما فرقا في تعامل الادارة الامريكية مع القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة والعالم، وبالتاكيد فان الافعال ستكون هي الحكم على درجة هذه التوقعات.
ومن هذا المنطلق تتلخص القضية الاكثر تعقيدا امام الرئيس الجديد في مدى قدرته على التوفيق بين موقف الادارة الامريكية المنحاز تماما لاسرائيل، والمحكوم بجملة واسعة من التشريعات والاتفاقيات والعلاقات وشبكات الضغط من جهة وبين القدرة على لعب دور الوسيط النزيه الذي يستطيع قيادة عملية سلام جادة.
هذا التحدي الكبير يتطلب حقا تطبيق شعار الرئيس اوباما في التغيير، كما ان هذا التحدي هو بالضبط ما يثير المخاوف الكبيرة لدينا من تكرار ذات السياسات والطروحات السابقة للادارات الامريكية التي انشغلت بالملف الفلسطيني بما في ذلك ادارة الرئيس كلينتون، ويمكن الاشارة الى المغزى الكبير لما يستطيع الرئيس اوباما ان يسجله في رصيده السياسي والتاريخي فيما اذا نجح في احلال السلام الذي لم يحققه من سبقه من الرؤساء الامريكيين .
على اي الاحوال، ولاننا ندرك حجم هذا التحدي الكبير واشكالية الموازنة بين دور الوسط النزيه وبين عمق الانحياز، فاننا نتطلع الى الخطوات الاولى في هذا المسار المعقد باعتبارها خطوات حاسمة وهامة وسيتوقف عليها المسار النهائي للقضية الاساس وهي انهاء الاحتلال والايفاء بالحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني.
الخطوة الاولى والحاسمة تتلخص في القدرة على وقف الاستيطان وبناء الجدار، ويعرف السيد ميتشل تماما خطورة واهمية هذه القضية كما تناولها في تقريره عام 2001، وقد باتت الان اكثر تحديا وخطورة مما كانت عليه وبالتأكيد يجب الا ينطلي عليه حديث نتنياهو حول الاستعداد لوقف بناء مستوطنات جديدة والاكتفاء بتوسيع المستوطنات القائمة.
ان استئناف اية مفاوصات لاحقا دون ضمانات واضخة وحقيقية بوقف الاستيطان ستهدد بالسقوط مجددا في ذات الدوامة السابقة وستمثل تجديدا لتواطؤ الادارات الامريكية السابقة مع اسرائيل.
الخطوة الثانية المطلوبة هي تغيير الواقع الراهن المباشر في الاراضي الفلسطينية، فك الحصار عن قطاع غزة وفتح كل المعابر وخلق التواصل المباشر بينها والضفة الغربية من خلال الممر الامن، وفك الحصار ايضا عن الضفة الغربية ذاتها بازالة كل الحواجز التي تقطع اوصال الضفة الغربية، وتعزل مدن القدس ونابلس والخليل وغيرها، بالاضافة طبعا الى فتح مؤسسات القدس وفي مقدمتها بيت الشرق، وغير ذلك مما يمكن ان تعرضه رئاسة السلطة عليكم .
الامر الاهم هنا اننا لا نعرض ذلك في اطار استمرار تيني خارطة الطريق او مسار انابولس، وليس من اجل ان تكون هذه الاجراءات قضايا للمفاوضات، ولكننا نعرضها باعتبارها خطوات لا يمكن ولا ينبغي التحرك نحو اية مفاوضات بدون تحقيقها، وباعتبارها مؤشرات ملموسة عما اذا كانت الادارة الامريكية الجديدة ستستطيع فعلا تغيير المنهج الذي دأبت اسرائيل على التعامل به مع عملية السلام ومع القيادة الفلسطينية.
نأتي الان للخطوة الاهم، وهي العملية السياسية والمفاوضات، نرجوكم ان تلاحظوا الحقيقة الماثلة في موت خارطة الطريق، ومسار انابولس الذي مات قبل ان يولد وانتهت احتفاليته في مهدها، وحتى عملية اوسلو ذاتها فقد ماتت ايضا بعد مضي اكثر من ثلاثة اضعاف المدة المحددة للانتهاء منها بقيام الدولة وها نحن نبتعد عن امكانية قيام هذه الدولة بسبب تدمير مقوماتها كما تفعل اسرائيل يوميا.
قد يكون التعيير المطلوب ليس اعادة بناء الثقة كما نقل عنكم، فلن تُوجد ثقة الا مع انتهاء الاحتلال وبالتالي فان المطلوب هو تحديد الجدول الزمني والاليات الكفيلة بتطبيق قرارات الامم المتحدة بانهاء الاحتلال وفي مقدمتها قراري 242 و338، وقد لا تكون اللجنة الرباعية هي اداتها الملائمة بعد ان اخفقت ايضا في اداء مهمتها التي حددها لها قرار مجلس الامن بجدول زمني محدد.
المطلوب بدل ذلك عقد مؤتمر دولي جديد للسلام على غرار مؤتمر مدريد ذاته وبهدف تطبيق قرارات مجلس الامن الداعية لانهاء الاحتلال عن كامل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومرجعيتها المعلنة على اساس الارض مقابل السلام، ودمج ذلك مع مبادرة السلام العربية، بما يسمح بمعالجة جوهر القضايا وهي انهاء الاحتلال، وبمسارين للمفاوضات الثنائية ومتعددة الاطراف بما في ذلك استئناف ما توقف من جلسات المفاوضات المتعددة في قضية اللاجئين والمياه وغيرها، هذه مقاربة اكثر مباشرة للخروج من الدائرة المغلقة للمفاوضات التي اثبتت فشلها،وهي مقاربة لا يغير منها ما قد يدور في الغرف المغلقة من رغيات استمرار الدوران في خارطة الطريق ورؤية بوش وانابولس .
اذا ما دعمتم تشكيل حكومة انقاذ فلسطينية كحكومة للوحدة الوطنية، يمكن ان يرأسها الرئيس ابو مازن نفسه وتضم كافة القوى السياسية بما فيها حركة حماس، وبحيث تلتزم هذه الحكومة بوقف اطلاق النار المتبادل في قطاع غزة والضفة الغربية ايضا وفقا لصيغة متفق عليها فلسطينيا، من اجل اتاحة المجال لعملية سياسية جادة مختلفة وذات اطار زمني محدد على اساس المؤتمر الدولي الجديد، وبحيث تتولى هذه الحكومة اعادة اعمار قطاع غزة وفك الحصار، والتحضير للانتخابات الجديدة في موعدها الدستوري مطلع العام 2010، فربما امكن لكم احداث التغيير المنشود في التقدم الحقيقي نحو السلام، السلام القائم على الشرعية الدولية وليس( السلام الروماني ) الذي تسعى اسرائيل لفرضه طوال الوقت .
ان اشارة تغيير جادة من طرفكم يمكن لها ان تغير المناخ تغييرا كبيرا، وفي مركز هذا التغيير الاقلاع عن كل السياسة التي اعتمدتها ادارة بوش تجاه الشان الداخلي الفلسطيني، وبحيث توجِدون المسافة المطلوبة بين متطلبات المجتمع الدولي التي يمكن ان تلتقي معها كل القوى الفلسطينية وبين الشروط الاسرائلية التي تكرست بشكل مجحف في النصوص الحرفية لشروط اللجنة الرباعية.
هذا ايضا يمكن ان يسجل لكم في المساعدة على اعادة الاعتبار للوجه الاخر للصورة الاصيلة للمجتمع الفلسطيني التعددي الديموقراطي التواق الى التحرر والاستقلال والسلام، وهي الصورة التي لا زلنا نصر على التمسك بها رغم كل التشويش الذي نظلله بها حالة الانقسام الطارئة في الواقع الفلسطيني.
28\1\2009