أيهّا المراسلون الميدانيون ،
يامن تنقلون ألينا غبار المعارك وصور أشلاء البشر ،
يا من ترافقون الدبابات والمجنزرات .... والجنرالات ،
يا من تشاهدون عن كثب قتلة الاطفال والنساء والأبرياء ،
يا من تصاحبون بطولات عساكركم من بيت الى بيت ... ومن جثة طفل إلى جثة امرأة ،
هل شاهدتم صديقي ؟
ذلك الطفل الأسمر ، الجميل مثل الملاك ، المبتسم مثل وردة عطشى على سفح تلة ، الذي يعدو ويقفز مثل مهر في الشهر الأول من ولادته ،
ذلك الطفل الملاك الذي باعني العلكة عند معبر ايرز وأهداني المعوذتين عند مفرق بيت حانون ، صديقي الطفل الأسمر كان يحمل طبقا خشبيّا فيه علكة أوربت ، وفيه تعاويذ ، وفيه ولّاعات ، وفيه دبابيس شعر ملوّنة ، وفيه عصافير ، وفيه فراشات .
فتشت عنه في صور الفضائيّات العربية والمستعربة والأجنبيّة والأعجميّة ،
بحثت عنه في صفحات الصحف العربية والعبرية والانجليزية ،
فتشت عنه في الشبكات العنكبوتية ،
هناك ، هناك ، بين الدمار ، بين الأطلال ، بين من كانت تسمى أحياء أو تسمى بيوتا ، بين فتات الحجارة ، بين الباطون الذي صار رمادا ، بين الأسمال ، بين الملابس الممزقة ، بين أشلاء البشر ، بين الأصابع المبتورة ، بين السيقان التي جفّ الدمّ عليها ، بين الراحات المستجيرة ، بين العيون التي قفزت من محاجرها رعبا ، بين بين بين ،
هناك هناك وجدت بقايا الطبق الخشبي ،
رأيت بأمّ عيني شيئا من أغراضه ،
عصفورا مقتولا ،
فراشة ذبيحة ،
يا مراسلي الميادين ويا صحفيي الانترنت
من رأى منكم صديقي صامد الغزاويّ ،
تلميذ في مدرسة الأونرا في الفاخورة ،
عيناه عسليتان ،
شعره أسود منفوش ، علاقته غير وديّة مع الحلاقين ، لا عن ترف ولا عن مودة بل عن سوء الحال ،
فمه أحمر صغير ،
أسنانه بيضاء مفلوجة ،
وجهه أسمر ،
باعيني علكة أوربت ....
وقال لي إنه يحبّ العصافير والفراشات والحمام ..
يا ناس ، يا بشر ، يا مراسلون ، يا صحافة ،
من شاهد منكم اطفال غزة ، شهداء بيت حانون ، قتلى تل الهوى ،
يا من رأى أيدي الاطفال ، راحات الاطفال ، سيقان الاطفال ، عيون الأطفال ،
الاطفال الموتى ، القتلى ،
ارجوكم ، اتوسّل اليكم ، أنا ديكم ،
ابحثوا لي عن صديقي صامد الغزاوي الذي باعني العلكة ، ليأكل خبزا ويشتري قلما ودفترا ، وأهداني التعويذتين ، وقال لي وهو يبتسم مثل الفجر : " لا تهتمّ ، يا عمّ ، نحن باقون هنا . . ".
باقون ... باقون ..