لم يختلف اثنان يا عمي وصديقي وأستاذي أبا وهيب، على صحة انتمائك لشعبك ووطنك.
لم يختلف اثنان على نكرانك لذاتك وأنت تسعى لبناء مجتمع وجيل قادر على الاستمرار والتقدم أمام دعاة التشاؤم وفقدان الأمل.
وكنت تردد باستمرار أن دعاة التفاؤل ليسوا واهمين أو حالمين طوباويّين. بل هم من سبروا أعماق المجتمع وحددوا نقطة الانطلاق لخلق قيم جديرة تليق بتاريخ شعبنا وامتداده في الأرض والحضارة.
لم تكن يا عمي واستاذي تبحث عن نفسك في مشوار البناء.. بناء الإنسان وإزالة الفوارق الطبقيّة التي أفرزتها ثقافة العبودية والاضطهاد والانتقام، فلم تتوقف عن العطاء من أجل الفكرة وتمثيلها وتطوّرها وتكامل أضلاعها.
سنوات عَشْر مضت على غيابك يا فارس الوطن وحادي الركب وملهم الأحرار.. سنوات عَشْر وأنت في الوجدان والعقل والضمير والفكر والعمل.
فالمسيرة التي بدأتَها مستمرةٌ رغم تعثرها في أحيانَ كثيرة، فالاحتلال والاستيطان ما زال فاغراً فاهُ على الأرض والتراث والإنسان مثل عين شيطان خنّاس.
ولكن الهدف الذي حدّدَتْهُ مسيرتك المثلى ما زال نصب أعيننا وعلى امتداد أنظارنا.
يا عمي الغالي أبا وهيب:
أبناؤك فلذات كبدك حفظوا الرسالة، فساروا على خطاك لإتمام ملامح الصورة ونشر المعرفة الرفيعة.
يا صاحب الرسالة التي شقّت طريقها مشتبكةً بقضايا كثيرة شائكة، وحده الوقت يرفد العمر لتبدو الصورة بكامل وضوحها.
كنت وكانت الفكرة – الوطن في الميدان الأرحب متوجّهاً إلى عقل القارئ ووجدانه لتمتعه بفكر نيّر يؤكّد شرعيّة الفكرة ويفضح النقيض الزّائف في منظومةٍ ثائرة على الطغيان والاستبداد والقمع.
إنه نشيد الحرية يا أبا وهيب في مواجهة أعداء الحرية.. نشيد الفكر في مواجهة الجهل والخرافة والتعصّب، ومن احترفوا طمس وتشويه الحقيقة. إنه نشيد الإنسان لأخيه الإنسان..
هذا النشيد الذي سنردّده وسيردّده أبناؤنا من بعدنا لتنتصر الحياة على الظلمة القاتمة والموت ودعاة النّفاق والمنتفعين الذين يدأبون على تسميم مشروعنا الوطني والثقافي.
ها هي زوجتك الوفية عمتي سميّة "أم وهيب" تجدّد الذكرى وترش العطر على صورك المثبّته في صدر البيت..
لم تغفل عن ذكرك لحظةً واحدة.. كيف لا وهي الوفية الصادقة صاحبة القلب الكبير أم الجميع.
الآن يا عمي الحبيب أبا وهيب، هي تعاني من أوضاع صحية كمثل هشاشة العظام وانحناء الظهر..
وعندما كانت تُوَزَع جريدة الإتحاد كانت مواظبة على إحضارها وكان هذا نشاطها اليومي كما نهلتْ من مدرستك الفكريّة.. ها هي تكمل خطاك في الواقع والخيال وأمام المشهد العام في رحلة ماراثونية متواصلة.
في صباح يوم 5/9/2020 يا عمي الغالي أبا وهيب، وفي عز لهفتها لجريدة "الاتحاد " وعندما همّت لإحضارها وقعت على الأرض وكُسِرَ كتفها الأيمن.. ولا تزال تعاني وتتألم.. إلّا أنّ شوقها لك ورغبتها في السير على خطاك يعينها على احتمال الألم.. فأنت الكبير المُلْهِمْ والمعلّم الذي بعثتَ في نفوسنا القدرة على تحمّل الألم وتجاوز الصّعاب.
وها هي تملأ الفراغ الذي تركته مكملةً مشوارك ونهجك في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الأصدقاء والأقارب وحافظي كلمة السّر.
أمّا وهيب واديب وأبنائهم مرح وميسان وماريا وكاترين وميليسيا وأثير يُفاخرون بك وبتاريخك يا أعظم جدّ وأعزَّ مثال، أبناء وبنات أوفياء لآبائهم وأجدادهم، متفوّقون وناجحون في حياتهم العملية ويفاخرون بك في الجلسات الخاصة والعامّة، كيف لا وأنت مفخرة الجميع وعنوان كل الشرفاء في "الطيرة" وفي كل أرجاء الوطن.
وسوزان حبيبتك، ابنتك الوفيّة، الابنة الرؤوم الحنونة، لا تزال هي الأخرى تستلهم ذكراك، كيف لا وهي الطالبة النجيبة المخلصة في مدرسة إبداعك الفكري والإنساني.
بنبل أخلاقها وإخلاصها تتذكرك في كل موقف وقفتَ فيه وقفة عز نصرةً للحق والفقراء وعشاق الوطن..
وها هو أحمد، حفيدك الأكبر يا عمي الباقي في القلوب أبا وهيب، يخط طريقه بنجاح بكل ما أوتي من قيم الحبّ والنقاء وطهارة الروح.
تزوج ابننا أحمد.. الطبيب الواعد الحاذق من وفاء وأنجبا الصغير الجميل فالح.. الذي ملأ قلوبنا فرحاً وغبطةً بقدومه.. وبعد فترة وجيزة رحلت والدته اثر مرض عضال ألمّ بها، تاركةً قلوبنا تتحسّر إلى الآن على رحيلها المفاجئ، فقد كانت مثالاً للزوجة الصالحة والأم الأصيلة.
لم تأتِ الرياح يا عمي الحبيب أبا وهيب كما شاءت سفنُنا.. وهذا ما لم نتوقعه ولم نكن نسعى إليه مطلقاً.
فقد كنا أسرة واحدة بكل تفاصيل الأسرة الواحدة، إلّا أننا نأمل من الله العلي القدير أن تعود العلاقة مع أصهارنا إلى ما كانت عليه من ودٍّ واحترام وتلاحم.
وعلى الصعيد العام، تغوّل الفاشيون الذين كنتَ تَصفُهم بأعداء الشمس والإنسان، تغوّلوا على الأرض والتراث، فزيّفوا الرواية وأنكروا الحقوق وغرسوا أنياب التعصّب والكراهية سهاماً مسمومة قاتلة ننتزع منها ما نقدر عليه كلّ يوم.
تراجع الفكر التقدمي الذي سهرتَ على حمايته وتعميمه يا عمي الحبيب أبا وهيب، فأصبحت المصالح الشخصية عند البعض سيدة الموقف، وغاب الشعور الجمعيّ إلى حدٍّ ما وسيطرت الأنانية على النفوس والعقول والطبائع.
ولكننا لا نزال نجمع خيوط الأمل برغم كل الآثار السلبية والألوان الخادعة المخادعة التي يسعى أصحابها، من خلال قتامة تلك الألوان، إلى بسط سيطرتهم على العقول والأذهان.
ها نحن على نهج الأحرار، متجاوزين الخاص إلى العام كما علمتنا أيها المناضل المفكر القدير.. على نهج الأحرار كما عرفتنا.. كما عهدتنا.. في مقدمة الركب باتجاه انبلاج الفجر.
رحمك الله.. والعهد هو العهد أيها العم القائد القدوة والمُلهِم القدير.
إضافة تعقيب