news-details

الشعب الأوكراني هو الضحية.. أولًا وأخيرًا | مليح الكوكاني

 العملية العسكرية الروسية التي طال أمدها في أوكرانيا، والتي دخلت عامها الثاني، جديرة بالاهتمام والدراسة والتحليل بمنظور أمني إستراتيجي، كما يراه المختصون والخبراء في هذه الجوانب. وعلى ما يبدو، كما أتعلّم من التحليلات، جاءت من ضروريات الحفاظ على الأمن وحماية مصالح الأمة الروسية، والوقوف سدّا "منيعا" في وجه التمدد والتوسع العدواني لحلف الناتو شرقًا، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ومعاهدة وارسو في تسعينات القرن المنصرم.. بعد أن أصبح لدى الغرب الأطلسي متسع من عروض الإغراءت والحيل الثعلبية لضم وشلّ دول في شرق أوروبا إلى محورها العدواني على حساب التلاعب بالمصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب، محاولًا تبني سياسه التبرير، وإحكام الحصار لتمزيق وتفتيت روسيا والاستيلاء على خيراتها الضخمة، بغية إضعافها والعودة بها إلى نقطة الصفر في زمن القيصرية قبل 1917 ، وذلك  في الوقت الذي يدرك فيه الغرب الأمريكي والأوروبي، أن التحرك الروسي جاء بعد نفاد الصبر من عدم جدوى المفاوضات والاتفاقيات التي وضعت حبرًا على الورق، ولا أهمية لها على أرض الواقع. لقد أدرك الروس أن أمنهم أصبح قاب قوسين  أو أدنى وأن الخطر أصبح على حدودهم الغربية.

لقد رأى المحللون الغربيون وساسة المتنفذين في إدارة بايدن وشركاؤه الأوروبيون وحكام إسرائيل، أن هذه "الحرب"  تدحرجت بفعل سياساتهم التوسعية العدوانية. فقد كان بالإمكان تجنبها ومنعها، في الوقت الذي يشعر العالم فيه بالندم في زمن لا تلوح فيه أية بادرة لإحلال الوئام والسلام بين أطرافه، إذ يتوجب على الإنسانية المعذبة، البحث عن المستفيد الأول من إشعالها وجدوى استمرارها، الذي يقود إلى استنزاف القارة الأوربية ومواردها ومجمل الاقتصاد العالمي. "فالحرب" المذكورة بلغت أشدها وتحولت بين ليلة وضحاها إلى صراع اقتصادي بوسائل عسكرية وهيمنة ومناطق نفوذ لتجريب كل أنواع الأسلحة والتهديد باستعمال المخزون النووي لحرق الأخضر واليابس معًا، والنتيجة أن ضحيتها الشعب الأوكراني وموارده التي وضعها الناتو وأمريكا لخدمة أطماعه وارباحه، من خلال الضغط وإجبار الشعوب والأنظمة الأوروبية على المشاركة العدوانية في تمويل خططهم الجهنمية لخدمة مجمعات وكرتيلات الأسلحة في كل من أوروبا الغربية والولايات المتحد

 فالمصانع المخصصة للإنتاج العسكري وجدت في الصراع فرصتها الذهبية، أصبحت تعمل ليل نهار على الإنتاج في شحن المعدات العسكرية من كافة الأنواع وتدفقها بغزارة وإسناد مالي لا سابق مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية. إنهم غارقون حتى الثمالة في مستنقع الدم. إن المسؤولية الدموية تقع على رقابهم، لأن الأمور أصبحت تستنزف جيوب الكادحين ومواطنيهم. وحتي مخازن الأسلحة في دولهم على وشك النفاد، وأما الصراخ الشعبي والرسمي فما هو إلا على قدر الاستهلاك والمرارة من الوجع دون تحقيق شيء يذكر، ذلك رغم عدم جدوى الحصار المفروض بلطجيًّا على روسيا كعقاب يرزح تحت وطأته الملايين من البشر في أوروبا وآسيا والعالم أجمع . إن مفهوم العودة إلى نقطة البداية في الصراع، ليس بالأساس مع النظام الحاكم في أوكرانيا، وإنما مع مشاريع الولايات المتحدة وحلفائها في المنظومة الاقتصادية والعسكرية والتوجهات التوسعية ذات النظرة العدوانية للسيطرة على العالم، الذي بات لا يقبل الهيمنة ويرفض تقبل عالم من قطب واحد.

المجمع الصناعي العسكري لدول الناتو، تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهي صاحبة القول الفصل وتنفرد في هيمنتها منذ الحرب الكونية الثانية، من خلال تقسيم العالم وإقامة الأحلاف العدوانية ونشر الإرهاب العالمي على الساحة العالمية، لزرع بؤر الهلاك والموت عبر تجارتها بالوسائل الفتاكة وشن حروب لاستنزاف الموارد وطاقات الشعوب والدول، وما الصراع العربي الفلسطيني-الإسرائيلي الأمريكي، إلا مثال على حالة الاستنزاف والسيطرة الأمريكية على مدار القرن العشرين وأكثر، وهدفه السيطرة على ثروات وموارد المنطقة العربية كبؤرة اشتعال ملتهبة على الدوام. إن وجود حلف الناتو كقوة هيمنة وضاربة، أصبح أداة ورمزًا من رموز العربدة ووسيلة لنشر التخويف والسيطرة، وليس لحماية أمن الشعوب واستقلالها، وليس للدفاع عن كرامة الشعب الأوكراني، وإنما هدفه الأول الوصول إلى ثروات هذا البلد، وجعله الخادم المطيع والوفي على موارده لصالح رأس المال الاحتكاري الغربي والأمريكي بالذات، وجعل الأراضي الأوكرانية رأس الحربة للانقضاض على الوطن الروسي.  إن الحقيقة المرة هي أن الرأسمال الاحتكاري وكرتيلات معامل الأسلحة الغربية لا تعرف الشبع، فهي أشبه بالنار التي تستهلك الوقود باستمرار، ولا يهم من يكون وقودًا من الموارد الاقتصادية أو البشرية. المهم الاستغلال والربح ثم الربح.

إننا نسأل باستمرار.. كم من المشاكل والصراعات وبؤر التوتر، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بحلها في هذا العالم المغلوب؟ إننا نتذكر الحروب التحررية لشعوب الجزائر وفيتنام وكمبوديا ويوغوسلافيا التي قسمتها إلى ستة كيانات، وتركتها نزيفًا ينهش في الصومال وليبيا وسوريا وإيران، وجعلت من اليمن والعراق أرضًا محروقة، وأما قضية فلسطين أقدم صراع في العصر الحديث فلم تنته بعد.  وتركوها شلالًا من الدم ينزف على مدار اليوم. وحتى الدعم للشعبين السوري والتركي في مواجهة آثار الزلزال المدمر، فقد تغاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن تقديم الدعم المطلوب لتجاوز المحنة، وها هي تستفز الصين في محاولة ثعلبية لخلخلة الأسس القائمة عليها جمهورية الصين الاشتراكية، لمحو إنجازاتها العلمية والاقتصادية.  لقد فعل الغرب المتوحش والأمريكي المهيمن ما فعله ويفعله في استدامه أسس الصراع في أوكرانيا وغيرها دون أن تدخل جيوشه الآمنة، عتبات الصراع ودون أن يراق دم جندي واحد. إن الولايات المتحدة والأطلسين الأوربيين ومعهم حكام إسرائيل والآخرين، لا يعرفون السلم أبدًا ولا يزدهرون إلا على مذابح الموت للآخرين، وما يحركهم سوى إله النهب ولصوصية رأس المال في تجارة الأرواح عبر سفك دم الشعوب من خلال صنع وبيع وتوريد وسائل الإبادة والحروب والاستيلاء على خيرات الآخرين. 

أبو سنان

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب