أتذكر، منذ أن كنت شاباً صغيراً، جولاتي مع عمي القائد الوطني الشيوعي غازي شبيطة " أبو وهيب " ولقاءاته، بحكم عمله سكرتيراً للحزب في المثلث، مع قامات وطنية أممية من الجليل والمثلث والنقب، لقاءات بُنيت على تكريس المبدأ.. والعمل الجاد من أجل خلق أجيال تحب وطنها وشعبها وتناضل في سبيلهما.
لقاءات كان هدفها العمل المشترك الذي يؤتي ثماره ويحقق الإنجازات التي تدوم لفترات طويلة من الزمن.
تطل ذاكرتي الآن على قامات كبيرة راسخة في صميم الفعل الشيوعي والجبهوي الذي كان بوصلته تشير إلى وحدة الجماهير العربية في الداخل.. وحدة أطرها ومؤسساتها وهيئاتها الفكرية والأدبية على قاعدة تحصين الجبهة الداخلية من الاختراقات الصهيونية والعنصرية، وبناء الإنسان الواعي المثقف المدرك لما يدور حوله.
أيام لا تفارق العين ولا الخيال.. وسنوات تقتحم العمر، وصور مرسومة في الوجدان تعززها ذكرى لا يمكن لها أن تخبو أبداً.
أطلُّ بذاكرتي الشابة، على شخصيات قيادية تركت أثراً عميقاً في قلبي وعقلي، وفي قلب وعقل كل وطني مخلص غيور من أبناء شعبي.
لن أنسى، مهما اكفهرّ الظلام وتراكم الضباب، المناضل المثقف الموسوعي الرفيق أديب أبو رحمون " أبو خالد "، والمناضل المثقف الأديب الثوري العريق الرفيق محمد نفاع " أبو هشام ".
كان تلك اللقاءات يشوبها الحب والمرح والنكتة والثقة والجد، ورسم الخطط الكفيلة بتعزيز دور الشباب داخل فروع الحزب، وايجاد السبل الكفيلة بمشاركتهم في صنع القرار دفاعاً عن الهوية والوجود التاريخي لشعبنا في أرضه وصموده فيها رغم غلاة الفاشية والعنصرية القاتلة من أعداء الشمس والإنسان.
كان الفعل الوطني، آنذاك، عظيماً وراقياً، يلتف حوله المئات بل الآلاف من أبناء شعبنا في كافة المدن والقرى..
وأتذكر المخيمات الصيفية التعبوية التي كان يشرف عليها الحزب الشيوعي والجبهة، والخطابات التي تعزز الأمل والثقة بالمستقبل..
يلتقي الرفيق أبو خالد والرفيق أبو هشام والرفيق أبو وهيب، في تلك المهرجانات التي تقام ضد مصادرة الأراضي ونهبها وسلبها من قبل المستوطنين، يخطبون بلغة قوية واثقة معبرة عن صوت كل الجماهير العربية ضد الاحتلال وسياسات البطش والإرهاب التي تمارسها المؤسسة الصهيونية بحق شعبنا وأرضنا في نفس الوقت.
في رحاب المخيمات الصيفية يلتقي المثقفون والأدباء والشعراء لإلقاء القصائد والمحاضرات والندوات القيمة التي تعود بالفائدة على جيل الشباب ليسلك طريقة المناسب الصحيح.
وأتذكر تلك القامات الباشقة وهي تصرخ في وجه الاحتلال البغيض وأعوانه من الرجعيين والعملاء والمنتفعين.. كفى قمعاً واستهتاراً بحقنا.. كفى تنكراً لوجودنا.. لنا الحق بالحرية في أرض آبائنا وأجدادنا.. سنقول كلمتنا ولن نخاف من بطشكم وسجونكم وجلاديكم..
سنصمد ونصمد ونصمد مع شعبنا كله، فوطننا يحتاج منا الكثير، وسنبقى على عهد شعبنا بنا، مناضلين أحراراً لن نفرط بحقنا في الوجود.. هذه أرضنا وسيبقى شعبنا شوكة في حلق الفاشيين ودعاة الترانسفير والتمييز العنصري والتطهير العرقي.
هذه الكلمات وهذه الشعارات البراقة في سكنت ذاكرتي شاباً يافعاً وكبرت معي.. كبر معي حبّي للخالدين أديب أبو رحمون ومحمد نفاع وغازي شبيطة، وكبر معي حبي لوطني وشعبي، وكبرت معي الفكرة التي تحدد الهدف والمسيرة رغم كل المصاعب والعوائق.
إنها ذاكرة شاب.. ذاكرة نقيّة نقاء موج البحر ومياه الأنهار.
كان هؤلاء القادة يجيدون الخطابة واختيار الجمل المناسبة في مكانها المناسب، خطباء مقنعون لا تملك إلا أن تقف احتراماً لهم ولما يقولونه من كلام بديع يستقر في العقول والأذهان.
كلام يبعث الهمم في النفوس ويبثّ الطمأنينة في القلوب.. فهو نابعٌ من ضمائر عاشقة لكل ذرّة تراب من الوطن.
معارك كثيرة خاضها أبو هشام وأبو خالد وأبو وهيب دفاعاً عن حق شعبنا في البقاء وحقه في الدفاع عن أرضه والتصدي لكل الطغاة والطامعين بها.
من قمم الجليل وحتى النقب.. كان الصوت يملأ الأرجاء..هنا آباؤنا.. هنا أجدادنا.. هنا نحن.. وهنا أبناؤنا من بعدنا.
لن نرحل.. سنبقى على صدورهم صخرة صمّاء.
لن نرحل.. فهذه أرضنا من الأزل إلى الأبد..
وأتذكر إحدى اللقاءات التي جمعتني مع المناضلين أبي خالد وأبي هشام وأبي وهيب، كان الحديث يدور عن أهمية الشعر والأدب في حياة الشعوب الحرة..فهو الذي يصوّر معاناتها وآمالها في التحرر من الاستعمار.
الذكريات كثيرة كخصب السهول..
يفوح شذاها في وجداني..
ويملأ بريقها عقلي وقلبي..
وستبقى ذكرى الرفاق محمد نفاع وأديب أبو رحمون وغازي شبيطة ناقوساً يدق في عالم النسيان.. ومنارة يهتدي بها من أراد الهداية، حتى نحفظ العهد من بعدهم، ونسير على دربهم حاملين نفس الفكرة ونفس الراية حتى انبلاج فجر الحرية..
الطيرة / المثلث
إضافة تعقيب