news

الترجمة والهيمنة

هل هناك فرق بين أن يقوم مترجم من بلدٍ كان خاضعًا لهيمنة غربية، أنجلو ساكسونية أو فرانكفونية، بترجمة نصوص أدبية أو فكرية من لغة القومية التي كانت مهيمنة على بلاده إلى لغته الأم، وأن يقوم مترجم غربي، أمريكي أو بريطاني أو فرنسي.. إلخ، بترجمة نصوص أو أشعار عائدة لكتاب وشعراء من بلد كان خاضعًا لاستعمار البلد الذي ينتمي إليه هذا المترجم، إلى لغته، أي لغة البلد المهيمن، أو الذي كان مهيمنًا؟
ستذهب البداهة إلى القول بأنه ما من فرق بين الأمرين، فالمسألة، في نهاية المطاف تتصل بقضية ذات طابع تقني أساسًا، تتطلب من المترجم، في الحالين، أن يكون ملمًا باللغة التي يترجم منها، وأن يكون متمكنًا أيضًا من اللغة التي يترجم إليها، أي لغته الأم، وبالتالي فإن الحديث إن دار عن فروقات، فإنها ستكون ذات طابع تقني أيضًا، تتصل بصعوبات كل ترجمة من لغةٍ إلى أخرى.
لكن الأمر ليس على هذه الدرجة من التبسيط، كما يبدو ظاهرًا. وفي عبارات أكثر دقة ووضوحًا، فإن الفروقات بين الحالين ليست محض تقنية، وإنما لها مضامين تتصل بفكرة الهيمنة، في وجهها الثقافي بشكل أخص، وهو الأمر الذي انشغلت فيه دراسات ما بعد الكولونيالية، التي رأت أن المترجمين الغربيين لآداب وثقافات الشعوب التي كانت خاضعة لنفوذهم، تنطوي على درجات متفاوتة من الاستعلاء عليها، حيث تراها في مرتبة أدنى من ثقافة وأدب الأمم التي ينتسب إليها هؤلاء المترجمون.
من جهة أولى، يلاحظ أن الترجمة، في الغالب الأعم، إنما تجري في اتجاه واحد، أي توجه مثقفي البلدان المهيمن عليها نحو الترجمة إلى لغتهم، آداب وثقافات البلد الذي كان مهيمنًا عليهم، أو لا يزال، فيما تندر، وربما تنعدم، الترجمات في الاتجاه المعاكس، أي ترجمة ثقافة وأدب البلد الخاضع إلى لغة البلد المهيمن.
وجه استعلاء مترجمي لغة المهيمنين يظهر، على ما يلاحظ دوجلاس روبنسون، مؤلف كتاب "الترجمة والإمبراطورية"، في ميل هؤلاء المترجمين إلى تصوير الأعمال التي أنتجتها الثقافة المسيطر عليها، بأنها صعبة وغامضة ومستغلقة وباطنية، لا يمكن أن يفسرها سوى فريق صغير من الدارسين والمهتمين.
كما أن هناك وجهًا آخر للأمر، فعند اختيار الأعمال التي تترجم من ثقافة الشعوب المهيمن عليها، يجري، وبعناية، اختيار الأعمال التي تناسب مزاج وأهواء الثقافة المهيمنة، وتجاهل الأعمال التي تحمل روحًا مغايرة، خاصة تلك التي تحمل شحنة رفض ومقاومة للهيمنة الغربية.
والمؤسف، أن بعض كتاب البلدان المسيطر عليها، ممن أصبحوا يكتبون بلغة المهيمنين، تلبستهم هذه الحال، فصاروا يميلون في أعمالهم إلى تكريس الصورة النمطية السائدة لدى الجمهور الغربي حول غرائبية العادات وأوجه السلوك في مجتمعاتهم، المسقطة من مناخات "ألف ليلة وليلة" وما إليها.